مدير «سي آي إيه»: تشيني وراء إخفاء أحد برامج المخابرات عن الكونغرس
صرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ليون بانيتا أمام لجنتَي الاستخبارات في مجلس النواب والشيوخ بأن «سي آي إيه» منعت الكونغرس من الإطلاع على معلومات عن برنامج سري لمكافحة الإرهاب لمدة ثمانية أعوام بأوامر مباشرة من نائب الرئيس السابق ديك تشيني، وذلك وفقا لما قاله شخصان على معرفة مباشرة بالأمر. وقال التقرير إن تشيني وراء قرار إخفاء البرنامج الذي ما زال مجهولا عن الكونغرس من عمق الغموض الذي يحيط به، مما يشير إلى أن إدارة بوش وضعت أولوية كبيرة للبرنامج وسريته. وأطلع بانيتا، الذي وقف البرنامج عندما علم به للمرة الأولى من مرؤوسيه في 23 يونيو (حزيران)، لجنتَي الاستخبارات على الأمر في جلستين سريتين منفصلتين في اليوم التالي.
ولم تفلح المحاولات للوصول إلى تشيني عن طريق أقاربه ومعارفه.
وكانت مسألة مدى إطلاع «سي آي إيه» للكونغرس على البرامج الحساسة محل خلاف كبير من الديمقراطيين والجمهوريين منذ شهر مايو (أيار)، عندما اتهمت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الوكالة بعدم كشفها في عام 2002 بأنها تستخدم أسلوب الإيهام بالغرق مع مشتبه به في اتهامات إرهابية، وهو الادعاء الذي عارضه بانيتا. ويشترط القانون أن يتأكد الرئيس من أن لجنتَي الاستخبارات «على اطلاع تام ومتابع للأنشطة الاستخباراتية التي تمارسها الولايات المتحدة، ومنها أي نشاط استخباراتي مهم متوقع». ولكن، تترك لغة التشريع، التي تم تعديها بواسطة قانون الأمن القومي لعام 1947، بعض الثغرات للتقييم، قائلة بأن مثل تلك الجلسات يجب أن تكون «في نطاق يتفق مع اعتبار الوقاية من الكشف غير المصرح به لمعلومات سرية تتعلق بمصادر وأساليب استخباراتية حساسة وأمور أخرى ذات حساسية استثنائية».
وبالإضافة إلى ذلك، بالنسبة إلى برامج الأنشطة السرية، وهي فئة ذات سرية خاصة يظل دور الولايات المتحدة فيها مُخفى، ينص القانون على أن جلسات الاطلاع يمكن أن تكون محددة بما يسمى بعصابة الثمانية، والتي تتكون من زعماء الحزب الجمهوري والديمقراطي من أعضاء مجلسي الكونغرس ومن أعضاء لجنتَي الاستخبارات. ويأتي الكشف عن دور تشيني في برنامج «سي آي إيه» غير المعروف بعد يوم من تأكيد تقرير أعده مفتش عام على الدور المحوري الذي قام به مكتب نائب الرئيس السابق في حصر المعرفة ببرنامج وكالة الأمن القومي للتنصت دون تصريح في دائرة صغيرة من المسؤولين، وهي درجة من السرية توصل التقرير إلى أنها أضرت بفاعلية جهود مراقبة مكافحة الإرهاب.
ورفض المتحدث باسم وكالة الاستخبارات بول غيميغليانو، يوم السبت التعليق على التقارير التي تشير إلى دور تشيني.
وقال: «ليس من عمل الوكالة مناقشة ما قد يقال ولا يقال في جلسات سرية. وعندما لفتت وحدة في (سي آي إيه) انتباه المدير بانيتا إلى ذلك الأمر، كانت توصي بإطلاع الكونغرس عليه بصورة ملائمة. وكان ذلك رأيه أيضا، وقد اتخذ قرارا سريعا وحاسما لتنفيذه».
وقد اختلف أعضاء الكونغرس حول أهمية البرنامج، التي ظلت تفاصيله سرية والذي يقول بعض الديمقراطيين إنه كان سريا بصورة ملائمة. ولكن قال معظم من أُجريت معهم مقابلات إنه كان نشاطا مهما كان من الواجب الكشف عنه أمام لجنتَي الاستخبارات.
ويقول مسؤولون في الاستخبارات وفي الكونغرس إن البرنامج غير المعروف لم يتضمن برنامج الاستجواب في «سي آي إيه»، ولم يتضمن أنشطة الاستخبارات المحلية. وقالوا إن البرنامج بدأه مركز مكافحة الإرهاب في «سي آي إيه» بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بفترة قصيرة، ولكنه لم يتم العمل به بصورة كاملة، ولكنه تضمن تخطيطات وتدريبات متقطعة منذ عام 2001 وحتى العام الحالي. وفي الأشهر الحرجة التي تلت 11 سبتمبر (أيلول)، عندما اعتقد مسؤولو الإدارة الأميركية أن هناك هجمات جديدة قد تشنها القاعدة في أي لحظة، فكر مسؤولو الاستخبارات في إجراءات مكافحة قوية. وفي ذلك المناخ تم وضع البرنامج المجهول وتم إخفاؤه عن الكونغرس عمدا، كما قال مسؤولون.
