رأي ومقالات

مقارنةً محزنةً بين ما كان، وما هو حادث في الخرطوم الآن

بالأمس تذكرته فجأة.. وتذكرت حادثةً طريفة جمعتني بالنوبي الجميل، وجعلتني أعقد مقارنةً محزنةً بين ما كان، وما هو حادث في الخرطوم الآن..

خرجت يومها من مكاتب صحيفة (اليوم التالي) بوسط الخرطوم كالعادة متأخراً، أي بعد الواحدة صباحاً وعندما وصلت تقاطع شارعي المك نمر والبلدية لفت نظري وجود سيارة قذف بها صاحبها أعلى الحاجز الأسمنتي الذي يفصل القدوم عن الرواح، فأصبحت كالمُعلَّقة أو باتت مُعلَّقةً بالفعل (على بحر الكامل مثل قصيدة لبيد) تدور دواليبها في الهواء، وعبثاً يحاول سائقها أن يهبط بها إلى الأسفلت.. فلا تستجيب..

تبسمت وسخرت في سري من المشوطن الذي وقع في أكبر ورطة في أسوأ توقيت، حيث لا مُعين ولا مغيث، وعندما حاذيته وتفرست ملامحه فإذا بي أكتشف أنه صاحبي المطوفش.. (منعدم التركيز) وجدي الكردي، وبالطبع لم أستطع تجاوزه من دون أن اجتهد لمساعدته على تجاوز ورطته العويصة، وأذكر أنني استعنت ابتداءً بالشرطة (تلاتة تسعات)، ثم استدعيت شباباً مروا بالصدفة، وأمضينا زهاء ساعتين في مباصرةً منهكة حتى نجحنا في إنزال سيارة صاحبنا من المرتقى الصعب الذي رفعها إليه..

تذكرت تلك الواقعة وتذكرت معها صاحبي المبدع عندما قرأت خبراً عن غارةٍ شنتها قوات العمل الخاص بالجيش على بنك بيبلوس المواجه للحاجز (الذي أسرى وجدي بعربته إليه) وقتلت أكثر من عشرين دعامياً داخل المبني الزجاجي الفخم.. والمهم.. فانظروا أين كنا.. وأين صرنا!
امتدت المكالمة زهاء الساعتين ولم تخلُ من قطيعة أبناء المهنة ومغارزهم وكلتشاتهم وبوحهم بما لا يستطيعون ذكره في الفضاء العام..

التحية لصديقي المبدع وجدي الكردي الصحافي الاستثنائي المتمكن ملك الكلمة الشهية.. صاحب القلب النقي والروح الحلوة..
ورمضان كريم

مزمل أبو القاسم