حالة مرضية غريبة :طفلان يعيشان داخل الماء كالأسماك
إلى الجرافة
حوالي الثلاثين كيلو متراً قطعتها باكراً صباح الجمعة الماضية من مقر الصحيفة بالخرطوم حتى منطقة الجرافة شمال أم درمان.. لم أجهد نفسي كثيراً للوصول إلى منزل الطفلين فالكل يعرف مرضهما الغريب.. استقبلني والد الطفلين (صالح محمد أمبدة فضل السيد) يعمل مراسلة بأحد مصانع المنتجات الغذائية، شاب في مقتبل العمر.. دلفنا لداخل المنزل المكون من ثلاث غرف ، يحمل الرقم «7681» يملكه شقيقه الاكبر «منصور»، وتقيم به «4» أسر، يقيم «صالح» مع زوجته «إحسان منصور» واطفاله الثلاثة، «محمد»، و «عيسى» و«آمنة».. تناهى إلى اسماعي صوت طفل صغير قادم من داخل المنزل، قال لي «صالح» أنه ابنه الصغير «عيسى» يصرخ ويتألم من إرتفاع درجة حرارة الجو، رغم ان الساعة وقتها لم تتجاوز التاسعة صباحاً، ثم دلف لداخل المنزل واحضر حوضاً بلاستيكياً متوسط الحجم، غمره بالماء ثم وضع داخله الطفل عاريا فهدأ على الفور وانقطع صراخه، هذا المشهد القاسي يتكرر طيلة النهار لأكثر من سبع مرات تزيد في حالة إنقطاع الكهرباء ونفس الحال ينطبق على الطفل «محمد»…
الطفلان بلا شعر في الرأس ولا رموش، وبلا أسنان، فقط لهما نابان رفيعان كالخناجر في الفك الأعلى، فاسنانهما لا تنمو، ولذلك لا يأكلان الطعام الجاف فلا أضراس لهما ويعتمدان في غذائهما على السوائل كالعصائر او الأطعمة السائلة كالزبادي والارز والكاستر والمديدة، ولاحظ والدهما انهما لا يشربان الماء بكميات كبيرة، ولذلك وزنهما دون الطبيعي إذ يبلغ وزن «محمد» «11» كيلو جراماً رغم ان عمره «6» سنوات، و «عيسى» «7.3» كيلو جرامات، وعمره «01» أشهر وذلك لضعف التغذية، ولذلك قرر طبيبهما المعالج إستخدام وجبات إضافية خاصة لهما عبارة عن مسحوق «سيريلاك» و «ميلوبا».
يعيشان كالأسماك
حاول والد الطفلين إلحاق «محمد» «6» سنوات بالروضة المجاورة للمنزل، الا انه يخرج منها كثيراً للمنزل لاحساسه المفرط وغير الطبيعي بدرجة الحرارة. إذ يأتي مهرولا للمنزل ويتجه مباشرة للماسورة ليصب الماء على كامل جسده، لتخفيف حدة الحرارة التي يعاني منها.. اما شقيقه (عيسى) فإذا أخرج من حوض الماء، فإنه يظل يصرخ ويبكي باستمرار من حرارة الجو، ولا يهدأ حتى تتم إعادته للحوض مرة أخرى.. الطفلان أشبه بالأسماك لا يعيشان سوى داخل الماء.. وإذا كانت القطوعات الكهربائية تصيبنا جميعاً بالزهج والإحباط النفسي والتوتر، الا انها للطفلين مسألة حياة أو موت!!.. فإنقطاع الكهرباء يعني انعدام التهوية وإرتفاع درجة الحرارة، وبالتالي إصابتهما بالجفاف القاتل، فعند إنقطاع التيار الكهربائي يتجهان فوراً للحوض المائي ويظلان داخله حتى عودة الكهرباء.
