من أحاجي الحرب ( ٢٦٣١٣ ):
○ د. Khaled Mahmoud Hussein
القحاتة بين المرونة في القيم الأخلاقية والتشدد في المواقف السياسية:
لا يمل القحاتة من تكرار القول أن تأسيس الدعم السريع هو خطيئة الكيزان الكبرى ولكن لا أحد منهم يذكر أن التعاون مع الدعم السريع خطيئة أيضا، وذلك لأنهم اجترحوا سيئة التعاون مع الدعم السريع بعد أن فرَّقوا في الحكم الأخلاقي بين وجود الدعم السريع كخطيئة كيزانية متعمدة وبين استخدامهم(القحاتة) لهذه الخطيئة الكيزانية لتحقيق فضيلة ضرب وإهانة الكيزان، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في صنع ‘الشربات’ من ‘فسيخ’ الجنجويد فاستخدموهم أيضا في حربهم ضد الدولار وقد رأينا وسمعنا حميدتي الذي عينه الخبير الاقتصادي رئيساً للآلية الاقتصادية، يقول إن صراعهم مع الدولار لا بد أن ينتهى بغلبة أحد الطرفين ” يا رمانا يا رميناه”
هذه الميكافيللية الاخلاقية تتجسد أيضا في مقولة وجدي صالح الشهيرة ” عندنا دريبات في القانون” وهي عبارة في تفسيرها البسيط تعنى أنه إذا تعذر الوصول إلى أهداف الثورة والثوار عن طريق المسار القانوني المستقيم ففي الطرق الملتوية مندوحة عظيمة.
حول هذه المرونة الاخلاقية تشكلت الهوية القحتية فأطلقت حكومتهم يد كل ساقط تولى شأنا عاما أن يستفز الكيزان كيفما شاء حتى لو كان استفزاز الكيزان يمر عبر استفزاز الشعب السوداني و تسفيه مقدراته، فظهر القراي المخرف بما يصادم ثوابت الدين وظهرت نسويات ونسويين تغيير قانون الاسرة المسلمة وارتفعت عقيرة كلاب السفارات وكلهم لا يذهب في سعيه أبعد من جرح مشاعر كيزانية او دغدغة مشاعر قحاتية فاستنزفوا طاقتهم وهم يدورون في حلقة مفرغة وفي دورانهم يتآكلون حتى إذا أزِفَت آزِفتهم أقامت لهم الظروف ما يستحقون من وليمة الشتات
الهوس بتحديد الوزن الأخلاقي لكل سلوك وفق معيار سخط أو رضى الكيزان جعلهم يقدمون على حماقات اغرت الكثيرون ممن كانوا يحسنون الظن بهم بالنفار عنهم، بعضهم اعلن نفاره جهارا وبعضهم أخفاه خوفاً من شماتة الكيزان.
ما كان بين القحاتة والكيزان يذكرني بشخصية الكابتن أهاب (Captain Ahab) في رواية “موبي ديك”(Moby Dick)، فالكابتن أهاب قبطان سفينة الصيد “بيكوود” ذو الرجل الاصطناعية (القحاتي) مهووس بالانتقام من الحوت الأبيض الأسطوري موبي ديك(الكوز) الذي بتر ساقه في رحلة سابقة فأصبح القبطان المَوْتُور يلاحق الحوت الابيض في البحر بغرض الانتقام ويتخيل وجوده في كل مكان، و ما أن رآه ذات مرة حتى جن جنونه فأجبر طاقم السفينة على خوض مغامرة كبيرة ليشفي غليله من حوت جبار مخادع أفقده رجله، وقد أعمته الرغبة في الانتقام عن كل المخاطر الماثلة لكل عاقل، فكانت النتيجة ان تمكّن منه الحوت للمرة الثانية فأغرقه وابتلعه وأغرق السفينة كلها ولم ينجُ سوى واحد فقط ليروي لنا الحكاية.
سؤالي، من هو الناجي الوحيد من سفينة القحاتة ؟

