رأي ومقالات

ما الذي سيختلف بالنسبة للسودان في ظل إدارة ترامب؟

تكشف إجابة الدكتور مسعد بولوس، أرفع مسؤول في إدارة ترامب معني بالشؤون الإفريقية، على سؤال لقناة الجزيرة بشأن رؤية بلاده للعلاقات مع السودان، أن الإدارة لا تملك أي أولويات واضحة أو محددة بخصوص السودان، وهذه ليست مفاجأة بالطبع. هذا الغياب في الرؤية يعكس استمرار النمط الأميركي في التعامل مع الأزمات الإفريقية من موقع التلقي والتأثر، لا من موقع المبادرة والفعل.

هذا الغياب مؤشر على ما يمكن تسميته بـ”الانخراط الانتقائي”، حيث تُصاغ السياسة الأميركية تجاه القارة الإفريقية من خلال مواءمة مصالح الحلفاء المتنافسين، لا من خلال تقدير أميركي استراتيجي مستقل. هذا الأمر يتضح باختيار بولوس نفسه للمنصب الرفيع، فهو رجل أعمال من أصول لبنانية بلا خلفية دبلوماسية أو خبرة أفريقية، وفي ذات الوقت تجاهلت الإدارة تعيين مساعد لوزير الخارجية للشؤون الإفريقية، وذلك يعكس رغبة في تجاوز قنوات وزارة الخارجية والدبلوماسية التقليدية لصالح ترتيبات “مرنة” تتيح التفاعل الأميركي النشِط مع شبكات النفوذ غير الرسمية —وخاصة الخليجية منها.

أول تفاعل لبولوس مع المشهد الإفريقي بدأ من بوابة الصراع الكونغولي-الرواندي، لا لأنه الأكثر إلحاحاً، بل لأنه الأكثر قابلية للتربُّح منه: فالكونغو تمثل كنزاً من المعادن الحيوية لصناعات الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء في الغرب، وسبق أن حاولت إغراء ترامب لينحاز لصفها في مواجهة رواندا بأن عرض عليه تشيسيكيدي صفقة معادن على غِرار الصفقة الأوكرانية بما يأتي به الاستثمار الأميركي من شبه ضمانات أمنية للنظام الحاكم، كما أن الصراع هناك يتيح لواشنطن لعب دور الوسيط بين حلفاء إقليميين متنافرين. إعلان المبادئ بين رواندا والكونغو، الذي أُعلن في الدوحة بجهد دبلوماسي قطري كبير، لم يكن فقط تمريناً في الوساطة، بل رسالة جيوسياسية بأن واشنطن ترامب ستعتمد على منطق تقاسم النفوذ بين الحلفاء، وليس كبح جماحهم.

وعندما نضع هذا السلوك في سياق مواقف بولوس الأخرى—ومنها تأييده الصريح للموقف المغربي في الصحراء الغربية وتجاهله التام لوجهة النظر الجزائرية—يتضح أن واشنطن لم تعد تملك سياسة خارجية متماسكة في إفريقيا، بل أصبحت ساحة لتصفية الحسابات بين حلفائها. فالمغرب، الحليف الوثيق لأبوظبي، مع إثيوبيا، يكون شبه رباعية اقتصادية عسكرية أمنية غير معلنة—واشنطن، أبوظبي، الرباط، وأديس أبابا—يمتد أثرها إلى محاولة التأثير على وتشكيل الموقف الأميركي من السودان.

ومع تولي ترامب الرئاسة مجدداً، وزيارته المرتقبة إلى المنطقة: السعودية وقطر والإمارات—وهي دول تتبنى رؤى متباينة بحدة تجاه السودان والقرن الإفريقي—تتعمق قناعة أن واشنطن في عهده لن تسعى لتطوير سياسة خارجية مستقلة في القارة، بل ستواصل الارتهان لتجاذبات الحلفاء الخليجيين.

ولنا عودة حول ما نعتقد أن يكون عليه سلوك السودان للحفاظ على مصالحه الوطنية وأمنه القومي في ظلّ تصاعد حرب أبوظبي ومليشياتها الإرهابية ضد السودان، الدولة والأُمّة.
Ahmad Shomokh