بابكر إسماعيل يكتب: لينة والعربية

الأستاذة لينة صحفية نابهة ومهنية ونشهد لها بذلك .. ولكنها تعمل مع قنوات فضائية لها سياسة تحريرية غير متعاطفة مع حرب الكرامة وهي في ذات الوقت لا تسمح بتناول قضايا مماثلة في الدولة المالكة للقناتين .. فمثلاً المواطن العربي لا يملك معلومات عن كيف يعامل سجناء الرأي والضمير في تلك الدولة ومنهم علماء بارزون اعتقل بعضهم لسنوات عديدة بسبب تغريدة واحدة بها كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في ميزان العدالة بتك الدولة مثل قول أحد المعتقلين ” الحمد لله” لخبر ظنّه سارّاً .. فغاب في غياهب سجون تلك الدولة ومنع عنه العلاج والرعاية الطبية والتواصل مع أسرته في وضع مذلّ للكرامة الإنسانية..
وإذا تجرأت لينة ومديرها وقناتا العربية والحدث للإشارة المبطنة لذلك المعتقل وظروف اعتقاله .. قامت قيامتهم جميعاً ..

السودان يخوض حرباً ضروساً واستهدافاً داخلياً وخارجياً وتُشنّ ضده حرب إعلامية محترفة والأجواء فيه ليست ملائمة لصحافة بلا قيود ولا لتحقيقات صحفية استقصائية خاصة في بعض القضايا الحساسة مثل التي طرحتها الأستاذة لينة وقليل من الحصافة مطلوب ..

هنالك قضايا حساسة تتعلق بوحدة الصف الوطني ومنها قضية حبس الرئيس عمر البشير ورفاقه ضباط الجيش الآخرين الذين ينتمون للتيار الإسلامي العريض الموجود الآن في قلب معركة الكرامة يذودون عن حمى الوطن وأعراض السودانيين وممتلكاتهم وكل يوم يسقط منهم شهداء وجرحى وأسرى ..في هذه الظروف فإنّ أي تعريض بالرئيس وصحبه يوف يكسر وحدة الصف ويوغر الصدر .. ويشكّل طعنة في ظهور المقاتلين الذين يواجهون الموت بصدور عارية ..
وصحيح هنالك غيرة مهنية من بعض زملاء لينة كما ذكرها زملاء متعاطفون مع لينة منهم ضياء بلال وآخرون ولكن للحقيقة فإن كثيراً من المصطفِّين الأخيار في الذود عن كرامتنا ناقمون من هذا تحقيق لينة المصوّر المتحامل على الرئيس ورفاقه الذين دافعوا ببنادقهم وحموا سلاح المهندسين من السقوط في يد المليشيا ولقد رأيت مظاهرة عفوية من جماهير الشعب السوداني تندد بلينة وتهتف غاضبة “برّة .. برّة .. أي go to hell وهم يزفّون الأستاذة لينا وهي خارجة من مكتب القناة .. وفي ذلك دليل على غضب الشارع العام ..

كما أن تقرير العربية حول مكان وظروف اعتقال عمر البشير ورفاقه من ضباط الجيش السوداني العظام قد يفهم منه أن فيه تحريضاً على الرئيس وفصيلته التي تؤويه وفيه كذلك تلميح خبيث لاحتمال وجود تحالف خفي بين نظام البرهان ونظام البشير أو صفقة الخ .. وهنالك كما تعلمون حملة مسعورة أماراتية تيئسية جنجويدية تركز على ذلك ..
أنا شخصياً لم أستسغ صياغة التقرير الذي قدمته الأستاذة لينة يعقوب حول مكان وظروف اعتقال الرئيس السابق وزملائه من ضباط الجيش السوداني وأعتبر ذلك التحقيق تحريضياً ومتحاملاً ضد الرئيس البشير وصحبه ..

فالتحفظ والاعتقال لا يعني حرمان المتهم من حقوقه الشخصية في الكرامة والطعام والتواصل .. ففي بريطانيا على سبيل المثال يتوفر للسجين المدان (وليس المتهم مثل الرئيس البشير) حقوقاً تفوق ما ذكر تقرير العربية مثل حق الدراسة والعمل داخل السجن والتكسب ومقابلة الزوار والزوجات الخ .. وموبايل مجاناً من الدولة إضافة للأكل والشرب والرياضة (عدا الكحول) .. ا قلت لأحد أصدقائي الذي يعمل بأحد السجون البريطانية أننا نطالب أن تتوفر للمواطن السوداني حقوق السجين البريطاني من ثلاث وجبات في اليوم وحق العمل والدراسة والحماية والأمن وموبايل مجاني والتواصل المجاني .. وسيكونوا حينها من أسعد شعوب الأرض ..
كما أنّ القانون البريطاني لا يجيز التحفظ بغير قرار قضائي لأكثر من ٤ أسابيع والرئيس البشير معتقل لأكثر من ست سنوات في قضية ضعيفة الأركان بل وقعت واقعة مماثلة لها وأبطالها ينعمون بالحلي والحلل والحلّ والعقد ..

كما أنه أيضاً إذا انطلقت أي مسيرة نحو مستشفي مروي بعد هذا الفيلم الذي بثته قناة العربية وقتل فيها أي من ضباط الحراسة أو الطهاة أو الرئيس أو أحد زملائه المعتقلين .. فستعتبر لينة وقناة العربية مسئولين عن ذلك على الأقل وسط الرأي العام إن لم تكن مسئولية قضائية وجنائية حتى وإن كانت تلك المعلومة متاحة من قبل ..

وأنصح إخوتنا الصحفيين وأخواتنا الصحفيات بالحصافة والحذر فصحافة الحروب تختلف عن الصحافة في زمن السلم .. وليكفّ زملاء لينة المتعاطفين معها عن حملات الوعظ والإرشاد والتحريض ضد قرارات الدولة التي حمت وتحمي المواطنين ومنهم رئيسنا السابق عمر البشير من إجرام المليشيا وقصفها العشوائي ودونكم حادثة الأمس التي قتلت فيها مليشيا الجنجويد وعصابة تأسيس الإرهابيتان ٧٥ مصليا ذاكراً ساجداً في مسجد الفاشر العتيق بمسيرة مدمرة
ونرجو أن يقوم رؤساء تحرير الصحف بعمل مفيد أكثر من حملات التعاطف مع لينا وذلك بعقد دورات تدريبية للصحفيين والمراسلين الذين يعملون معهم لتثقيفهم عن المسئولية الوطنية والجنائية في التغطية الصحفية في زمن الحرب ..فذاك أجدى للمهنة والوطن ..

بابكر إسماعيل

Exit mobile version