طبيعة المرض
ولكن ماذا أصاب الطفلين «محمد» و «عيسى»؟ ما طبيعة مرضهما النادر والغريب الذي جعل حياتهما أشبه بحياة الأسماك لا يعيشان الا في الماء؟
الطفلان خرجا لهذه الدنيا وهما لا يملكان غدداً عرقية تم اكتشاف ذلك عقب زراعة الجلد بمستشفى الخرطوم لم يعرقا منذ ولادتهما، وعدم إفراز جسديهما للعرق يصيبهما بحالات مستمرة من الحمى المرتفعة، بسبب إرتفاع نسبة كرويات الدم البيضاء، ولذلك فهما يستخدمان المضادات الحيوية باستمرار تحت إشراف الطبيب المتابع لحالتهما.. ومن الأعراض الجانبية لمرضهما الغريب أن شعرهما لم ينبت منذ ولادتهما، فهما أصلعان تماما.. وليس لديهما رموش.. بينما سلمت شقيقتهما «آمنة» ، «3» سنوات من هذا المرض، إلا ان شقيقتهما الكبرى توفيت متأثرة بالمرض وعمرها «3» أشهر. من المعلومات والتفاصيل لهذا المرض الغريب والنادر إتصلت «حضرة المسئول» بالطبيب المتابع لحالتهما، «د. محمد خليل علي موسى» ، إستشاري الاطفال حديثي الولادة بمستشفى جعفر بن عوف للاطفال – الخرطوم ، ومستشفى احمد قاسم للاطفال – بحري ، البروفيسور المشارك كلية الطب جامعة أفريقيا العالمية.. فقدم لنا تقريراً طبياً وافياً عن حالة الطفلين المرضية، قائلاً:
(المرض الذي يعاني منه الشقيقان «محمد» و «عيسى» ، مرض نادر، يطلق عليه علميا اسم «التود ورمال إيسيلسيا»، أعراضه الحالية تتمثل في : «حمى متكررة- تهيج وحدة في الطبع – عدم إحتمال الحرارة – عدم المقدرة على إفراز العرق والدموع- شعر متناثر – أسنان مخروطية – عيون بدون شعر – شحوب في الجسم.. عدم إفراز العرق – والقلق الدائم».. ويقول:
مشكلة الطفلين الرئيسية تكمن في عدم القدرة على إفراز العرق، وهذا يجعلهما عرضه للحمى عند التعرض للحرارة، أو أشعة الشمس المباشرة، وقد فقد الوالدان من قبل طفلة بسبب إرتفاع درجة حرارتها .. وللحفاظ على حياة الطفلين نوصي بالآتي:
? متابعة طبية منتظمة، لأن حالتهما قد تتعقد بالعدوى المتكررة ، وإرتفاع درجة حرارة جسميهما.
? لابد من تزويد غرفتهما بالكهرباء وجهاز تكييف – ومولد كهربائي.
? يجب إلحاق الطفلين بفصول بها عدد قليل من التلاميذ، وملحق بها تكييف.
الأب الحزين
هذه التفاصيل (المبكية) للطفلين الشقيقين، «محمد»، و «عيسى» سجينا حوض المياه، ولكم ان تتصوروا وضعهما في ظل القطوعات المائية والكهربائية المستمرة هذه الايام.. قال لي والدهما «صالح محمد أمبدة فضل السيد»، وهو عامل «مراسلة» بأحد مصانع المنتجات ا لغذائية، كل راتبه الشهري «250» جنيهاً فقط، لا تكفي لسداد فاتورة الكهرباء، الكهرباء التي اصبحت بمثابة الدواء، او جواز البقاء في الحياة للطفلين قال لي الوالد المفجوع بصوت حزين، بينما الدموع تنسال من عينيه المرهقتين:
«أسكن مع أبنائي وزوجتي داخل غرفة واحدة بمنزل شقيقي بمنطقة الجرافة بام درمان، ومهما تعاطفتم معي فلن تتخيلوا فجيعتي وحزني وأنا أشاهد فلذتي كبدي «محمد» و «عيسى» يعانيان من هذا المرض النادر والغريب، يعيشان داخل حوض ماء طيلة اليوم، ويتألمان إذا خرجا منه وتعرضا لأشعة الشمس دون أن أحرك ساكناً لمساعدتهما .. لا أطمع في الكثير، فقط جهاز تكييف ومولد كهربائي اكثر من «01» كيلو واط حتى لا تتعرض حياتهما للخطر في حالة إنقطاع التيار الكهربائي».. هنا لم يتمالك والد الطفلين نفسه فتوقف عن الكلام وصمت صمتاً مؤلماً..
– قلت له: لا تجزع ، فأهل الخير في هذا البلد كثيرون وسوف يتسابقون لنجدة الطفلين، والتكافل لتوفير مكيف الهواء والمولد الكهربائي، بقوة أكثر من «01» كيلو واط وهي مسألة حياة أو موت للطفلين في حالة انقطاع التيار الكهربائي، إذ يصبحا أشبه بحالة الاسماك خارج الماء.
–
هر .. هر
عندما شاهدت «محمد» ، أول ما لفت نظري فيه لونه النحاسي غير الطبيعي.. ورأسه الأصلع سوى من شعيرات صفراء متناثرة ، رغم انه في السادسة من عمره، بجانب فمه الذي يخلو من الأسنان والأضراس، فقط لديه نابان حادان أشبه بانياب الحيوانات المفترسة.. ونفس الحال ينطبق على شقيقه الاصغر «عيسى» سألت محمد وهو يجلس بجانبي على أحد الاسرة:
? هل تعرف المرض الذي تعاني منه؟
– أجاب بلكنة لم أفهمها إلا بمساعدة والده، حيث ان حديثه غير مفهوم لعدم وجود الأسنان والأضراس.. قال بصوت ضعيف: لا..
? بماذا تحس؟
– هر.. هر – هكذا نطقها ويقصد (حر.. حر)..
