رأي ومقالات

يوسف عبد المنان: الطريق إلى المهندسين (١)

حرمتنا الشبكة وانقطاع الاتصالات حتى من الفرحة بنصر القوات المسلحة والاحتفال مع الجنود الابطال وظلت مشاهد الانتصارات محفوظة في ذواكر الهواتف وفي مخيلة كل وطني عاش لحظة تاريخية بالتقاء الفرسان المرابطين في قلعة سلاح المهندسين منذ عام الا قليلا شباب غض ورجال اشداء اعتصروا آلام الجوع وزخات الرصاص وهجير الشمس وزمهرير الشتاء لم يفزعهم سلاح الإمارات ولم ينكسرون لهجمات عربان الشتات وافارقة تم شرءاهم من أسواق العبيد الجدد ليقاتلون بالمال أهل وطن من أجله رطنا بالفوراوية والمحسية والقمزية والزغاوية والنوبيه والنباوية والمسلاتية وبلسان عربي مكسر وعربي فصيح
كانت ملحمة الجمعة وصباح السبت واحدة من بطولات القوات المسلحة ولكن حرم الإعلام من صورة ستظل خالدة في مخيلة شهود العيان حينما تدفقت مشاعر الأمهات وذرفن الدموع وانتحب الرجال في ذلك الصباح نحيبا يشق القلب ويلامس الكبد ولو شاهد قادة المليشيا ذلكم المشهد العجيب لأيقنوا أن هذا الشعب لا يمكن هزيمته وكسر شكيمته بمقاتلين تدفع لهم الأموال وتستحل لهم أموال الشعب كغنائم ومكافآت نظير القتل والساحل..
بقيت مشاهد دخولي مع مقاتلين من قواتنا ذلك الصباح لسلاح المهندسين حبيسة في داخلي والصورة محفوظة في الهاتف ولا سبيل لبلوغها لبعض من نحب ليمضي اسبوع والشوق لمطالعة القراء يأخذ مني الكثير واخيرا فكرت وقدرت أن أمضى إلى اقاصي ام درمان الشمالية الغربية بعد أن حدثني متحدثا بأن هناك شابا يملك جهاز( ستار لينك) في سوق شمال غرب سجن الهدى ركبت مواصلات صابرين حيث تجمعت خلوق هي نصف ماتبقى ام درمان الحزينة وانا اتوكا على عصاتي لاهش بها ماخيل لي وسط أصوات الرصاص التي تنطلق من غير مناسبة ويموت في ام درمان الناس بالفرح والسلاح المرسل من ال دقلو لروؤس المواطنين في يوم التقاء الجيش والجيش سقط أربعة قتلى وعشرين جريحا بذخيرة الفرحين في سوقي خليفة وصابرين
من صابرين ظل الكمسنجي ينادي ياجماعة يلا (سوق الحر) يلا (سوق العزبات) يلا (بئر حماد) تلك مناطق ربما لم تسمع بها من قبل ولكنها ارتفعت أسهمها في زمن الحرب جلست وسط ركاب الحافلة وعلمتني التجربة في مثل هذه الظروف أن ترتدي اثمل الثياب ولا تظهر ما يثير شغف النهابين والحرامية ومن الأفضل دس الهاتف في الجيوب العميقة..
وصلنا سوق الحر الذي نصف المعروض من البضائع منهوبا من ايام كانت الخرطوم تملك ماينهب وخصص في سوق الحر مكانا فسيحا للحرام الذي يسمى (سوق دقلو) ركبت ركشة من سوق الحر إلى بئر حماد ثم إلى سوق طبلية موسى تجمع الناس رجالا ونساء وشباب حول كشك صغير يهب الناس الابتسامة ونغمات الجلكسي حيث الاتصال بالعالم وتحويلات المال عبر بنكك ويفرح الناس بدفع أربعة الف جنيه مقابل ساعة انترنت مثل الذي كنا ننعم به ونحن (راقدين في عناقريبنا) في البقاع القصية من السودان آمنين في أنفسنا واموالنا ونساءنا حتى غشيتنا غاشية دقلو فمزقت احشاء الأمهات وفرقتنا الايام مديت إليه هاتفي وسرعان ماطلب مني أربعة الف جنيه دفعتها لتنهال الرسائل القديمة والجديدة وأخذت اهزو مثل مختل العقل فرحت برؤية قروبات الواتساب وبعض الرسائل من الأحباب والأصدقاء وعقدت النية للعودة ( باكر) لكتابة هذه الخربشات عن رحلتي إلى سلاح المهندسين
