من أهم المعضلات التي ساهمت في عدم استقرار السودان (..)

من أهم المعضلات التي ساهمت في عدم استقرار السودان على المستوى السياسي هي وجود احزاب سياسية ذات خلفية أيديولوجية يرفضها الغرب. فالحزب الشيوعي بخلفيته الشيوعية و الانقاذ بخلفيتها الإسلامية هما العدو الاكبر للغرب منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ، ولن يسمحوا لدولة تتبنى هذة الافكار بالتقدم ولكن الأخطر هو إنها في مقاومتها لهذة الايديولوجيات منذ نهاية الحرب الباردة، ساهمت في تقويض الاستقرار الديمقراطي في السودان. لأن أي عمل انتخابي يترتب عليه اعتلاء اي من هذة الاحزاب غير مرحب به ويعني دخول النظام الديمقراطي السوداني في معضلة كانت دائما تؤدي لسقوط الحكومات المنتخبة بإنقلاب عسكري ثوري لأن التغيير الثوري كان دائما السبيل الوحيد المتاح لهذة الاحزاب الأيديولوجية وليس خيارا اتخذته طمعا في السلطة وهذة حقيقة لا يمكن إنكارها.

حتى بعد ثورة ديسمبر لم يقدم الغرب الدعم اللازم للحكومة الانتقالية وتخاذل في دعم رغبة الشعوب السودانية في التغيير ولم يقم بواجبه في دعم حكومة حمدوك والسبب الرئيسي هو الإعتقاد بأن هذة الثورة يسيطر عليها اليسار السوداني المتطرف وتحديدا الحزب الشيوعي. ولذلك تراجع المجتمع الدولي خطوات للوراء ولم يقدم اي دعم اقتصادي أو سياسي حقيقي وهو ما مثل أحد أهم أسباب فشل الانتقال الديمقراطي للمرة الرابعة في السودان.

اليوم يقف المجتمع الدولي أيضا متفرجا على تفكك الدولة السودانية متخليا هذة المرة حتى عن دوره الانساني فقط بحجة ان للاسلاميين يدأ طولى في هذة الحرب. و بالمناسبة الغرب لا يعتقد ان الأسلاميين يسيطرون فقط على الجيش بل هم يعتقدون أن الأسلاميين أيضا يتحكمون في الدعم السريع سيما وأن كل قادة ومستشاري الدعم السريع هم قيادات اسلامية معروفة وتقلدوا مناصب في حزب المؤتمر الوطني وعلى رأسهم قائد الدعم السريع نفسه. فهم يرون أن دعم لأي من الطرفين هو بالضرورة دعم للتيار الإسلامي المتطرف في السودان حتى وإن حاولت حكومة تأسيس تغبيش الرأي العام الدولي بقبول العلمانية إلا ان المجتمع الدولي لا يأخذ بالشعارات التي تكتب في وثائق و دساتير لا تحترم وغالبا ما تخرق وتنتهك، فمصداقية السودان الدستورية انتهكت منذ عقود ولم يعد لها معنى في نظر المجتمع الدولي ولا يعتد بها.

على الغرب إن يوقف عملية خنق الحرية الديمقراطية في دول ذات تركيبة سياسية أيديولوجية متنوعة كالسودان ومصر وتونس وغيرها. عليه إن يعترف بحق هذة الاحزاب غير الليبرالية في حق الممارسة السياسية والانتخاب فالحزب الشيوعي السوداني ليس امتدادا للإتحاد السوفيتي والحركة الإسلامية ليست امتدادا للخلافة العثمانية والممارسة الديمقراطية هي أفضل مناح يحفظ هذة الايديولوجيات من التطرف لأن استفرادها السلطة يخلق حكما ديكتاتوريا بطبيعة بنيتها التنظيمية خاصة الإسلامية منها ولذلك ينبغي أن يكون الغرب أكثر حرصا على النظم الديمقراطية في الدول ذات الاحزاب الأيديولوجية القوية لأن الديمقراطية تجبر هذة الاحزاب على تقبل ومصانعة الاخر في جو ديمقراطي معافى يحكمه الصندوق والمصلحة العامة للدولة المواطن . فيما يجبر الحكم السلطوي هذة الاحزاب على استخدام العنف الأيديولوجي لأقصاء الاخر و طمر إرادة الشعوب كوسيله أساسية للبقاء في السلطة وهذا بالضرورة يعيق تطورها الفكري نحو مزيد من الإنفتاح وقليل من الايدولوجيا و التطرف.

سبنا امام

Exit mobile version