رأي ومقالات

سد النهضة.. وخمسة سيناريوهات محتملة

بعد إعلان إثيوبيا الانتهاء من الملء الرابع لسد النهضة، والذى من المفترض أن يكون الأخير جددت مصر إعلانها برفض تصرفات إثيوبيا الأحادية التى تضر بدولتى المصب.

وأكدت على لسان السفير سامح شكرى وزير الخارجية، فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2023، بأنه «لا مجال للاعتقاد الخطأ بإمكانية فرض الأمر الواقع، عندما يتصل الأمر بحياة ما يزيد على 100 مليون مصرى»، فى إشارة إلى أضرار سد النهضة على وفرة المياه الواردة إلى مصر بعدما وصلنا إلى حيز الفقر المائى بالفعل. وفى المقابل، جاءت كلمة وزير خارجية إثيوبيا أمام نفس المحفل، لتؤكد أن الهوة بين الطرفين تستعصى على الحل، حيث شدد على أن «بلاده ترحب باستئناف المحادثات الثلاثية مع مصر والسودان بهذا الشأن، مؤكدا مواصلة الالتزام بالوصول إلى نتيجة تفاوضية تعود بالنفع على الجميع بتيسير من الاتحاد الأفريقى».

وبالتالى، تستمر إثيوبيا فى كسب الوقت وخلق واقع جديد بينما تستمر التأثيرات السلبية على دولتى المصب، حيث تأخر ورود الفيضان هذا العام أيضا، لذلك نطرح خمسة سيناريوهات محتملة للتعامل مع هذا الوضع الشائك.

السيناريو الأول، حل الموضوع بتدخل من منظمة البريكس، بقيادة الصين وروسيا. فالصين لها استثمارات متنوعة فى البنية التحتية فى إثيوبيا، وكانت من داعمى إنشاء سد النهضة. أما روسيا فلها علاقات وثيقة مع إثيوبيا وساهمت فى تقوية دفاعاتها وتطوير بعض قدراتها المسلحة الدفاعية. وكل من الصين وروسيا له مصلحة فى الوصول لتوافق بين مصر وإثيوبيا، لكى لا ينعكس ذلك على حالة التماسك داخل منظمة البريكس. بمعنى آخر، لقد ورثت منظمة البريكس التوتر السياسى بين مصر وإثيوبيا النابع من ملف سد النهضة. وأصبحت المنظمة أمام تحد لحل هذا التوتر بطريقة مرضية للطرفين. والحد الأدنى الذى تطالب به مصر، هو تحويل اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015، إلى اتفاق قانونى ملزم، بحيث تستطيع مصر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية حال حدوث أى مخالفة من جانب إثيوبيا. ومن ناحية أخرى، إثيوبيا لا تريد الخضوع للفيتو المصرى على مياه نهر النيل، وتريد أن تتصرف فيها كيفما تشاء. وهذا الوضع سابق على حصول الدولتين على عضوية البريكس، ولم تتفاجأ به المنظمة، لذلك نتوقع أن يكون لها دور بقيادة الصين فى الوصول إلى حل.

السيناريو الثانى، أن تخفق منظمة البريكس فى حل الموضوع، مما ينعكس سلبا عليها فى المنطقة العربية وشمال أفريقيا. وتعود مصر لطلب وساطة الولايات المتحدة والبنك الدولى. ومع أن هذا السيناريو غير مرجح نظرا لإخفاق إدارة الرئيس السابق ترامب فى حسم الموضوع بعدما وصل إلى مرحلة التوقيع على الاتفاقيات فى يناير 2020، فإن الاحتمال مازال قائما أن تحاول الولايات المتحدة مجددا العودة لذات الملف، لأنها بذلك تقلص تواجد منظمة البريكس فى منطقة هامة بالنسبة لواشنطن، وقد تحاول استقطاب إثيوبيا أيضا لتحاصر نفوذ الصين فى القرن الأفريقى. وبالتالى يصبح الإخفاق الصينى هو مفتاح النجاح للولايات المتحدة. وهذا الوضع يشبه ما قامت به الصين فى ملف المصالحة السعودية ــ الإيرانية.

