مع الحرب تكثر الأكاذيب حتى تنبهم الحقيقة

فن الخداع والسواقة بالخلا – سكير يحرم تمساحًامن العشاء:
الكذب ليس الطريقة الوحيدة لتضليل الرأي العام وتشويه الحقائق، ولا هو الطريقة الأكثر فاعلية.
الدعاية الفعالة تتجنب الأكاذيب البحتة وتفضل تضليل الرأي العام من خلال طريقة تأطير القضية.
يمكن تحقيق الخداع بنجاح بإعادة ترتيب الوقائع ورواية القصة بطريقة معينة والتأكيد على أجزاء وإبعاد جوانب أخرى وإخفاء وقائع حدثت، ولكنها تشكك في هدف الرواية. مع تكرار الأجزاء المناسبة وتوزيع الضوء والعتمة بمقدار.
على سبيل المثال، كما حكي لافروف، أن امرأة ليتوانية كانت جالسة بجانب النهر بينما كان ابنها الصغير يسبح. ليس بعيدًا جلس رجل روسي على مقعد يحتسي فودكا يضرب بها المثل. وفجأة صرخت المرأة، نظر الرجل الروسي ورأى تمساحا يقترب من الصبي الصغير الذي لم يكن منتبهًا. قفز الرجل الروسي في النهر، وأمسك بالصبي وسبح به إلى بر الأمان. بالطبع شكرته المرأة الام وأدتو شبال وامتدحت شجاعة وتضحية الرجل الذي ظنت أنه ليتواني. قال الرجل لكنني روسي. في اليوم التالي، جاء في عناوين الصحف اللتوانية والتلفزيون أن “سكير روسي يحرم تمساحًا ليتوانيًا من العشاء”.
بالطبع لم تكن العناوين الرئيسية كاذبة لأن الرجل الروسي بالفعل حرم التمساح الليتواني من العشاء. ولكن كانت تلك العناوين أسوأ من الأكاذيب، اذ انها تلاعبت بالرأي العام وضللته وجعلت من الرجل الروسي مجرما والتمساح ضحية.
هكذا فإن الكذب ليس هو السبيل الوحيد للخداع والسواقة بالخلا، فهناك ما هو أسوأ من الكذب. وهذا هو السبب في أن المطرب السوداني لم يعاتب الاكس بالقول لا تكذب، ولكنه قال لما تحكي ذكرياتنا كنت تحكيها بأمانة.
أسوأ التضليل في هذه الحرب السودانية ليس الكذب الصريح الواضح، بل هو التعريف الكاذب، صراحة أو ضمنا، بانها حرب بين جنرالين أو حرب الكيزان. الحقيقة هي أنها حرب غزاة وميليشيا همجية ضد الشعب السوداني ودولته كما يشهد بذلك ألاف الشهداء الذين لا علاقة لهم بجيش أو كيزان في الجنينة وزمزم والنهود وود النورة وتمبول وكما تشهد أجساد النساء المنتهكة وتشهد بنيتنا التحتية المستهدفة يوميا بالمسيرات التي لا يعرف جنجويدى واحد طريقة تشغيلها. وأسوأ التضليل المساواة في السوء بين من يدافع عن حقه في الوجود وبين الغازي المغتصب ليصبح الدفاع عن النفس كوزنة ودعوة للحرب تعادي السلام ويصبح التواطوء الضمني والصريح مع الغزاة سلمية متحضرة ووطنية مسؤولة. ويصبح المقاوم للغزو الجنجويدى برجوازيا أنانيا يدافع عن إمتيازاته الطبقية أو عنصري قح، أو بليد معلوف.
المهم، كما قال الشيخ نعوم تشومسكي، على الجميع تلقي كورسات في فنون الدفاع عن الذات الفكرية لأنه، كما قال حاج مالك الشعباذ، المعروف بمالكوم اكس، “إذا لم تنتبه، فستجعلك الصحافة تكره من يتعرضون للقمع، وتحب من يقومون به.”
معتصم اقرع






