رأي ومقالات

احذروا فِخاخ الاحتيال المقنّعة بالمساعدة

في عالم تتزايد فيه أساليب الخداع يومًا بعد يوم، أصبح من الضروري أن نعيد التفكير في مفهوم المساعدة ونتعلّم كيف نُفرّق بين “النية الطيبة” و”الوقوع في الفخ”.

سبق أن تحدثنا في مقال سابق عن دور الضحية في بعض الجرائم، مثل سرقة الهواتف و”تسعة طويلة”، وهو أحد مفاهيم علم الفيكتيمولوجي (Victimology)، وهو من فروع العلوم الجنائية والإجتماعية، والذي يشير إلى مدى مساهمة الضحية – بقصد أو دون قصد – في حدوث الجريمة.

واليوم، نلفت النظر إلى نمط جديد من الجرائم، يزداد انتشاره باستغلال أبسط نقاط ضعفنا: الرغبة في المساعدة. فثمة من يستغل هذه الرغبة الطيبة في خداع الناس وتوريطهم في عمليات احتيال دون أن يشعروا. والغريب أن بعض الضحايا لا يدركون أنهم تورطوا إلا بعد أن يصبحوا ملاحقين قانونيًا، أو يتم استدعاؤهم للتحقيق باعتبارهم شركاء لا ضحايا!

فقد يصادفك شخص غريب في الشارع أو عبر الهاتف، يزعم أنه في ضائقة عاجلة، ويطلب منك رقم حسابك في تطبيق “بنكك” أو غيره من التطبيقات البنكية، بحجة تحويل مبلغ مستعجل لا يمكنه استلامه. ثم يطلب منك إعادة تحويل المبلغ لحساب آخر أو تغييره إلى عملة أجنبية.
لكن ما لا تعلمه هو أن هذا المبلغ قد يكون ثمرة عملية احتيال، أو نتيجة جريمة سرقة، أو جزءًا من شبكة لغسل الأموال. وبهذا تكون قد أدخلت نفسك – بحسن نية – في دائرة الاشتباه الجنائي.

نعم، الجاني هو المسؤول الأول عن الجريمة. لكن القانون لا يُعفي من المسؤولية بحجة الجهل أو النية الحسنة. وبالتالي، مشاركة معلوماتك الشخصية مثل رقمك الوطني، جواز سفرك، حساباتك البنكية أو حتى رقم هاتفك مع الغرباء، قد تفتح أبوابًا يصعب إغلاقها. حتى السماح لشخص غريب باستخدام هاتفك لإجراء مكالمة عاجلة، قد يبدو تصرفًا نبيلًا… لكنه يحمل في طياته مخاطرة، فقد تكون المكالمة مرتبطة بجريمة أو نشاط مريب يُعرّضك للمساءلة القانونية.

لسنا هنا لنزرع الخوف في النفوس أو نثني الناس عن مساعدة المحتاجين، بل ندعو إلى الحذر والوعي، وإلى أن نربط طيبتنا بالمسؤولية القانونية، فالمساعدة الحقيقية لا تأتي على حساب سلامتك.

العالم تغيّر، ووسائل الاحتيال أصبحت أكثر ذكاءً. بل إن أخطرها تلك التي تُقنع الضحية بأنها “تفعل خيرًا”، بينما هي – في الحقيقة – تشارك في الجريمة دون أن تدري.

فكُن حذرًا. لا تمنح ثقتك بسهولة. وتذكّر: الوقاية القانونية اليوم، خير من الندم غدًا.
أن تكون يقظًا لا يعني أن تكون قاسيًا، بل يعني أن تكون مدركًا لعواقب كل تصرف مهما بدا بسيطًا… فقد يكون بسيطًا في ظاهره، لكنه ثقيل في نتائجه.

بقلم: عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
١٧ مايو ٢٠٢٥م