بروفسير الحبر( شهد له القاصي والداني).. والتلفزيون
حبرا ونورا كان.. متسامحا قدوته (يوسف)- عليه السلام.. تسابقت الأقلام نثرا وشعرا وحكمة ويقينا.. تجلت سيرته مفعمة بإيحاءاتها في نعي الدولة(من القلائل الذين عرفتهم لغة الضاد وآدابها.. شهد له القاصي والداني.. مصباح من مصابيح التنوير، حيث قدم العديد من البرامج الدعوية).. بروفسير عصام احمد البشير أطلق كلمة مترعة بنزعات السلوى فأدركت الناس وهم يغالبون دموعهم.. طوف على أدواره بالجامعة والإذاعة والتلفزيون وربوع البلاد وأركان العالم (بادل الجامعة ودا بود، وأفاء على طلابها علما نيرا وأدبا جما، فسر القرآن كاملا بالإذاعة- سحر البيان، وتجلى فى دروس السيرة النبوية في التلفاز)..هكذا أفصح من شهرته الإبداع بالفصحى.. تتري الإشارات من قبيل (شهد له القاصي والداني)..فهو من إخترق معارك السياسة بالحسنى.. ثم هو برلماني جسور ورئيس لجنة التعليم بقمة المؤسسة التشريعية، لدورتين.
إستوقفتني هذه الإشارة الحفية للبرامج الدعوية ولدوره بالتلفزيون الذى فعل ما فعلت الجامعة (ودا بود)..كأنه الدليل على شهادة الدولة له يوم رحيله:(شهد له القاصي والداني).. صورته البشوشة شاخصة في اذهان الناس كافة ، تنبض بالحياة- أهل العلم باقون وإن رحلوا .. تعالت الأكف بالدعاء لمن شهد له الخلق.. أعطى بلا حدود، أورث علما باقيا قرين ما تعهد الله جل وعلا بحفظه (القرآن الكريم).
كنت شاهدا على عطاء له يشهد به(القاصي والداني) عبر التلفزيون.. عطاء(مشهود) قربه من الناس وقرب الناس إليه من خلال شاشة ظلت تحن لمحياه صباح مساء، فهو من هو – كما ورد توا:( رزانة في الطبع، تواضعا في السجية، يألف ويؤلف، باسم الثغر، لذيذ المفاكهة)- قالها بروف عصام أحمد البشير.. إنها ذات الخصائص الرائجة عالميا لمن تبتغيه الفضائيات لتبقي جمهورها معها.. ثم إنها تحديدا ما ألفناه فيه على امتداد تلاقينا بأستديوهات التلفزيون.. يقبل بشوشا، يتحف الناس بطلة متفائلة قوامها قابلية التعامل مع الجمهور ومع الكاميرا.. النتيجة(حلقات ماتعة يطل منها على جمهوره)- كما أفصح دكتور أسامة الأشقر، أحد تلاميذه المفتونين بأستاذيته بآداب جامعة الخرطوم.. ويبدو أنه أسير مازال لسحر الكاميرا كما عهدها تغزلا فى(أرض السمر).
أحبه التلفزيون فحبب الخلق فيه، والحمد لله.. عطاؤه الإعلامي الدعوي يتراءى من بعده ذكرى طيبة تلهج بفضلها الالسن- كما شهدنا.. كل يفيض عن تجربة معه، وكأنه لا أحد غيره يعرفه.. إن تجربة باهرة معه بسوح التلفزيون حملتني لأخرج من صمت الصدمة الأولى للإدلاء بدلو..أمر الشهادة في حق من رحل لهو من السنة، ثم إنه مما يلح من باب الوفاء المستحق لمن ترك فينا أثره.. طلته الباهرة هي مبعث التجلي فيه منذ ظهوره بالتلفزيون لدى تأسيسه مع من أطلوا ببرامج لافتة – عليه وعلى من رحلوا رحمة الله.
