اشتغلت الميديا السودانية بخطاب السيد كامل إدريس رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمن يوم الأثنين 22 من ديسمبر الجاري ..انشغالاً كثيراً ومستحقاً …وكالعادة تفاوتت حوله الآراء بين من رآه فتحاً جديداً وعبقرية تتقاصر دونها الأفهام العادية … وأن به لمسة سحرية سوف تعدل حال السياسة السودانية ..ومنهم من رآه لا يساوي الحبر الذي كتب به .. وأنه قد أضر بالسودان وسيعود عليه بالساحق والبلا المتلاحق … وبينهما من أشاد ببعض الجوانب فيه وانتقد جوانب أخرى أقل أهمية … وهناك من فعل العكس انتقد الكثير من محتويات الخطاب و أوجد له شيء من الإيجابيات … ومنهم ركز على المضمون ومنهم من ركز النواحي الفنية الإجرائية ..
اختلاف الآراء والتعبير عن ذلك الاختلاف بلغة غير جارحة أمر مطلوب وبشدة .. ولكن المشكلة عندنا في الاستقطاب الحاد والتشبث بالمواقف المحددة مسبقاً …وتناول الموضوعات على طريقة (أكان طارت غنماية) … فقبيل خطاب كامل كانت الميديا السودانية غرقانة في الصغاير إسم الدلع (الشجون الصغيرة).. وشخصنة القضايا … فلم ترك اللابس البدلة البيضاء واللابس من غير هدوم … تتابع طلاق صبي وصبية لندن وكلاهما يستحق العطف … والهجيج أثناء الحصة ورقصة التلميذ أمام المعلم وخلفهما السبورة وبينهما الطبشورة .. أشياء ممكن تحدث يوميا وأسوأ منها بكثير ولكن بمجرد نقلها في الميديا تصبح قضايا يسهر الخلق جراها ويختصم … هذا الأمر يثقل الرأي العام بالقضايا الهايف ويجعله لا قيمة له .. فمثلا التلميذ الراقص تم فصله من المدرسة ليس لأنه تراقص أثناء الحصة فمن المنظر لم تكن تلك الرقصة الأولى… بل لأن الموضوع دخل الميديا… وهذا يعني سقوط معايير الصاح والخطأ … بل الأمر دخل الميديا أم لم يدخل .. هناك من ينكر وجود الرأي العام ..فما بالك إذا أصبح مشغولا بالفارغة ومقدودة …لذلك نحمد لكامل إدريس وخطابه أنه أعطى الميديا السودانية بنداً يستحق النقاش.. ويفتح الأمل بأن تنصلح أجندة الميديا السودانية ..
في تقديري أن التفاوت الحاد في تقييم خطاب كامل إدريس يرجع لعدة عوامل …أولها أن السفرية نفسها كانت مفاجأة لكل المتابعين …ثم غلفت بموضوع آخر غير موضوع الخطاب …إذ تسرب أنه ذاهب للتفاوض مع الإمارات …والتسريب خارج من داخل ردهات الحكومة … (بالمناسبة موضوع التسريب دا عاوز وقفة قوية وجادة … فهو ظاهرة كثيرة الضرر …أقلها أنه سوف يجعل الناس يتطبعون مع الضرب تحت الحزام …كما أن الحفر والحفر المضاد سوف يوسع الحفرة لتبتلع البلاد كلها)
محتوى الخطاب غريب على الرأي العام ..نعم خارطة الطريق التي سبق أن أرسلها الفريق أول البرهان للأمم المتحدة وخطاب الفريق إبراهيم جابر أمام القمة العربية في بغداد فيهما وقف إطلاق نار و تصفية الدعم السريع نهائياً .. لكن خطاب الحكومة الطاغي يركز على الحرب كوسيلة وحيدة لإنهاء تمرد الدعم السريع …هنا يثور السؤال لماذا لم تجد خارطة الطريق التي قدمها البرهان وخطاب إبراهيم جابر في القمة العربية نفس الاهتمام الذي وجده خطاب كامل أمام مجلس الأمن مع إن المحتوى واحد ؟… لابل خطاب كامل يدعو لوضع عساكر الدعم السريع في معسكرات قبل عملية الدمج والتسريح بينما الخارطة وخطاب جابر تبقيهم في المناطق التي هم فيها …يبدو لي أن السبب يرجع للتوقيت ففي كرة القدم الاصابات التي تأتي الدقائق الأخيرة أهم وأثمن من تلك التي تكون في بدايات المباريات …(قون المغربية أحسن من مية)
خطاب كامل لم ينكر البعد الخارجي فقد ذكر الولايات المتحدة والسعودية ومصر فهل بذلك جعل الرباعية ثلاثية ؟ وفي تقديري أن هذا أمر اجرائي …ولكن يبقى الفرق الرئيسي فيما طرحته الحكومة وما طرحته الرباعية هو أن الحكومة تقول بوقف إطلاق النار والرباعية تقول بهدنة … والفرق بينهما كبير جداً جداً ….فالهدنة تصنع فترة انتقالية بينما وقف إطلاق النار يدخل البلاد في المرحلة الجديدة مباشرة …وهنا يثور السؤال هل نحن في حاجة لفترة انتقالية أم ندخل في المرحلة التالية (تووووش) ؟ حقو الناس تكون واضحة وتبطل الدسديس والغتغتة واللف والدوران وتناقش الموضوع دا … هل الفترة الانتقالية مفيدة أم مضرة ولماذا ؟ لا داعي للاختباء خلف هدنة وما هدنة …وعدم طرح هذا السؤال يوضح لنا أن المكون الخارجي في الأزمة السودانية الحالية هو الأكبر وهو الأخطر وهو المتحكم…. وأن البحث عن ملكية وطنية لحل الأزمة السودانية كالبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة والقطة غير موجودة …فيا أهل السودان تعالوا إلى كلمة سواء وإلا فإن صراع المصالح الدولي حا (يضقل) بيكم كما هو حادث الآن ..
نرجع لموضوعنا وإن لم نخرج منه ففي تقديري أن السؤال الذي طرحه ياسر عرمان في منشور متوازن …هل ما طرحه كامل إدريس ورقة تفاوضية أم شرط للتفاوض ؟ وهنا يمكن أن يثور جدل مثمر والإجابة لابد من أن تستصحب كافة الأوضاع المحلية والاقليمية والدولية …
اها يا جماعة الخير الكلام طال .. لابد من أن يكون له ساحل فوقت القراء مش بعزقة …لكن ياربي هل أنا قلت رأيي في خطاب كامل ؟ بما أنني قلت أن المكون الخارجي أصبح هو المسيطر على القرار السوداني ونحن مجمل السودانة قاعدين (Sitting ساكت) ففي رأيي أن خطاب كامل إدريس … عبارة عن رسالة أظهرت أهميتها في حاملها وفي منبرها وليس في محتواها …رسالة لها ما بعدها .. أي مقدمة لشيء ما في الطريق … بس مافي زول يسألني من منو ولي منو لأني ماعارف ؟ إيه رأيكم في قون المغربية دا .
د. عبد اللطيف البوني
