3 تهديدات «خطيرة» تتوعد الاقتصادات المتقدمة في 2024.. ما هي؟
بعد أن تلاشت الآمال في تعافي الاقتصادات المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة في العام الذي انطوى أمس،
يبدو أن تحقيق هذا التعافي خلال العام الجديد لن يكون مضمونا.. ما السبب؟
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء يقول المحلل الاقتصادي كريس أنستي إن الأمور في اللحظة الراهنة تبدو مبشرة، حيث يسيطر الجمود على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ومازالت الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين محلية بدرجة كبيرة (رغم أن الموقف يمكن أن يتغير في أي لحظة)، كما أن حدة الصراع بين الولايات المتحدة والصين تراجعت بعد القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ. لكن كل هذه الأوضاع الجيوسياسية يمكن أن تتغير إلى الأسوأ في العام الجديد مما سيؤثر سلبا على العديد من قطاعات الاقتصاد العالمي.
وحتى على الصعيد الاقتصادي، ينطوي 2024 على مخاطر جديدة. فرغم النجاح واسع النطاق لجهود السيطرة على موجة التضخم المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد، فإن التأثير الكامل لحملة تشديد السياسات النقدية الصارمة لم تتبلور بصورة كاملة حتى الآن. ويمكن القول إنه إذا لم تتحرك البنوك المركزية الكبرى لتخفيف السياسات النقدية وخفض أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة، قد يتعثر التحسن الاقتصادي الذي طال انتظاره.
ومما يزيد درجة الغموض التي تحيط بآفاق الاقتصاد العالمي في العام الجديد موجة الانتخابات التي ستشهدها أكثر من 50 دولة، وتمثل حوافز لكل من صناع السياسات ومنافسيهم السياسيين. وهناك انتخابات واحدة يمكن أن تؤثر بشكل جذري على الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية العالمية وهي انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويقول أنستي المتخصص في الشؤون الاقتصادية والذي عمل في واشنطن ولندن وطوكيو إنه مع دخول العام الجديد اقتربت أسعار الأسهم في العالم من أعلى مستوياتها على الإطلاق، كما تم الفوز في المعركة ضد التضخم تقريبا، ومع ذلك يحتاج الأمر للنظر إلى المشكلات المحتملة التي يمكن أن يحملها 2024.
انهيار محتمل
والحقيقة أن انهيار الأوضاع العالمية خلال يناير/كانون الثاني الحالي ليس مستحيلا. فمخصصات المساعدات الأمريكية لأوكرانيا تتلاشى بسبب رفض الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الموافقة على حزمة المساعدات الجديدة، دون موافقة إدارة الرئيس بايدن على تشديد القيود على طالبي اللجوء والمهاجرين إلى الولايات المتحدة. كما أن الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبة في مواصلة تقديم المساعدات لكييف بسبب الرئيس المجري فيكتور أوربان الذي يؤكد علاقته الحميمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وإذا انهارت الجبهة الأوكرانية، يمكن أن تنهار الثقة في العالم. كما أن الثقة التي ستجنيها روسيا من مثل هذا الانتصار سيكون له تداعيات لا يمكن توقعها، وربما تغري بوتين بشن حرب جديدة في أوروبا، مستغلا انشغال أمريكا بمساعدة إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين.
ورغم استمرار الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة منذ 3 شهور، مما أسفر عن مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، مازالت الحرب تدور دخل نطاق غزة وإسرائيل ولم تتحول إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا. ولكن الأمور قد تتغير خلال العام الجديد. فبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية يطالبون بتوسيع نطاق الحرب ضد لبنان وحزب الله، والذي يتبادل القصف مع إسرائيل منذ بدء حرب غزة. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تشعل حربا أوسع نطاقا مع حزب الله، وربما تشترك فيها إيران بشكل مباشر، بحسب تحليل نشره مركز أبحاث غافيكال يوم 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقول توم هولاند ويانمي شي الباحثان في مركز غافيكال “في حال أي هجوم إسرائيلي، ستكون طهران ملزمة بتقديم الدعم لحزب الله بصورة أكبر وأوضح، وإلا فإنها ستفقد مصداقيتها لدى حلفائها الآخرين في المنطقة.
