أنا بلا تهويل بالنسبة لي القحاتة أعظم خطرًا مِنْ الجنجويد

قد يكون القحاتة بالفعل فُضح أمرهم كرموز ثورية وقيادات سياسية. بما يشي بضرورة توفير الجهد نحو “معارك كُبرى” وفق ما يرى أستاذنا محمد عثمان إبراهيم.. لكن في حقيقة الأمر قحت لا تزال موجودة وفاعلة -على عكس ما قد يُظنّ؛ الظنّ بأنّها مجموعة ضعيفة فاقدة للحيلة وبلا أثرٍ يُذكر -أو أنّها تشبّعت بالموات إكلينيكيًا وأنّ دابَّة الأرضِ أكلت مِنسَأتها- غير صحيح.
قحت موجودة وفاعلة بتركّز خطابها -الذي تغلغل في الوعي الجمعي بحكم وجودها الوظيفي لسنواتٍ طويلة بوصفها آلة معارضة “قوى المعارضة”-؛ الشاهد أنّك أحيانًا قد تجد المرء يكره قحت، ويناصبها العداء، ويقرّ بدورها التدميري.. إلخ لكن أفكار قحت وتصوّراتها مركوزةً في عُمقِ وعيه؛ بل وتحكم: تفكيره، وخياله، ومستوى الرؤية عنده، وثقافته السياسية، وحتى منطقه العمومي وتفسيره للأحداث.. حتى دون أنْ يشعر!
وهي كذلك موجودة وفاعلة بإحسانها استعمال وتوظيف الأدوات الناعمة باقتدار واحترافية رهيبة. ودا صح لخدمة الممول أو الكفيل لكن كمان لخدمة أجندتهم الخاصة اللي هي تعبير عن مصالح اجتماعية واقتصادية متشابكة قبل ما تكون أجندة سياسية حزبية.. والتي هي بالضرورة في تضارب مستمر مع مصالح السواد الأعظم مِنْ السودانيين؛ بما فيها مصلحتهم في الانتصار على الاحتلال الجنجويديّ.
وأخيرًا موجودة وفاعلة بحكم اتصالها القوي والجيّد بالقوى العالمية التي باعت نفسها لها، والتي تسعى بدورها -أي القوى الأجنبيّة- بقوّة لفرضها مِنْ جديد على المشهد.
قوى الحرية والتغيير على رخصتها ومحدودية حيلها وبطلان شرعيتها الأخلاقية كإئتلاف “كيانات سياسية مدنية” إلا أنّها لا تزال قويّة وفاعلة -لا كبنية تنظيمية، واتصال جماهيري حيّ، وقوة شعبية خام مِنْ مؤيدين ومناصرين حقيقيين على الأرض، وأفكار تدور حول برامج تمسّ مصالح الناس الواقعية. ولا كفاعلية مُتصلة بالقدرة على الحشد والتعبئة لاسناد خطوطها وبرامجها السياسية؛ إنّما فاعلة ويحسب لها ألف حساب لأنّها لا تزال تملك القدرة على الإذاء وتملك أدوات التخريب وتعميق الفوضى. ولا يزال بإمكانها جرّ المزيد مِنْ الويلات على الشعب السوداني؛ بل هي الآن أخطر مِنْ ذي قبل؛ إذ تحرّرت مِنْ حمولات إدعاءات الشرف والنزاهة والطهرانية التي كانت تتظاهر بحملها في السابق.. وباتت بلا ثِقل أخلاقي؛ تحيك المؤامرات وتدبّر القلاقل في وضح النهار بلا كوابح ولا موانع أو معيقات أخلاقيّة وخطوط حمراء.
صح لمّا تستعرض اسامي زي: سلك/ مريسة/ عصمت/ الدقير/ الجاك/ نقد.. -إلى آخر الأسماء المقززة- قد يُهيأ لك السوء والقرف لبرهة وأنْ تحمل نفسك على ضرورة الترفع والانصراف لشؤون عظمى.. لكن نفس الهلافيت ديل لو استيقظوا في صباح يوم الغد وأعلنوا سحب التأييد السياسي عن الجنجويد يكون بالإمكان عندها إبصار التدهور المريع الذي سيضرب المليشيا؛ إذ هم على ضعفهم ووضاعتهم يمثلون للمليشيا أهمية عظمى؛ قد لا تقل عن أهمية المسيرات والمرتزقة الكولموبيون وسلاسل الإمداد بالذخائر والوقود وكافة أشكال العون اللوجيستي. وفي إعتقادي أنّ حوجة المليشيا لقحت أمس حاجة من حوجة قحت للمليشيا!
أنا بلا تهويل بالنسبة لي القحاتة أعظم خطرًا مِنْ الجنجويد؛ العالم يناصر الجنجويد بالتغافل عن جرائمهم فقط. لكن عبر قحت يبرر للتدخل ولهندسة الوضعية السياسة والاجتماعية والثقافية، وعبرها يصيغ المبرّرات والدعوات التي تبدو مشروعة وتبشيرية ووسيمة وربما مطلوبة: (ديمقراطية/ حقوق/ فدرلة/ حكم مدني/ حريات) في حين تبدو مهمة تزيين عالم الجنجويد الحافل ب (القتل/ الابادة العرقية/ الاغتصاب/ سبي النساء/تشريد..) مهمة مستحيلة.
على أيّة حال.. وبغض النظر عن الخلاف حول تعريف الأعداء وتراتبيتهم -الأخطر فالأقل خطرًا- إلا إنّه أي استثمار في ضرب السكرتارية المدنية للاحتلال (قحت) ناجح بالكليّة؛ ولا يمكن إعتباره بالمطلق عديم الجدوى أو ضعيف العائد. وإذا أصلو كدا كدا الدولة ح تسقط أو تنقسم أو في أحسن الفروض تتحول لجمهورية موز -بمعنى كدا كدا خسرانيين- فلازم قحت تجي واقعة معانا وتكون خسرت ودفعت خلال رحلة السقوط نحو الهاوية؛ لأنّه لما نصل هناك هم already بكونوا عايشين بجوازات جديدة لاستئناف حياة جديدة في بلد جديد.

محمد أحمد عبد السلام
محمد أحمد عبد السلام

Exit mobile version