السيناريو الثالث، وهو نجاح وساطة الاتحاد الأفريقى الذى يرعى المفاوضات منذ عام 2020 وإلى الآن. وبالرغم أن هذا الاحتمال ضئيل للغاية ولكنه يبقى أحد السيناريوهات المحتملة للحل. لاحظ أن إثيوبيا هى دولة المقر للاتحاد الأفريقى، وقد يصادف تعنتها فى حل ملف سد النهضة دعوات بفقدان مصداقيتها لاستضافة مقر الاتحاد الأفريقى. لكن المشكلة أن الاتحاد الأفريقى نفسه يفقد تأثيره فى ظل عجزه عن التدخل، ناهينا عن التصدى للانقلابات العسكرية التى تجتاح غرب ووسط القارة الأفريقية. بالتالى قد يكون الاتحاد الأفريقى ورقة لتضييع الوقت من وجهة النظر المصرية، بينما هى فرصة لكسب الوقت بالنسبة لإثيوبيا. فى كل الأحوال، يبقى التعويل على الاتحاد الأفريقى هو أضعف السيناريوهات الدبلوماسية. وفى نفس السياق، لم تصل الدول الثلاثة، مصر والسوادن، وإثيوبيا إلى أى نتيجة تُذكر من المفاوضات المباشرة التى جرت بينهم على مدار عشر سنوات. ومن ثم نستبعد حدوث انفراجة من التفاوض المباشر.

السيناريو الرابع، أن يتفاقم التوتر الداخلى المزمن فى إثيوبيا بين الأقليات والتى كان آخرها حرب إقليم التيجراى التى دارت منذ عام 2020 وحتى توقيع اتفاق هش للسلام فى نوفمبر 2022. وأسفر النزاع المسلح بين جبهة تحرير تجراى الشعبية، وبين قوات الدفاع الوطنى الإثيوبية (إى إن دى إف)، والذى تورطت فيه القوات الإريترية، عن حدوث جرائم حرب مروعة من قبل الطرفين أثناء النزاع. ولقد اندلعت مواجهات متكررة من قبل ميليشيات أخرى فى منطقة أمهرة فى صيف هذا العام، واتهمتها السلطات الفيدرالية الإثيوبية بمحاولة الإطاحة بالحكومتين الإقليمية والفيدرالية، الأمر الذى استدعى إعلان السلطات حالة الطوارئ واستدعاء قوات الدفاع الوطنى الإثيوبية للتصدى لميليشيات «فانو» مما ينذر بتجدد الحرب الأهلية. وهذا السيناريو هو الأخطر ليس فقط على حالة التماسك الداخلى، وإنما أيضا على حالة سد النهضة ذاته. فلقد سبق واستهدفت تلك الميليشيات محيط سد النهضة بهجوم مسلح. ولكن لو حدث ضرر فى السد فإن ذلك بمثابة تهديد وجودى للسودان. ويكفى أن نعرف أن كمية المياه خلف سد النهضة تفوق بألف مرة كمية المياه التى تسببت فى مأساة درنة الليبية فى شهر سبتمبر الماضى.

السيناريو الخامس، هو تحييد سد النهضة بترتيب بين مصر ودول النيل الأبيض. وهو السيناريو المعتمد على تعميق مسار النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا وحتى البحر المتوسط، لاسيما فى منطقة المستنقعات بجنوب السودان. ولو تم هذا المشروع لزاد إيراد نهر النيل الوارد إلى مصر بمقدار 12 مليار متر مكعب، إضافة إلى تقوية أواصر التعاون بين مصر ودول حوض النيل، ومساعدتها فى إنتاج الكهرباء.

بمعنى آخر، لن يكون هناك مشتر لكهرباء سد النهضة بسبب الاكتفاء الذاتى لدول حوض النيل من مشروعات السدود التى ترعاها مصر وتشغلها، وبالتالى يفقد سد النهضة أهميته. لكن هذا الحل طويل الأمل يعتمد على استقرار السودان. فبدون حسم الجيش السودانى بقيادة البرهان للموقف الداخلى فى السودان يبقى هذا السيناريو محل شك. وفى كل الأحوال، لا يعنى هذا التفريط فى حقوق مصر من النيل الأزرق، ولكن يعنى توفير البديل المؤقت لكى لا تنجح إثيوبيا فى فرض الأمر الواقع.يتبقى الإشارة لثلاثة أمور. أولها توقعات علماء الجيولوجيا بعدم استقرار المنطقة التى بُنى فيها سد النهضة، فهى عرضة للهزات الأرضية، وثانيها، ما يذكره بعض المتخصصين بأن صور الأقمار الصناعية تظهر بعض التشققات فى جسم السد، وثالثها، أن تلجأ دولة من دولتى المصب إلى خيار المواجهة. ومحصلة الأمور الثلاثة ستكون بملايين الضحايا، ناهينا عن التبعات السياسية.

معتمر أمين – باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
الشروق نيوز
moatameramen