رأي ومقالات

حسين خوجلي يكتب: الرجاء الاحتفاظ بهذا المقال

بعد عام ونيف من النكبة التي تعرض لها السودان المتأرجح أبداً ما بين الغفلة والانتباهة في استطاعتنا أن نقول الآن رغم كل المآسي، قد عبرنا وادي الصمت والصدمة إلى وادي الوعي المفضي إلى التحرير والتعمير.

ورغم البسالة والشجاعة والصمود الذي جابه به الشعب السوداني هذه العثرات إلا أن قياداته السياسية ونخبه الحاكمة بزعمها ما زالت ترفل في ضلالها القديم مثل أسرة البوربون التي لم تنسى ولم تتعلم، ومازالوا حتى الآن من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار يدسون سراً لبعضهم البعض الطبخة النيئة والطعام المسموم. والمساكين لا يعلمون أنهم يتذوقونه قبل خصومهم، فلندعهم لغيهم يعمهون.

ولنؤسس جبهة السودانيين المفتوحة والعابرة لكل الطوائف والأحزاب والملل والنحل والتكوينات، ولنؤسسها على المصالح والقيم التي تجمع تيار السودانيين العريض الحالم بمشروع النهضة القائم على مرتكزات الأمن والتأمين والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والاستثمار ووضع السودان في المقدمة بجهد مضاعف يحيل اليوم الى ٧٢ ساعة.
سودان يقوم على قيم الدين والفضيلة والاعتدال والسنة العملية التي تمشي بين الناس بالخير والجمال والسلام.

وعندما جاءت مفردة الطبخ والطعام المسموم والطاهي تذكرت طرفة سودانية وهي إحدى مفردات الثقافة السودانية الشعبية المتداولة بين الجماهير في حبور والنكات عند أهلنا دون لطائف الآخرين مليئة بالذكاء والسخرية والمعاني فكيف ما صرفتها تفيدك في السياسة والمعارف والمؤانسة.

فعندما كنت أرتب لتوثيق سهرات مع الراحل الموسيقار محمد الأمين حمد النيل كان عازف الكمان والموسيقي الشاب والصندوق الأسود للباشكاتب والسوليست الشهير لؤي عبد العزيز هو منسق اللقاء بيني وبين الفنان الكبير. وقد حكى لي مجموعة من المواقف الطريفة واللطيفة للأستاذ منها أنهم قد لبوا دعوة حفل زواج وكان الزمان شاتيا وعندما وصلوا سرادق المناسبة كانت مراسم عقد القران قد انتهت مع بداية العشاء. وكان حظنا من عشاء الفنانين صينية مترعة بعدة أصناف ولأن الشتاء يستدعي الجوع العابر فقد أسرعنا نحوها لمجابهة ليلة طويلة من العزف المتأمل، ولكننا أصبنا بخيبة أمل اذ كان اعداد الطعام رديئاً ومالحاً التقط منه الأستاذ لقمة وأخرى وقذف بها متأففاً، وذهب ليغسل يديه استعدادا للوصلة الأولى. وفجأة انطلقت رصاصات هاتفة معلنة عن انتهاء المراسم وبداية حياة سعيدة لأزواج سعداء فعلق ود الامين بطريقته الساخرة المشهودة على أصوات الرصاص قائلاً: أمك الطباخ قتلوا !!

ولقد أخرنا الفاصل الأول نصف ساعة حتى نخرج ما اعتمل في نفوسنا من ضحكات.
رحم الله ذلك الزمان ورحم الله ود الامين، وأعاننا على استعادة سودان ٥٦ الذي أنجب الأزهري والسيد الصديق المهدي والمحجوب والشريف حسين الهندي وعبدالرحمن دبكة ومشاور جمعة سهل وود الأمين والكابلي واحمد المصطفى ومحمد المهدي مجذوب والصاغ محمود أبوبكر والفيتوري وصادق عبدالله عبد الماجد وحسن الطاهر زروق وفاطمة طالب وخالدة زاهر السادات وصديق منزول وبرعي احمد البشير. سودان الاستقلال الذي نلناه بلا قطرة دم بذكاء جيل الاباء المؤسس وقد نزفت فيه دول الجوار الآلآف من القتلى والضحايا والشهداء.

هذا السودان الذي يرغب الغزاة الجدد أن يشطبوه بعاهة السرقة والاغتصاب واغتيال الأبرياء، وأنى لهم فهذه أرضٌ قد تعودت على انجاب القيم والتحضر والاعتدال واحترام الانسان لأخيه الانسان.
ورحم الله الشاعر العبقري مرسي صالح سراج الذي اختصر كتابا من التاريخ في بيت شعر واحد:
حين خط المجدُ في الأرض دروبه
مجد ترهاقا وإيمان العروبة
عرباً نحن حملناها ونوبة

حسين خوجلي