? ماذا تقصد بـ : حر.. حر؟
– أحس وكأن ناراً تشتعل داخل جسدي.
? متى تحس بالحرارة في جسدك؟
– عندما أحاول اللعب تحت الشمس، أو حتى خارج الغرفة، خاصة عند إنقطاع الكهرباء، وتوقف المروحة.
? وماذا تفعل عند إنقطاع الكهرباء؟
– أغمس جسدي داخل الحوض الذي تراه أمامك.
? ألا تعرق؟
– لا، فجلدي بلا مسامات كما أخبرني بابا.
? هل تذهب إلى الروضة؟
– أذهب للروضة المجاورة للمنزل، لكنني أعود كثيراً للمنزل.
? ألا تحب الروضة؟
– أحب روضتي، لكنني أحس بالحرارة ولذلك اخرج منها للمنزل لأغمس جسدي في حوض الماء، ثم أعود مرة أخرى.
? كم مرة تفعل ذلك؟
– حوالي «4» مرات في زمن الروضة.
? والدك قال إنك لا تأكل؟
– وكيف آكل وأنا بلا أسنان أو أضراس.
? ألا تأكل اللحم والخبز؟
– قلت لك إنني بدون أضراس أو أسنان ، فكيف أمضغ الطعام، أما الخبز فلا أتناوله إلا مغموسا في اللبن الذي لا أحبه.
? هل تعلم ان شقيقك الصغير «عيسى» يعاني من نفس مرضك؟
– أعلم ذلك، فكثيراً ما أراه يبكي من الهر – الحر ، ولا يهدأ الا عندما يضعه بابا او ماما داخل حوض الماء.
? في ماذا ترغب؟
– ارغب في جهاز تكييف ومولد كهربائي، لأن الكهرباء عندما تقطع أحس بسخانة شديدة داخل جسدي ورأسي.. كما أرغب في الإلتحاق بمدرسة بها تكييف لعدم تحملي الجلوس داخل الفصل لساعات إلا في جو بارد.
فجأة تحرك من جانبي وإتجه ناحية الماسورة وأخذ يصب الماء على رأسه وكامل جسده وهو لا يزال مرتدياً ملابسه .. لقد أحس المسكين بارتفاع درجة الحرارة في جسده بعد ان أرهقته بالاسئلة، فتركته لحاله.
المحرر
الطفلان «محمد» و «عيسى» يحاصرهما الخطر لمرضهما الغريب، وهما يستخدمان باستمرار مضادات حيوية غالية الثمن، عبارة عن شرابات:
(زوماكس + زوسين + أموكلان+ كلافوكس + سافرون +فيتامين حديد + ريمادول +مخفض حرارة + لبوسات أو لترامول) .. هذه الأدوية غالية الثمن أرهقت والد الطفلين الذي يبلغ مرتبه «052» جنيهاً من عمله كساع، فاقل دواء سعره «51» جنيهاً، وبقية الأدوية في حدود «22» جنيهاً للفتيل الواحد.. بجانب مسحوق سيريلاك وميلوبا حيث اوصى الطبيب باستخدامهما باستمرار كتغذية إضافية للطفلين ، وسعر العلبة في حدود «81» جنيهاً، فهي تكفي الطفلين لمدة ثلاثة ايام فقط، اي انهما يحتاجان إلى «8» علب شهرياً بمبلغ «441» جنيهاً، بجانب استخدام المروحة طيلة اليوم لهما ففاتورة الكهرباء تكلف الوالد حوالي «002» جنيه شهرياً. كما ان الطفلين في حالة الطواريء لا يتعالجان الا في مركز خاص «مركز الخليل الطبي للاطفال»، بحي الروضة، ومقابلة الطبيب «05» جنيهاً وإذا تم حجز الطفل فالسرير يكلف الاب «052» جنيهاً لمدة «42» ساعة خلاف الأدوية.. وكما ذكر لي الأب فإنهم يعانون عند نقل الطفل إلى المركز ولذلك يستعينون بعربة جارهم المكيفة لنقله، او تغطيته ببشكير رطب حتى وصوله المركز.
وحسب ما ذكره الاطباء بالسودان فإنه لا علاج لحالة الطفلين، الا البقاء في منطقة باردة باستمرار، ونناشد من هنا اطباءنا خارج السودان بحث امكانية علاجهما بالخارج وتقديم العون لهما. كما نناشد أصحاب المدارس الخاصة إلحاقهما بإحدى المدارس، لحاجتهما البقاء داخل فصل مكيف وبالطبع ذلك لا يتوافر بالمدارس الحكومية.
التاج عثمان :الراي العام
(فأهل الخير في هذا البلد كثيرون وسوف يتسابقون لنجدة الطفلين)
اهل الخير ياخوانا مقصود بيهم افراد يحبون الخرة وليس المقصود بهم الحكومة
ربنا يلزمكم الصبر ويسكنكم فسيح جناته بى كهربتنا ومويتنا المافى