خطر باب المندب واضطراب التجارة
كما يمكن أن تصب هجمات الحوثيين على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل التي تمر عبر باب المندب، ورد البحرية الأمريكية عليها، بالإضافة إلى اغتيال القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في سوريا قبل أيام، المزيد من الزيت على النار في الشرق الأوسط. ويمكن لهجمات الحوثيين من الناحية النظرية، أن تغلق مضيق باب المندب وهو ممر بحري استراتيجي للاقتصاد العالمي، مما يمكن أن يكبد العالم خسائر اقتصادية كبيرة.
يأتي هذا التهديد في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة الرد “بقوة” على الحوثيين. وتحاول وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” طمأنة شركات الملاحة البحرية إلى سلامة المرور في البحر الأحمر بفضل القوة البحرية متعددة الجنسيات التي تقودها واشنطن تحت اسم “حارس الازدهار” في المنطقة لتأمين الملاحة فيها. لكن مازال أغلب الشركات ترفض المرور في البحر الأحمر. كما أن شركة ميرسك الدنماركية العملاقة التي أعلنت قبل أيام استئناف عبور سفنها في مضيق باب المندب، عادت أمس وأعلنت تعليق مرور السفن فيه لمدة 48 ساعة بعد تعرض إحدى سفنها لهجوم بصاروخ.
وفي تحليل مركز غافيكال يقول هولاند وشي إن “الغرب سيتحمل تكلفة اضطراب 10% من تجارة العالم التي تمر عبر باب المندب، في طريقها من وإلى قناة السويس… الخطر هو أن وضع عدد كبير من العقبات أمام عجلات التجارة العالمية يمكن أن يكون نبأ سيئا بالنسبة للنمو الاقتصادي وللكثير من الأسواق العالمية”.
ومع الانتقال إلى أقصى الشرق على خريطة العالم، سنجد تايوان على موعد من انتخابات رئاسية يوم 13 يناير/كانون الثاني الحالي، وهي انتخابات تتابعها الصين باهتمام كبير. وقد أعلنت بكين بوضوح معارضتها لنائب الرئيس التايواني لاي تشينج تي الذي يؤيد حزبه استمرار استقلال تايوان عن الصين. ويمكن أن يؤدي إلى تحرك استفزازي من أي من الجانبين الصيني أو التايواني في حال فوز لاي تشينج بالرئاسة إلى تصاعد التوتر في منطقة أخرى حيوية للتجارة العالمية.
وبينما تستعد تايوان لانتخابات رئاسية وبرلمانية الشهر المقبل، أكد الرئيس الصيني أن إعادة توحيد بلاده مع الجزيرة، أمر حتمي.
ورغم أن الصين تعتبر تايوان «جزءًا مقدسًا» من أراضيها، إلا أن الرئيس شي جين بينغ لم يشر إلى تهديدات عسكرية في خطابه الذي بثه التلفزيون الرسمي أمس.
وأخيرا يمكن القول إنه مما يزيد الطين بلة، هو أن بؤر التوترات الجيوسياسية الثلاثة الرئيسية في العالم من حرب أوكرانيا إلى انتخابات تايوان مرورا بحرب إسرائيل ضد الفلسطينيين يمكن أن تغذي كل منها الأخرى. فأي انتصار روسي في أوكرانيا مع احتمال غلق طريق التجارة الحيوي بين أوروبا وآسيا عبر البحر الأحمر، يمكن أن يشجع الرئيس الصيني شي جين بينغ على التحرك ضد تايوان بعد انتخاباتها الرئاسية، ليجد العالم نفسه في مستنقع فوضى سياسية واقتصادية غير مسبوقة في العام الجديد.
العين الاخبارية