تحقيقات وتقارير

بنوك صينية “تدعم” روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟

في حين تتجه الولايات المتحدة نحو فرض عقوبات على البنوك الصينية التي ساهمت في إعادة بناء قدرات الجيش الروسي، تثير هذه الخطوة تساؤلات حول أهميتها وتأثيرها المحتمل على التجارة النشطة بين بكين وموسكو.

تشير صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات على البنوك الصينية لعزلها عن النظام المالي العالمي، إذا فشلت المساعي الدبلوماسية، وفقًا لمصادر مطلعة.

يأتي هذا التقرير تزامنًا مع زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى بكين الثلاثاء.

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، امتنعت الصين عن إرسال أسلحة إلى روسيا استجابة لتحذيرات الغرب، لكن منذ زيارة بلينكن إلى بكين العام الماضي، زادت صادرات الصين من السلع التجارية التي قد تستخدم في الأغراض العسكرية.

مع تزايد أهمية الصين كمورد رئيسي لقطع غيار الطائرات والآلات والأدوات الآلية، يرون المسؤولون الأميركيون أن مساعدات الصين سمحت لروسيا بإعادة بناء قدراتها الصناعية العسكرية التي تضررت جراء الحرب والعقوبات الغربية.

يشعر الغرب الآن بالقلق من أن روسيا قد تفوز في حرب الاستنزاف مع أوكرانيا، إذا لم يقم الحلفاء بتعزيز صناعاتهم لمواكبة الإنتاج الروسي.

رفع بلينكن وكبار المسؤولين الآخرين ناقوس الخطر بين حلفاء الغرب بشأن سلوك الصين، وآخرها كان الأسبوع الماضي في اجتماع “مجموعة السبع” الذي عُقد في إيطاليا.

وبينما يتوجه بلينكن إلى الصين، يعول المسؤولون على التهديد المتمثل في فقدان البنوك الصينية إمكانية الوصول إلى الدولار وخطر تعكير العلاقات التجارية مع أوروبا وإقناع بكين بتغيير مسارها.

وفي هذا الإطار، قال بلينكن الأسبوع الماضي إنّه “لا يمكن للصين أن تحصل على الأمرين”. وأضاف “إذا ادّعت الصين أنّ لديها علاقات إيجابية وودية مع أوروبا ودول أخرى من ناحية، لا يمكنها تأجيج ما يمثّل أكبر تهديد للأمن الأوروبي منذ الحرب الباردة من ناحية أخرى”.

وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن البنوك الصينية تعمل كوسيط رئيسي للصادرات التجارية إلى روسيا، إذ تتعامل مع المدفوعات وتوفر للشركات العميلة الائتمان للمعاملات التجارية.

واعتبر بلينكن، الجمعة، أن الصين تغذي حرب أوكرانيا بشكل غير مباشر عبر إمداد روسيا بمعدات يمكنها استخدامها لتوسيع إمكانياتها العسكرية.

وقال للصحفيين بعد اجتماع وزراء مجموعة السبع في كابري “عندما يتعلق الأمر بقاعدة الصناعات الدفاعية الروسية، فإن الصين هي أول مساهم في ذلك في هذه اللحظة”، مضيفا أن الأمر “يسمح لروسيا بمواصلة العدوان على أوكرانيا”.

ويؤكد مسؤولون أميركيون أن استهداف البنوك الصينية بالعقوبات يعد خيارا تصعيديا في حالة فشل المبادرات الدبلوماسية في إقناع بكين بالحد من صادراتها لروسيا.

وحذرت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، في وقت سابق من هذا الشهر خلال اجتماعات مع نظرائها في بكين، من أن “أي بنوك تسهل المعاملات الكبيرة التي توجه البضائع العسكرية أو ذات الاستخدام المزدوج إلى القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية تعرض نفسها لخطر العقوبات الأميركية”.

غير أنّ الصين تقول إنها ترفض “الانتقادات أو الضغوط” على علاقاتها مع روسيا، والتي تعزّزت منذ غزو أوكرانيا.

في ديسمبر، وقع الرئيس، جو بايدن، أمرا تنفيذيا يمنح وزارة الخزانة سلطة فرض عقوبات على البنوك التي تساعد المجمع الصناعي العسكري الروسي.

لكن في الماضي، كان مجرد التهديد باستهداف البنوك يؤدي إلى نتائج قصيرة الأجل، بحسب وول ستريت جورنال.

وقالت ألكسندرا بروكوبينكو، الباحثة المتخصصة في الشؤون الروسية في مركز كارنيغي، الموظفة السابقة في البنك المركزي الروسي، إن ذلك أدى إلى قيود في المعاملات التجارية بين الصين وروسيا، حيث تراجعت البنوك الصينية الكبرى عن أي دور في تسهيل الصفقات.

لكنها أشارت إلى أنه تم استبدال هذه البنوك تدريجيا ببنوك صينية إقليمية أكثر غموضا مع القليل من العمل في الاقتصاد المقوم بالدولار، وبالتالي هي أقل خوفا من العقوبات الأميركية.

وتوضح بروكوبينكو أن “كلا من الروس والصينيين يتكيفون باستمرار مع الظروف الجديدة”.

وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فإن عدد شحنات السلع الرئيسية ذات الاستخدام المزدوج، بما في ذلك أجزاء طائرات الهليكوبتر والمعدات الملاحية والآلات المستخدمة لتصنيع الأجزاء الدقيقة للأسلحة والطائرات، زاد من بضعة آلاف فقط شهريا إلى ما يقرب من 30 ألفا شهريا.

وقال ماكس بيرغمان، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “لقد مكن هذا الكرملين في نهاية المطاف من تسريع إنتاج أسلحته، بما في ذلك المدرعات والمدفعية والصواريخ والطائرات بدون طيار، وتقديم دفاع فعال ضد الهجوم المضاد الأوكراني في عام 2023”.

في بداية الحرب، بدت بكين حساسة تجاه دعوات الغرب للامتناع عن شحن المعدات العسكرية إلى روسيا، ولكن منذ ذلك الحين وجد الصينيون حلولا بديلة.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير مقيم في واشنطن: إن “الصينيين لا يزودونهم بأي شيء يشبه السلاح، المكونات التي نتحدث عنها مثل الرقائق والآلات والأدوات هي عبارة عن مكونات تضعها روسيا في أسلحتها”.

ويرى الدبلوماسي أن التجارة هي عبارة عن استثمار استراتيجي لكل من الرئيسين الصيني والروسي اللذين التقيا عشرات المرات، وقال: “لا أعتقد أن فلاديمير بوتين كان سيتحلى بالشجاعة لبدء الحرب دون أن يفهم أن الصينيين سيدعمونه تكنولوجيا”.

ويقول مسؤولون ومحللون إن الشحنات الصينية إلى روسيا لعبت دورا هاما في إعادة تجميع معدات الجيش الروسي التي تحطمت ودمرت خلال العام الأول من غزوها لأوكرانيا في 2022.

الحرة