في ظل الصراعات الداخلية والعوامل والتدخلات الخارجية التي تهدد وحدة السودان وسيادته، أصبح من الضروري تجاوز النقاشات التقليدية حول الخلافات السياسية الضيقة، نحو رؤية وطنية جامعة تحدد الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها.
ومن هذا المنطلق، أقدّم فكرة ومقترح ميثاق السيادة وحماية السودان، كإطار وطني يمكن للقوى السودانية المختلفة – العسكرية، السياسية، المدنية، النقابات، الكيانات الاجتماعية، والمواطنين – الاتفاق عليه لحماية الدولة والشعب.
ويجب التأكيد على أن هذا الميثاق يعني بحماية الدولة نفسها واستقرارها وأمنها أكثر من اهتمامه بنظام الحكم أو التفاصيل السياسية الداخلية.
ويستفيد المقترح من تجربة ميثاق الدفاع عن الديمقراطية (1985)، لكنه يوسع الرؤية لتشمل حماية السودان داخلياً وإقليمياً ودولياً، مع الحفاظ على سيادة الموارد والموانئ، حماية المؤسسات القومية، وتفعيل علاقات خارجية متوازنة.
أولاً: وحدة التراب السوداني:
الحفاظ على وحدة السودان خط أحمر لا يمكن التنازل عنه، ويرفض أي مسعى لتقسيم البلاد سواء انفصالاً أو حكمًا ذاتيًا. وحدها هذه الوحدة تضمن استقرار السودان داخلياً ومكانته الدولية.
ثانياً: رفض التدخل الأجنبي:
يستنكر الميثاق كافة أشكال التدخل الأجنبي المباشر أو غير المباشر، بما في ذلك التمويل، التسليح، ونقل المرتزقة. أي طرف محلي يلجأ لقوى خارجية لفرض أجندة سياسية أو عسكرية يعتبر فاقدًا للأهلية الوطنية ويخضع للمساءلة القانونية.
ثالثاً: حماية القوات المسلحة والقوات النظامية:
يؤكد المقترح حق القوات المسلحة والقوات النظامية في الحصول على دعم وتسليح مشروع، مع ضمان قدرتها على الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين، متوازناً مع منع النفوذ الخارجي السلبي.
رابعاً: حماية المؤسسات القومية واستقلالها:
يشدد الميثاق على استقلال المؤسسات القومية، بما فيها الجيش، الشرطة، المخابرات، القضاء، النيابة العامة، والخدمة المدنية، ويؤكد على تطويرها وطنياً بعد انتهاء الحرب دون أي إملاءات خارجية لضمان استمرار الدولة في أداء وظائفها الحيوية.
خامساً: حماية السيادة على الموارد والموانئ:
كل الموارد الطبيعية – النفط، الذهب، الزراعة، وموانئ البحر الأحمر – ملك خالص للشعب، ولا يجوز التنازل عنها أو توقيع عقود امتياز في ظل النزاع أو غياب الشرعية البرلمانية، بما يحمي الأمن الاقتصادي ويحول دون استغلال السودان كأداة في صراعات إقليمية أو دولية.
سادساً: العلاقات الخارجية المتوازنة ودعم السلام الوطني:
يشدد الميثاق على إقامة علاقات متوازنة مع الدول الداعمة للسودان، وعلى رأسها السعودية، مصر، إريتريا، قطر وتركيا، مع تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر لتعزيز الأمن الحدودي والمصالح الحيوية. كما يدعم التفاوض الوطني لتحقيق سلام مستدام وفق المبادرة الوطنية السودانية، مع مشاركة كافة القوى السودانية في صياغة الاتفاق النهائي بما يحفظ وحدة التراب وسيادة الدولة.
سابعاً: الدفاع عن الوطن وصون الدستور وحماية المكاسب الوطنية:
الدفاع عن الوطن وصون الدستور واجب مقدس على كل مواطن. يشمل الميثاق قسم الولاء للوطن الذي يؤديه طلاب المدارس أو عند الحصول على الرقم الوطني، لتعزيز روح المواطنة والانتماء، وغرس قيم المسؤولية تجاه الوطن ووحدته، والمساهمة في بناء جيل ملتزم بخدمة وطنه.
ثامناً: سيادة حكم القانون:
القانون والدستور فوق الجميع، ويجب مساءلة أي جهة أو فرد يخرقه، وضمان أن تكون جميع القرارات السياسية والعسكرية ضمن نطاق الشرعية الدستورية الوطنية، بما يعزز حماية السيادة واستقرار الدولة.
تاسعاً: آليات التفعيل والتطبيق:
يشمل التوقيع الشعبي، لجنة قانونية دولية لتوثيق التدخلات، اعتماد الميثاق كمرجعية لأي مفاوضات، حملات إعلامية للتوعية، وآليات مساءلة وطنية لضمان احترام الخطوط الحمراء.
الرسالة الجوهرية:
ميثاق السيادة هو “حائط الصد الوطني” الذي يمنع تحويل السودان إلى دولة ناقصة أو منزوعة السيادة أو مقسمة، ويجعل أي تدخل خارجي مكلفًا جدًا أمام إرادة الشعب ووعي القوى الوطنية الموحدة. كما يضمن حماية مؤسسات الدولة، وحدة التراب، السيادة على الموارد والموانئ، وسيادة القانون، وعلاقات خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية.
هذا المقترح فكرة مفتوحة للنقاش والتوقيع الجماهيري من قبل كافة القوى السودانية، ويظل خاضعًا للنقاش والتعديل والتطوير بما يضمن استجابة دقيقة لواقع السودان المتغير وضرورة توحيد الرؤية الوطنية.
عمر محمد عثمان