وصرح عضو مجلس النواب من ميشيغان بيتر هويكسترا، وهو أكبر عضو جمهوري في لجنة الاستخبارات في المجلس، في الأسبوع الماضي بأنه يعتقد أن الكونغرس كان سيوافق على البرنامج فقط في الأيام الغاضبة والمفزعة التي تلت 11 سبتمبر (أيلول)، ولكن ليس بعد ذلك، بعد أن بدأت المخاوف والمشاعر في الهدوء. وقال مسؤول استخباراتي، اشترط الحديث عن البرنامج السري دون ذكر اسمه، إنه لم تكن هناك مقاومة في «سي آي إيه» لقرار بانيتا بإنهاء البرنامج في الشهر الماضي.
وقال المسؤول: «لأن ذلك البرنامج لم يكن قيد العمل التام ولم يتم إطلاع الكونغرس عليه كما يعتقد بانيتا أنه كان واجبا، لم يكن قراره بوقف البرنامج صعبا أو مثيرا للجدل. ويجدر تذكر ذلك وسط كل تلك الأحداث».
ورفض بيل هارلو، المتحدث باسم جورج تينيت، الذي كان مديرا لـ«سي آي إيه»، عندما بدأ البرنامج السري، التعليق يوم السبت، مشيرا إلى أن البرنامج ما زال سريا.
وفي الأعوام الثمانية التي تولى فيها منصب نائب الرئيس، كان تشيني أكبر مدافع في إدارة بوش عن سرية الأنشطة الحكومية وبخاصة في مجال الاستخبارات. وذهب إلى المحكمة العليا للحفاظ على سرية مستشاري فريق عمله في مجال الطاقة، وفاز في القضية.
ويوضح تقرير نشره يوم الجمعة مفتشون عموميون من خمس وكالات عن برنامج المراقبة المحلية في وكالة الأمن القومي أن مستشار تشيني القانوني ديفيد أدينغتون، كان عليه أن يوافق بصورة شخصية على كل مسؤول حكومي يتم إطلاعه على البرنامج. وذكر التقرير أن «طبيعة البرنامج المجزأة بصورة استثنائية» أصابت وكلاء «إف بي آي»، المكلفين بمتابعة النصائح التي يقدمها، بالإحباط. ولم يمكن الوصول إلى أدينغتون للتعليق يوم السبت.
وتعود التساؤلات حول مدى ملاءمة وصدق جلسات إطلاع «سي آي إيه» للكونغرس إلى تاريخ إنشاء لجان الإشراف الاستخباراتية في السبعينات بعد الكشف عن برامج اغتيالات وسيطرة على العقل وانتهاكات أخرى في الوكالة. ولكن ازدادت الشكاوى في أعوام حكم بوش، عندما تولت «سي آي إيه» ووكالات استخباراتية أخرى دورا كبيرا في تعقب القاعدة.
وتم وصف ممارسة أساليب تحقيق قاسية، منها الإيهام بالغرق، على سبيل المثال، لأول مرة لعدد من المشرعين في سبتمبر (أيلول) عام 2002. واختلفت بيلوسي و«سي آي إيه» حول ما قيل لها، ولكن على أي حال جاءت الجلسة بعد أن تم تعريض مشتبه به في قضايا الإرهاب، أبو زبيدة، للإيهام بالغرق 83 مرة.
ويسعى الديمقراطيون في الكونغرس، الذين يؤكدون أن إدارة بوش قيدت جلسات إطلاع الكونغرس على معلومات استخباراتية بصورة غير لائقة، إلى تغيير قانون الأمن القومي للسماح للجان الاستخبارات كاملة بالاطلاع على المزيد من الأمور. ولكن هدد الرئيس أوباما بالاعتراض على قانون التصريح الاستخباراتي إذا كانت في التغيرات تجاوزات، ويتم حاليا التفاوض حول الاقتراح في البيت الأبيض ولجنتي الاستخبارات.
وكتبت عضو مجلس النواب جان شاكويسكي، الديمقراطية عن ولاية إيلينوي، وهي في لجنة مجلس النواب، يوم الجمعة إلى رئيس اللجنة العضو سيلفستر ريس، الديمقراطي من تكساس، لتطلب إجراء تحقيق بشأن البرنامج غير المعروف وسبب عدم إطلاع الكونغرس عليه. ويقول مساعدون إن ريس يدرس الأمر.
وقال العضو آدم سميث، الديمقراطي من واشنطن: «كانت صعوبة في الماضي في جعل (سي آي إيه) تطلعنا على ما يجب أن تطلعنا عليه. وسنكون مسؤولين تماما عن أي شيء تفعله الوكالة».
وقال هويكسترا، العضو الجمهوري الكبير في لجنة الاستخبارات، إنه لن يصدر حكما قاسيا على الوكالة في قضية البرنامج السري، لأنه لم يكن قيد التشغيل الكامل. ولكنه عموما قال إن الوكالة لم تكن صريحة كما يتطلب القانون. وقال: «علينا أن ننتزع منهم المعلومات للحصول على ما نريد».
المصدر :الشرق الاوسط