رأي ومقالات

سناء حمد: في ذكرى معلمي وابي

أنا اجلس قربه ، ويمسك بيدي بقوة ،يبتسم وينظر للسماء وعلى وجهه ابتسامة عجيبة ، أنا أنظر نحوه بخوف ، قلبي يدقُ بعنف ، لكن شعوري بقبضته القوية ..ورؤيتي لوجهه المطمئن ادخلت السكينة في قلبي .. دخلت معه لعالم خاص بعيد ..بعيداً اسمع احدهم يبكي ويقول حمد من اهل الجنة ! شوف الضوء طالع منو دا كيف!!! ..أتعرف على الصوت انه عمي احمد المكي .. احدهم يقول طلعوا البنت دي !! وجدي يرد عليه ..لا ! أنا هناك معه ..اتابع بصره للسماء ..هو يتمتم وابتسامته تتسع ..ملت عليه وضعت رأسي على صدره واحدهم يتحرك ..وصوت جدي ينتهره!! كان صدره دافئاً ..وقلبه يخفق بهدوء.. لا اسمع سوى صوت قلبه..يدق ..يدق ..يدق حتى اختفى الصوت..ارتخت قبضته ولم تفلتني….علمت انه مضى .. وعيت ان أبي قد مات ..سمعت نحيب الرجال يرتفع ..والبعض يرفع صوته بالتهليل ..لا احد سعى لرفعي من صدره..قبلت صدره ..مرغت وجهي فيه ..قبلت كل مساحة في وجهه..قبلت اليد التي كنت امسك بها ..وضممتها إلى صدري بقوة..وضغطتها على قلبي بقوة كي يطمئن ..وجدتني اهمس لربي ..وانا اعلم يقيناً انه في تلك اللحظة معي.. ياربي انت احببت ان يكون ابي عندك …و نحن الان عيالك انت ليس بيننا وبينك وسيط ..أنا اعلم انك لن تضيّعنا بعده..لكن صبّرني… اللهم أنا وإخوتي امانته عندك !! وتذكرت في تلك اللحظة احب سورة الي سورة الضحى..ظللت اكرر فيها ..علمت لاحقاً اني رفعت صوتي بها عالياً..ثم طلبت ادخال اخوي الصغيرين !! كنت أكبر الثلاثة..جلسنا معه في السرير الذي اعتدنا ان نتمدد معه فيه .ونحن نتوسد زراعيه القويتين ..كان دون الخمسين ينضح شباباً ..وكان مربياً وعالماً ..كان صاحب مدرسة تهتم بالسلوك وتهذيب النفس ..يتحرى الحلال ..لا يترك لحظةً تمر دون ان يعلمك ..ويذكرك ويهذبك ..تعاهدت والصغيرين ان نظل معاً وعدته إن اعتني بهما وبأمي..وعدته ان أظل صغيرته التي يحب.. والا أُشينه او اخزيه..يا ابي بعد كل هذه السنين ..كلما ضاقت علي..آوي إلى ركن بعيد .. أُغمض عينيّ ..أتذكرك ..اتذكر دفء صدرك ..اسمع دقات قلبك ..اتذكر ملامحك المطمئنة وابتسامتك ..اتذكر انك تركتنا أمانةً عند الله..وان ربنا خلفنا فيك بأحسن مما كنت ستفعل ..أيتاماً فآوانا ..وما قلى ولا غفل عنا حاشاه ..ومن اكرم من ربنا ليستودعُ الامانات ..لكن يا ابي..طال الشوق وما كنت اظنه سيطول هكذا .. فمتى اللقاء ….

سناء حمد