أي الإستديوهات لم يعطر أجواءها بروحه؟.. وأي اللقطات لم يلهم جمالياتها بطلته، فيستطيب الجمهور ما يفيض به من معرفة وقيم ومناقب.. يقولون ان القبول من عند الله تعالى- دليل محبة الخلق.. اثرى البرامج الثقافية والدعوية بخاصية القبول التي أودعها الله فيه-(وجه النهار)مع صفيه البروفسور التجاني حسن الأمين مثالا.
إسهاماته تتعدد.. مدخله رقائق السيرة النبوية.. هاجسه أحكام التنزيل كما تجلى في برنامجه(من وحي القران الكريم)- تلاوة الشيخ الطيب الصديق علي، تفسيرا بإلهامات (الطبري)محور دراسته للدكتوراة.. تتعدد البرامج التي شارك فيها تتصدرها التفاعلية المفتوحة للجمهور(ديوان الإفتاء، وجه النهار، المنتدى الفقهي، دوحة الإيمان)واسهامات ممتدة(ندوة الجمعة).
مكتبة التلفزيون حفية بآثاره الروحية الخالدة.. تجلياته الثقافية تتصدر سهرة كبرى بقاعة الصداقة عن الاعمال الفائزة في مسابقة للإبداع الشعري لصالح السلام نظمها التلفزيون عبر لجنة برئاسته.. وسهرة معه لا تنسى سجلت بداره بالعباسية عنوانها(ألق الأسحار)تقديم بروفسور التجاني حسن الأمين، رحمه الله، إخراج المبدع عادل عوض، إعداد رئيسة قسم البرامج الدعوية، ملاك حسن، عليها رحمة الله.. وبالمكتبة حياته موثقة بحلقات(أسماء في حياتنا) للدكتور عمر الجزلي، حامل لواء الوفاء للرموز ودعاة العمل الصالح، فأي شيء هو الخلود؟.
إسهاماته البرامجية تمددت لتحظى بها فرق انتاج برامج الأعياد،مما جعل التلفزيون يفكر في صيغة برامجية جديدة تستوعب المزيد من إلهاماته في المخاطبة والتاثير..تم اختيار المخرج المتميز كباشي العوض ليصمم شكلا باهرا للبرنامج ليقدمه بروفسور الحبر محاورا بروفسير عبدالله الطيب.. رحب بروفسير الحبر بالفكرة فاتجهنا معه والمخرج لملاقاة بروفسير عبدالله الطيب.. تمت المقابلة ولكن!.. إجتهدنا في شرح الفكرة وعناصر الإبهار الموعودة، دون أن يظهر ترحيبا.. فهمنا إنه إعتاد برنامجا يسجل في بيته بكاميرا واحدة (سير وأخبار).
كم من حكاوي في مقام كهذا ذاخر بمناقب من إحتشدت سيرته بالمآثر والقيم.. كان حبرا ونورا.. كان متسامحا لدى الشدائد، يذكر القوم بنبي الله يوسف وهو يجد عذرا لإخوته فيما أوقعوه فيه(نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي) سورة يوسف.. ثم إنه كان إنسانا (يتحب).. لقد أحببته في الله، وكان لي حظا فى صفائه..شرفنا في مناسباتنا وبيتنا وفيما يرفع من شأننا علما وتقوي بإذن الله.. ظللت على تواصل مع إبنه (أبوبكر) حفظه الله وأهله، ليوطد لي لملاقاته بعد إنقطاع، إلى أن فوجئت بخبر الرحيل.. ثم فوجئت بمذيع شاب يعزيني فيه على أنه(صديقي)!..فعدت لأتذكره من جديد، كيف كان يلتقيني بشوشا، ويناصحني، ويحفزني- ما ناداني يوما إلا ببيت شعر فخيم!.. أي شيء هي الصداقة؟!.. عليه رحمة الله.
د.عبدالسلام محمد خير