أكبر تجلٍ لعدم امتلاك المجموعة السياسية المتحوّرة من قوى الحرية والتغيير لقرارها هو وجود عبد الله حمدوك على رئاستها. والسؤال الجوهري الذي يواجه هذه المجموعة: ما هو الإنجاز السياسي أو القيمة الفعلية التي تبرّر وضع عبد الله حمدوك في موقع رئيس الوزراء عقب التغيير في 2019 ؟
ما الذي دفع تلك القوى إلى تقديم هذا الرجل، الذي لم يُعرف في المجال العام سوى باعتذاره عن وزارة المالية إبّان عهد الرئيس عمر البشير؟.
جلس حمدوك على كرسي رئاسة مجلس الوزراء بين عامي 2019 و 2022، فما الذي قدّمه ليستحق أن يُحفظ له، غير الفشل؟
ثم ما موقفه من ما سمّته قوى الحرية والتغيير حينها “انقلابًا على الشرعية”؟ فالشرعية التي تحدثوا عنها وقّع ممثلها – حمدوك نفسه – اتفاقًا سياسيًا مع البرهان، “المنقلب عليه” كما يقولون، ليعود بموجبه رئيسًا للوزراء مرة أخرى في حفل مشهود، قبل أن يستقيل مطلع يناير 2022.
والأدهى أن حمدوك، الذي اختُبر عمليًا في رئاسة الوزراء وفارق خط المجموعة السياسية الداعمة له بعد حراك البرهان في 25 أكتوبر، هو ذاته الذي عادت المجموعة نفسها – رغم أن بعض رموزها طعنوا في كفاءته واستقامة موقفه – لتضعه على رأس تحالفها السياسي الجديد “تقدّم وأخيرًا صمود”. وللتذكير دعونا نقرأ بعضا من سطور ما قاله عمر الدقير في مؤتمر صحفي آنذاك عن حمدوك وخطوته مع البرهان بعد ٢٥ أكتوبر فهي تؤكد بعضا مما نقول . يقول نص الخبر : ( ووصف الدقير في مؤتمر صحفي مواقف حمدوك بالمضطربة والمتناقضة مشيراً إلى توقيعه اتفاقاً سياسياً تأسيساً على قرارات البرهان من جهة ووصفه ما جرى في 25 اكتوبر بالانقلاب من جهة أخرى .واعتبر توقيع حمدوك للاتفاق السياسي بغير المقبول سياسياً وأخلاقياً مشيراً إلى إزاحته القوى التي أتت به رئيساً للوزراء .
وقال إن حمدوك اصبح كبني اسرائيل استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، مشيراً إلى قبوله منصب رئيس الوزراء على ظهر دبابة بعد أن حملته إليه الرغبة الشعبية .
وأضاف (خانته الحصافة والتقديرات السياسية ).وأوضح إن حمدوك اصبح موظفاً لدى الانقلاب وبلا سلطة ويعمل تحت إشراف مجلس السيادة .وأشار إلى شعوره بالمرارة والخذلان منوهاً إلى توقيع حمدوك الاتفاق والشهداء يتساقطون واعتبره مكافأة لمن سفك الدماء ومحاولة لكسر ظهر الحركة الجماهيرية ، في وقت احكمت فيها الحركة الجماهيرية حصارها للانقلاب )
● وإن قيل إن تلك القوى قبلت بحمدوك رئيسًا للوزراء في بداية عهدها التحالفي مع البرهان وحميدتي كخيار اضطراري أو كتكنوقراط لم تجد غيره بينهم حينذاك، فما الذي دفعها مجددًا لقبوله زعيمًا سياسيًا لتحالفها الجديد؟
الجواب الذي لا مراء فيه: أن حمدوك هو خيار الخارج. فهو بالنسبة للقوى الخارجية – رباعية كانت أم خماسية – أهم من قوى الحرية والتغيير نفسها. إن رغبة الخارج في وضع حمدوك على رأس هذه المرحلة تجعل تلك القوى السياسية أسيرةً له ولأجندته، وهو ما يثبت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن هذه القوى ليست سوى أدوات في مشروع خارجي فالعاجز عن تقديم قيادة من صفه مقنعة له ولمحازبيه، فليس بمستغرب عليه أن يكون نهجه تجاه الوطن كما نرى ونشاهد ، فالخارج الذي يدفع هو الذي يختار اللحن للزمار .
الطاهر التوم