بات سلاح المهندسين بعيدا والسيارة تنهب الأرض من كرري حتى الحارة الرابعة تذكرت عصام الشايقي الذي مات شهيدا مع زوجته في مايو الماضي وكان الدعم السريع يجوس الثورات فسادا وارهابا للناس قتل الشايقي في سيارته قاصدا أرض تنقاسي واستولى الاشاوس على سيارته لإرضاء ام قرون في ضواحي فوربرنقا وأم قرون لا ترضي الا بالحرام المنهوب والمسلوب تجاوزت السيارة مقابر أحمد شرفي واطلت محلات برعي أشهر مطعم للفول وطعمية النقاده وبيت الفريق الهادي بشرى واقتربنا من حي الكتيابي أشعر شعراء امدرمان في العشرية الماضية ولمحت بيت صالح عبدالسيد الشاعر ابوصلاح وقد تهدمت بيوت النقاده وسرقت حتى ابواب البيوت وصمت الجميع وهم يمدون اعناقهم لرؤية سوق ام درمان ودكان الطيب خوجلي العجلاتي محروقا ربما بقذيفة حطمته وقبيل الجامع الكبير التفت إلى الغرب موقف التاكسي التعاوني ومقهى الرياضيين للراحل ابوشنب والبوسته ولكن لماذا عند البوسته تذكرت مصطفى سند
بيني وبينك تستطيل حوائط
ويفتح الف باب
بيني وبينك قصة السفر الطويل
من الربيع إلى الخريف
أطلت أطلال السينما الوطنية واستديو أفراح الذي كان يضع صورة ابيض اسود لخالي المعلم الراحل على حسن الأمين لماذا طاف طيف حسين خوجلي ودكاكين القماش التي نهبت والخزن ملقاة في الشارع وبعد وصول صينية البلدية انحرفت السيارة غربا باتجاه التجاني الماحي وابطات السير وهي تتجه نحو العباسية وخور ابوعنجة حاولت رؤية بيت عبدالحميد الضو حجوج ولكني فشلت
بانت ثم كانت المهندسين قلعة الابطال دخلنا بعد ساعات من الالتحاق وحدقت في وجوه الناس الابطال ولم أجد غير الشجاعة والبسالة رمقت حوائط السلاح العتيق وتذكرت مكتب ابن عمي الراحل الفريق مهندس تاور السنوسي الغائب عندما كان قائدا لسلاح المهندسين قبل ترفيعه إلى رئاسة أركان القوات المسلحة في حقبة الصادق المهدي كنا نتردد عليه ونحن طلابا بالثانويات وهو رجل وسيم المحيا
انظر إلى حوائط سلاح المهندسين في كل حائط نقشا بالسلاح حتى بدأت الحوائط مشوهة وليتهم تركوها لتحكي للأجيال القادمة كيف تصدى الجيش لهجمات جيش عرمرم من المرتزقة وعربان الشتات ومستاجرين من النيجر وتشاد وإثيوبيا وليبيا واليمن ولكن بالطبع لا تملك الإمارات العربية المتحدة التي أشعلت الحرب رجالا يخوضون لها معارك شيوخها ولكنها تشتري الرجال من سوق النخاسة الرخيص
داخل سلاح المهندسين وضع الابطال الشارات الحمراء لتميزهم عن جنود كرري القادمين باللهفة للقتال والموت في سبيل الله ثلاثة مكونات رئيسية تقود المعارك الان بجانب القوات المسلحة وابطالها الذين يمثلون الشوكة والي يمينهم أبطال جهاز الأمن الوطني وفرسانه من النخبة الخاصة حيث عاد الآلاف من منسوبي هيئة العمليات وهم يلبون دعوة الفريق البرهان ومئات الضباط الوطنيين من جهاز الأمن يمثلون اليوم الذراع القوى للجيش وهم أصحاب قضية وغبينة على الدعم السريع وقائده الذي كان جل همه القضاء على أهل الشوكة في الدولة ومئات من الشهداء قدمهم الجهاز في معركة الكرامة الحالية وهو بلا قانون حيث يحبس في اضابير مكتب الفريق البرهان تعديل أو قانون لجهاز الأمن فمتى يفرج عنه وفاءا لهؤلاء الرجال وقيادتهم ممثلة في الفريق أحمد إبراهيم مفضل ساعد البرهان الذي يتوكا عليه ساعة العسر والمحنه وجدت في المهندسين ضابطا في جهاز الأمن ممن تم ابعادهم ظلما وحيفا ايام الثورة المصنوعة تقطع في أوصال البلد عائدا من اغتراب في دولة نفطية كبيرة ترك المال ولبى نداء الوطن فما اروعك ياسودان
والي جانب جهاز الأمن قوات الاحتياطي المركزي ابوطيره فكاك الحيره لم يدخر جهدا ولم يكل أو يمل القتال إلى جانب القوات المسلحة في معارك كرامة البلاد
والمجاهدين الفرسان وهم يهرعون إلى كل معركة صدورهم مفتوحة وقلوبهم لاتعرف الخوف يتقدمون في ثبات لدحر التمرد الذي أخذ يلفظ أنفاسه الأخيرة في ام درمان على الأقل ولنا عودة
يوسف عبد المنان