رأي ومقالات

أبوفانوس فى دروب السياسة !

[2)
ظلَّ أبوفانوس يقود السياسة تحت قيادة عبد الله ود تورشين تارةً بالحضرة المزعومة، وتارةً بالمهدية المُدعاة، كتب البروفسير محمد سعيد القدال، في كتابه تاريخ السودان الحديث، فى وصف حملات الخليفة: (أنها اتصفت بالتقتيل وتخريب القرى وقتل الأطفال والنساء والشيوخ) ونزيد عليها (والتجويع والتهجير) وأورد القدال فى ثنايا الكتاب ما حلَّ بمعظم القبائل وزعمائها منذ أيام حكم ود تورشين الأولىٰ والتي بدأت بمعارضة الأشراف وما فعله ود تورشين بهم، وما جرىٰ لقبيلة الكبابيش، والرزيقات، والفور، والتهجير الكامل لقبائل البقارة الرزيقات والهبانية والتعايشة، من ديارهم إلى وسط السودان، وامتد بطش ود تورشين إلى قبائل الشكرية والضباينة والبطاحين والعبابدة ورفاعة الهوي والجعليين، والمجازر التي وقعت فى حقهم فى المتمة ومقتلة الزيداب التي مازال صداها يتردد فى الأرجاء.

فى آخر اِجتماع لمجلس الحرب وجيوش المستعمر على تخوم أم درمان، كان رأى بطل الشرق عثمان دقنة الخبير بكسر المربع الإنجليزي أن يكون الهجوم ليلاً فقال ودتورشين (كَوْ نَهَجْمُوهم ضَحَا سَمَاحَ الشُّوفْ) فعقَّب دقنة بقوله: (غايتو المهدية مهديتكم، لكن نُصرة ما في) وقد كان، وهكذا قاد أبوفانوس ثورة المهدية إلى حتفها، تلك الثورة التى بدأت بـ(اِدعاء المهدية) وانتهت بهزيمة نكراء (فى كرري) هرب على اِثرها ود تورشين ولم يجد نصيراً من القبائل التي أثخن فيها وهو في سلطته، لكنها لم تظهر شماتتها به اِمتثالاً لقِيَمِها ولأخلاقها، وقد قُضىٰ ود تورشين جاثياً على فروته اعترافاً بالهزيمة واِشارةً الى الخضوع والاستسلام حسب العُرف السائد عند بعض القبائل، لكن السير ونجت باشا لم يكن من أهل تلك الثقافة،فَفَتَكَ به وبمن معه. وخَفَتَ نور أبي فانوس لكنه لم ينطفئ.

وما إن أحكم الاستعمار قبضته على مقدرات البلاد، قرَّب إليه وريث المهدية وأغدق عليه، وسار السيِّد بحزبه فى رِكاب انجلترا، بينما سارت بقية الأحزاب اِلا من رحم ربي في رِكاب مصر !! وكلٌ له أبوفانوس الخاص به.

يطول الحديث عن مزالق أبوفانوس التى أورد بها السياسيين موارد التهلكة، ومنها أنه قاد الأحزاب اليسارية إلى مخالفة عقيدة الأمة، واختراق المؤسسة العسكرية بكوادره ونَحَتْ بقية الأحزاب ذات النحو، الذي تجلَّت صورته في المحاولات الانقلابية المتكررة، الناجح منها والفاشل، وقاد الأحزاب الاِسلامية الىٰ المغالاة فى الدين ونبذ الآخر، وقاد القحاطة إلى العزلة عن الجماهير، وقاد حميدتي إلى حتفه بظلفه.

والحال هذه لا يوجد أي حزب ولا توجد أى مجموعة سياسية تحت أى مسمى قد نَجَت من حبائل أبوفانوس الذى يضلها عن الطريق المستقيم نحو بناء وطن معافى ومستقر وتنمية متوازنة مستدامة أو عقد اجتماعي متناغم، ووقعت الحرب بكل كُرهها وفظائعها لتضع خطاً فاصلاً بين سودان ماقبل الحرب، وسودان ما بعد الحرب، لكي تسير بلادنا على طريق قويم بلا وصاية من أحد، ويمكن أن نستدعي شعار حزب الأمة القديم (السودان للسودانيين) والذي كان شعاراً فضفاضاً خالياً من المضامين وبلا دراسات علمية قابلة للتنفيذ، لنملأه بالخطط المحكمة والشاملة، وربَّ ضارةٍ نافعة.

محجوب فضل بدري