عثمان ميرغني

آخر الرجال المحترمين


[JUSTIFY]
آخر الرجال المحترمين

صباح أمس الخميس.. وفي صمت مطبق رحل عن دنيانا البروفسير محمد شاكر السراج.. رجل عجيب وغريب عن هذه الدنيا التي تركها غير متحسر عليها..

شاكر السراج الذي سكب كل عمره في الخدمة المدنية والعمل العام- ظل يعمل بقانونه الخاص.. تماماً مثلما يقال في التعريف الفقهي للربا أنه ( كل قرض جر منفعة فهو ربا).. شاكر السراج يؤمن بأن (كل وظيفة عامة تجر منفعة.. فهي حرام)..

بالله أنظروا لقائمة (الحرام في الخدمة العامة) التي اعتمدها ويعمل بها شاكر السراج.. قائمة مثيرة للدهشة والحسرة معاً..

يرى شاكر السراج أن الموظف العام يجب أن يعيد إلى الخزينة العامة أي مبلغ مهما قل أو كثر.. يتوفر من مصروفات العمل العام.. فإذا سافر في مأمورية خارجية.. (وما أكثر أسفاره خاصة عندما شغل منصب وزير الصحة).. فهو يعيد أي دولار يتبقى من نثريته.. ولا يستخدم مال الدولة في أي مصروفات خاصة خلال السفر.. فقط في المهام والمصروفات الرسمية..لا يحصل على أي مزايا خاصة غير راتبه.. ويجتهد في تسيير حياته الخاصة على قدر ما يناله من أجر زهيد قياساً بخبرته وسمعته ومؤهلاته..

في قانون شاكر السراج.. لا يحق للموظف العام أن تستفيد من وظيفته أسرته أو أي فرد له به قرابة مهما صغرت الفائدة.. ولهذا فهو لا (يتوسط) لأي فرد له به علاقة.. في أي شأن مهما كان تافهاً.. فالقاعدة العامة عنده (كل وظيفة تجر لصاحبها منفعة .. فهي حرام)..

كانت أسرته الصغيرة والكبيرة تعلم ذلك عنه.. ولهذا لا يطلبون منه أي (خدمة) عامة مهما كانت صغيرة الشأن.. ولهذا في اليوم الذي ترك فيه منصب وزير الصحة.. أعاد فوراً السيارة التي خصصت له.. ورجع راضياً مرضياً إلى قاعات المحاضرات في كلية الطب.. يقود سيارة قديمة متهالكة..

بكل المقاييس، لو كان مفهوم الخدمة العامة الذي طبقه شاكر السراج على نفسه.. هو المفهوم الذي يعمل به دولاب الدولة.. لما كنا في حالنا الذي نتحسر منه اليوم.. ربما كنا دولة عظمى في مصاف ماليزيا- من باب التواضع- أو الأجدر في مصاف أمريكا ..

لكن المشكلة الأكبر التي يعاني منها السودان وتقعده تماماً.. أن الخدمة العامة صارت خدمة خاصة.. للأهل والأقربين ومن استطاع إليها سبيلاً.. والمال العام خاص.. والأقربون أولى بالمصروف..

رحل شاكر السراج في صمت.. في مستشفى الزيتونة.. بعد أن تكلف أحد تلاميذه الأوفياء البروفسير مأمون حميده- بكل تكاليف علاجه..مأمون حميده قال لي ( هذا الرجل لا يعرف فضله إلا من يعرف سيرته).. فقد عمل في أي منصب أسند إليه دون من أو أذى.. وزيراً .. عميداً لكلية.. مديراً لجامعة .. محاضراً في كلية الطب.. لم يستنكف أبداً أن يعود من كرسي الوزارة إلى قاعة المحاضرات..)

اللهم أوفه بقدر رحمتك.. (لا بقدر ما قدم كما يقول البعض).

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]


تعليق واحد

  1. رحم الله هذه القامة بقدر ماقدم ، وشكر الله لك عثمان وانت تذكر هذه السيرة العطرة فى زمان قلت فيه مثل هذه الامثلة فالذكري تنفع المؤمنين ولن يصلح حال ابلاد الا بمفهوم السراج رحمه الله كل وطيفة عامة جرت نفعا فهي حرام ما احوجنا الي تلك القاعدة فى زمن قاعدة الحلال ماوقع في يدك والحرام ماحرمت منه وليس الحلال ما احله الله والحرام ماحرمه الله نسأل الله السلامة والعافية