معتصم أقرع: جيوبوليتيك قالو الزمن دوار يا بسمة النوار
في بداية سبعينات القرن الماضي لاحظت الادارة الأمريكية بقيادة نيكسون وهنري كيسنجر وجود خلاف بين قطبي الشيوعية حينها في الأتحاد السوفيتي والصين وقررت الأستثمار فيها.
فذهب نيكسون وكيسنجر إلي الصين وعرضا التعاون حتي يبعدوا الصين عن الأتحاد السوفيتي (روسيا). فوافقت الصين بشرط إعتراف أمريكا بوحدة الصين – أي بكون تايوان جزءا من الصين – وبشرط السماح للصين بالإندماج في الأقتصاد العالمي الذي تهيمن عليه أمريكا والغرب.
وفعلا أبتعدت الصين عن الروس وأعترفت أمريكا بوحدة أراضي الصين واستغلت الصين الأسواق الغربية لتسويق صادراتها وجذب الأستثمار المدروس والحصول علي التكنولوجيا الغربية.
وبخلطة صينية بحتة زاوج الحزب الشيوعى الصيني بين معالم من إقتصاد إشتراكي تهيمن عليه الدولة وفصول من كتاب السوق الراسمالي وقاد أعظم نهضة إقتصادية في التاريخ البشري نجحت في انتشال ما يقرب من مليار ونصف صيني من براثن الفقر. في نفس الوقت الذي امتنعت فيه البرجوازية السودانية عن سرد المنجز التنموي للساخرين من الشيوعية مثل السنابل والكيزان والجمهوريين والاتحاديين والمهديين.
وظلت هكذا برجوازية تسخر من الشيوعية محتفلة بأسطورة فوكاياما عن نهاية التاريخ التي وصفها جون ميرشآيمر بانها أحد أكثر الأطروحات غباء في العصور الحديثة.
المهم. فاستفورورد. سقط الأتحاد السوفيتي وقامت علي أنقاضه روسيا قومية صعد إلي قيادتها فيلاديمير بوتن – بطرس الأعظم- بعد ذهاب المهرج يلتسين هجو.
فقررت أمريكا عدم السماح لروسيا بالاندماج في البيت الأوروبي رغم أنها أصبحت راسمالية برجوازية وذلك لخوفها من فقدان السيطرة علي أوروبا بدخول روسيا العظيمة التي تملك تكنولوجيا عسكرية متطورة وهي أكبر دول العالم مساحة وأغناها بالموارد الطبيعية كما أن إعتزازها بذاتها الثقافية شديد من تولستوي إلي ديستوفسكي إلي بوشكين إلي تشيكوف وغوغول وتشايكوفسكي وهذا غيض من فيض.
إندماج روسيا في البيت الأوروبي يعني نهاية هيمنة أمريكا علي أوروبا.
ولم تكتف أمريكا بمنع روسيا من دخول البيت الأروبي بل زادت بان حنثت بالوعد الذي قدمته لغورباتشوف في بداية تسعينات القرن الماضي بان حلف الناتو لن يتمدد إلي الشرق شبرا لو سمح بتوحيد ألمانيا.
وافق غورباتشوف وتوحدت ألمانيا لكن أمريكا خرقت وعدها وأدخلت دول شرق أوربا واحدة تلو الأخري في حلف الناتو من بلغاريا إلي رومانيا والمجر وبولندا وغيرهم رغم صراخ روسيا.
وحين أشتد خناق الناتو حول روسيا أعلن بوتين أن أوكرانيا خط أحمر وانه لن يسمح لها بالدخول في حلف الناتو لان حدودها مع روسيا يبلغ طولها ألاف الكيلوميترات التي لا يصح نصب أسلحة غربية موجهة لروسيا من قربها.
كما أن أعظم كارثتين في تاريخ روسيا تسللتا عبر الحدود الأوكرانية حين غزاها نابليون من تلك الحدود وقتل ملايين الروس ثم تكررت الماساة حين غزاها هتلر مرة أخري عبر الحدود الأوكرانية في حرب قتلت ما يقرب من 25 مليون روسي.
ولما شرعت أمريكا في إدماج أوكرانيا بالفعل في حلف الناتو بداية في مؤتمر الناتو في بوخارست في عام 2008 إلي هندسة إنقلاب ضد رئيس منتخب في أوكرانيا في عام 2014 إلي تنصل حكومة أوكرانيا من اتفاقيتي منسك الأولي والثانية التين أقرتا بحياد أوكرانيا ووقعت عليهما الحكومة الأوكرانية وضمنتهما ألمانيا وفرنسا. حينها نفذ صبر بويتين من الوعود المغدورة وغزا أوكرانيا في فبراير 2022 لمنع تمدد حلف الناتو إلي حدود روسيا.
المهم. قررت أمريكا سحق روسيا بتزويد أوكرانيا بدعم عسكري ومالي غير مسبوق مصحوبا بعقوبات أقتصادية لم يري التاريخ لها مثيلا لشل الأقتصاد الروسي.
ولكن روسيا تقريبا حسمت المعركة العسكرية لصالحها وخرج الأقتصاد الروسي أشد قوة بعد أن هجره الغرب فتوجه إلي الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وايران وبقية دول مجموعة البريكس. ولكن ظل التعاون الصيني أهم أسباب فشل العقوبات الغربية علي روسيا وكسر شوكة حلف الناتو.
المهم، في سبعينات القرن الماضي دقت أمريكا إسفينا بين الصين وروسيا (الأتحاد السوفيتي) ولكن الإسفين سمح بنمو الصين إلي قوة تماثل أمريكا كتفا لكتف ولم تكتف سخرية القدر بذلك فأضافت فصلا آخرا تحالفت فيه الصين مع روسيا وأنقذتها من العقوبات الأمريكية وأضعفت الهيمنة الأمريكية بصورة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
إنها الكارما ومكر التاريخ الذي من ضمنه قانون العواقب غير المقصودة.
معتصم أقرع