عادل عسوم: الحزن النبيل
كلما تمر بي مثل هذه الروائع من أزاهير أغنياتنا، أجدها تنتصر في نفسي ايجابا لجدلية الحل والحرمة لأمر الغناء والموسيقي (من بعد أستصحاب لرأي أصيل في الفقه لحلّه)…
فالمرء دوما أبن بيئته، والنفس دوما تقتات على المتاح من مذكيات العاطفة وبانيات الخيال…
فإن جاءت الأديان تبث قيم السماء لترتقي بالنفس من مهاد الحيوانية والسالب من المشاعر الى وهاد وذرى كمال القيم وباحات الجمال والصلاح؛ فأن هذه البكائية لها اثرها على النفس وعلى العاطفة وعلى الخيال!…
فالصوت تصطرع في تموجاته آهات الحزن وشجن الفرح المخبوء في الحنايا ليتدفق شلالا رويا…
أما اللّحن وانسياب الموسيقى؛ ففيه وفيها ارتقاء وخفوت يفعل بالأحاسيس الأفاعيل، ينسرب الى الدواخل من خلال أدق المسامات ليتمشى في مفاصل نعّس…
إنها فاكهة رائحتها جميلة …
ولونها أخّاذ…
وطعمها حلو.
مصطفى…
يامصطفى!…
يامن ولجتَ القلوبَ برفدك الجميل،
لعمري إن صوتك هذا سيبقى ملأ السمع والوجدان الى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
ما اصلو حال الدنيا تسرق منيه في لحظة عشم…
ياعزيزنا، لأن سرقت الدنيا الأمنيات في لحظة عشم؛ فان الحزن لامحالة -بل حريُّ به- أن ينصب فسطاطه في دواخلنا ابد الدهر من بعد رحيلك (وقد فعل)!
يامصطفى،
لعمري إن هذه الأغنية المَجيدة ستبقى شمسا تهبنا الدفئ …
والضوء …
والعزم.
نستصحب كل ذلك لنستقوي به ونخطو في ثبات على درب الحياة ماتتالت حبات مسبحة -سني العمر- في يد الزمان…
ما أوهن خطاوينا بلا وقود من حب،
فما من جسد الا مثخن بجُرح الاسى، والقلوب مافتئت تحتمل الحمل الثقيل من الألم،
وكم من انفس تتلبس وشاحات من أسى،
لكن…
هناااااك في آخر المدى…
ينبري لنا صوتك الفخيم
وينداح متمددا على خط الأفق كما قوس قزح…
يتردد صداه بين الكواكب ليصل الى زحل…
ندمان أنااااااااااا
فاذا بعجلة الزمان تتوقف على أرضنا…
واذا بالجبال كالعهن المنفوش…
واذا بنا نستحيل أرواحا تهوِّم في الفضاءات العُلى…
وإذا بالأعين تتغشاها اضواء النهارات المطيرة…
واذا بالصدور تمتلئ بأنسام التسامح والرضى بالقدر…
وفجأة:
ينقطع مد الصوت السماوي الفخيم
لتعود الحياة الى مفاصل الزمان والمكان…
وتعود أرواحنا الى الأجساد لنعود أدراجنا إلى أرضنا التي نعلم، ونمشي خطاوي ممكنة، وبنقدر عليها وبنعرفا…ا
ماذا أقول في سمت الحزن المنداح والشجن المقيم في صوتك المتفرد يامصطفى؟!…
لعمري إن هذه أغنية تنبينا بأن الفارق بين نبيل الحزن وذروة الفرح لخيط رفييييييع!…
ألسنا نبكي عندما يكون الفرح كبيرا؟!!!…
ألا يضحك المحزون منا عندما يفيض به الكيل وتوصد دونه أبواب الأمل؟!!!…
مصطفي يتجاوز بنا حد ذاك الخيط الرفيع بصوته وبوحه وأختياراته…
بالله عليكم إستمعوا له وهو يمـــــد بصوته الشجي لفظة (الأسف الطويييل)!.
وأنصتوا لصوته الفخيم وهو يهتف في أذن الزمن بلفظة (آخر المدااااااااااا)!.
ثم انتبهوا لاستكانة الصوت وهو يعود أدراجه الى بداية الطريق !…
ومشيت معاك كل الخطاوى الممكنة
وبقدر عليها وبعرفها
أوفيت وما قصرت في حقك
ولا كان عرفة غيرك أصادفها
وقدر هواكي يجيبني ليك
جمع قلوبنا وولفها
وكتين بقيتي معاي في أعماقي
في أعماق مشاعري المرهفة
لا منك ابتدت الظروف
لا بيك انتهت الأماني المترفه..ا
ألم أقل لكم بأن الحزن النبيل يلج بنا الى سوح وفضاءات التفاؤل والفرح؟!…
انه يُنضِجُ العاطفة…
ويزيل ران النفس…
ويزيد القناعة بالقضاء والقدر…
ــــــــ
الحزن النبيل
صلاح حاج سعيد و مصطفى سيدأحمد.
وبقيت أغني عليك
غناوي الحسرة والأسف الطويل
وعشان أجيب ليك الفرح
رضيان مشيت للمستحيل
ومعاك لي آخر المدى
فتينى يا هجعة مواعيدي القبيل
بعتيني لي حضن الأسى
وسبتيني للحزن النبيل
ومشيت معاك كل الخطاوى الممكنة
وبقدر عليها وبعرفها
أوفيت وما قصرت في حقك
ولا كان عرفه غيرك أصادفها
وقدر هواك يجيبني ليك
جمع قلوبنا وولفها
وكتين بقيتي معاي في أعماقي
في أعماق مشاعري المرهفة
لا منك ابتدت الظروف
لا بيك انتهت الأماني المترفه
ندمان أنا
ابداً وحاتك
عمري ما شلت الندم
ما اصلو حال الدنيا
تسرق منيه في لحظة عشم
وأنا عندي ليك كان الفرح
رغم احتمالي أساك
يا جرح الألم
كان خوفي منك
جاي من لهفة خطاك
على المواعيد الوهم
اهو نحن في الأخر سوا
باعنا الهوى
ماشين على سكة عدم
عادل عسوم