غياب المشروعية أزمة عامة

غياب المشروعية أزمة عامة:
من الواضح أن هناك أزمة شرعية عامة. بدايةً، تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي حزب أو جماعة سياسية تمارس حالياً عملاً حقيقياً على أرض الواقع. لقد تحولت كل الجماعات إلى مجرد ظواهر إفتراضية، مثلي تماماً. لكن هذه ليست المشكلة، المشكلة تكمن في ما إذا كانت هذه الأحزاب والجماعات تعمل وفقاً للمبادئ الديمقراطية.
هل تعقد الجماعات اجتماعات ومؤتمرات لاختيار قيادتها واتخاذ قرارات جماعية بشأن موقف الحزب/الجماعة من القضايا الرئيسية؟ لا أعتقد ذلك، فهي لا تعقد حتى اجتماعات عبر الإنترنت لأعضائها في عصر أصبحت فيه المؤتمرات عبر الإنترنت ممكنة ومتاحة.
كما أن الأحزاب والجماعات لا تنظم أي أنشطة عامة للحوار مع الشعب السوداني، لا على أرض الواقع ولا عبر الإنترنت. ومعظم الأحزاب لا تصدر حتى صحيفة دورية، باستثناء الحزب الشيوعي. مع أنني لا أملك إجابة قاطعة حول ما إذا كان عدد قرائها كبيراً أم قليلاً، إلا أن الحزب الشيوعي على كل حال يحرص على إصدار صحيفته، على عكس الأحزاب الأخرى.
لنأخذ مثال السيد خالد عمر يوسف. هل الآراء التي يبشر بها بين السودانيين والأوروبيين والكنديين والعالم أجمع هي آراؤه الشخصية، أم أنها تمثل آراء حزبه – حزب المؤتمر السوداني؟ إذا كانت هذه هي آراء الحزب، فأين ناقش الحزب هذه القضايا وقرر اختيار هذا الخط السياسي بكل تفاصيله التي يعبّر عنها السيد خالد بإسهاب؟
على سبيل المثال، هل يعتقد جميع الأعضاء في حزب المؤتمر، أو غالبيتهم، أن قضية “الإرهابي” كارلوس الذي سلمه نظام البشير لفرنسا في تسعينات القرن الماضي أهم أو أكثر الحاحا من إرهاب ميليشيا الجنجويد الذي يعاني منه الشعب السوداني في هذه اللحظة، والذي يمكن للبرلمان الأوروبي إيقافه بينما كارلوس من الماضي ويقبع الآن في سجن فرنسي بعد أن تزوجته محاميته الفرنسية الرائعة؟
بعبارة أخرى، هل يوجد موقف لحزب المؤتمر السوداني عدا ما يختاره خالد من أقوال وأفعال؟ أنا لا أعر اهتمامًا لما يقوله السيد عمر الدقير، لأن ما يقوله من سجع صالح لكل زمان ومكان، وبالتالي قيمته صفرية بخصوص الأزمة المعاشة.
لكن هذه المشكلة لا تقتصر على حزب المؤتمر، فالسؤال نفسه ينطبق على جميع الأحزاب والجماعات الأخرى. اخترت خالد لأنه الأكثر حضوراً والأكثر نشاطاً وإنتاجية. أما الآخرون فهم أقل إنتاجية، لكنني لا أعرف إن كان ذلك بسبب كسلهم أم بسبب ما تبقى لديهم من حياء.
تُعرف ظروف الحرب والتشتت ولا تحتاج إلى شرح، لكن ذلك لا يُبرِّر التحوّل عن المؤسسية أو اختزال الحزب في مجرد فرد أو شلة. توفر ثورة الاتصالات إمكانية عقد اجتماعات مستمرة عبر الإنترنت، كما يمكن لأعضاء كل حزب في مدينة أو دولة تكوين فرع يجتمع وجهاً لوجه، ويتواصل مع بقية أفرع الحزب في المدن والدول الأخرى عبر الإنترنت. وبمقدور كل حزب أيضاً تنظيم فعاليات جماهيرية عامة على الشبكة، لكن كل ذلك لا يحدث.
ولم أتطرق بعد إلى أولئك “التكنوقراط” الذين لا يمثلون أي حزب أو جماعة أو قبيلة أو نقابة، أو حركة مسلحة ومع ذلك يمتلكون نفوذاً هائلاً في اتخاذ القرارات نيابة عن الشعب السوداني. في الحقيقة، معظم هؤلاء “التكنوقراط” هم ممثلون لمصالح أجنبية، وبالتالي فهم يمارسون السلطة والنفوذ دون أن يكون لهم أي جذور في التربة السياسية السودانية.







