النقطة العمياء
جميعنا لدينا نقاط عمياء، جوانب من شخصياتنا لا نعرف بوجودها، تؤثر في أدائنا، ونجاحنا، وعلاقتنا، ولأننا غير واعين بها، لا نستطيع أن نفعل أي شيء حيالها، النقاط العمياء تصبح مصدر عادات وأنماط سلوكية تتركنا عالقين، وبسببها لا نستطيع التحرك للأمام أو ننضج، لأن شيئا غير معروف يمنعنا ويجذبنا إلى الخلف. مايك بيكتيل.
وهذا ما حدث في مسرحية «النقطة العمياء»! التي حالفني الحظ أن أشاهدها خلال زيارتي القصيرة جدا لأرض الكنانة، «النقطة العمياء» مسرحية أخذت عن رواية «العطل» للكاتب فريدريتش دورينمات وقام بإعدادها وإخراجها أ.أحمد فؤاد الذي برأيي الشخصي قام بتوظيف أحداث الرواية بطريقة مسرحية وفنية مبدعة ومتميزة حيث نجد أنه لم يخاطب زمنا محددا ولم يحاك مكانا بعينه، بل عرض قضيته بشكل مطلق لأن «النقطة العمياء» كما قال مايك بيكتيل والكثير من علماء النفس الذين جزموا بأن الكل يمتلك تلك النقطة في حياتهم! فماذا على الإنسان أن يفعل حتى يتحرر منها ليستطيع التحرك للأمام؟ «المحاكمة» للذات، والاعتراف بما أخطأ به من أفعال ليتحرر من تلك النقطة ويقدر على البصيرة.
معادلة صعبة، ولكن! «النقطة العمياء» حررت المتفرج منها! نعم، فعندما تقوم بالاندماج مع أحداث المسرحية ويتم الترابط الفكري والحسي عن طريق «المعايشة المسرحية» مع شخصيات المسرحية تجد أنك أصبحت أحد أفراد تلك المحاكمة وحان الوقت بأن تلعب معهم لعبة المحاكمة! بل كنت تطمع وتتمنى بأن تكون الفرد الرابع لتكمل النصاب في لعبة المحاكمة وأن تحاكم على خطيئتك لتتحرر من «النقطة العمياء».
عرض يستحق كل ما كتب عنه من إطراء ووصف بالتميز والإبداع لأن كل عناصره المسرحية كانت متكاملة، فإذا تناولنا بالتحليل للشخصيات نجد أن الجميع تفوقوا في أدائهم التمثيلي، بل نجد أن الجميع دون استثناء كانوا يعيشون حالة ليست مسرحية فقط، بل أعطوا للمتفرج انطباعا للحالة الإنسانية للشخصية، وهذا نتج من خلال المعايشة الحقيقية لطابع الشخصية، تلك المعايشة جعلت من المشاهد يتعايش مع الحالة المسرحية ويراجع نفسه بما يمتلكه من أخطاء في مكنونه الشخصي ليقدر أن يتحرر من نقطته العمياء.الموسيقى والإضاءة، هذان العنصران اللذان اتحدا وتوظفا بطريقة إخراجية مبدعة متميزة ليكونوا منارة الديكور! نعم مثلث ثلاثي الأضلاع ولأول مرة أعيش تلك التجربة المسرحية التي يتحد عنصران ليكونوا منارة جمالية مسرحية لعنصر مسرحي، ذلك ما حدث في مسرحية «النقطة العمياء»، فالديكور كان يحمل الكثير من المعاني السيكولوجية والنفسية والإنسانية ومع تلك المعاني الفنية والمسرحية أتت الموسيقي والإضاءة في العديد من المشاهد المسرحية لترسل الكثير من الإشارات الذهنية للمتفرج، لوحة مسرحية فاقت الإبداع الجمالي والحسي والفكري والمسرحي لم أعش تلك التجربة إلا في «النقطة العمياء».
مسك الختام: كل الشكر لكل من شارك بهذا العمل المسرحي المتميز «النقطة العمياء»، والشكر موصول لكل المسؤولين في وزارة الثقافة لجمهورية مصر العربية لدعمها الدائم للحركة المسرحية، تلك هي أرض الكنانة منارة الثقافة والإبداع المسرحي للأمة العربية.
نرمين الحوطي – الأنباء الكويتية