تحقيقات وتقارير

الديمقراطية داخل الأحزاب .. أزمة ممارسة

باب الإنتخابات (المتاكى) حمل كثيراً من الأحزاب السياسية على محاولة إجراء ترميمات داخلية بعقد مؤتمراتها إبتداءً، ووضع دستور يحكم العلائق بين العضوية، ومن ثم إجازة البرامج والاطروحات التي تمكنها من نيل ثقة الناخب إنتهاءً بإختيار القيادات لأجل هدف وحيد أن يصبح الحزب في قمة الجاهزية لولوج باب الإنتخابات والإرتضاء بتقبل نتائجها عبر إعمال النهج الديمقراطي الذي يؤمن بإدارة الإختلاف مع الآخرين، وحال أفتقد حزب الديمقراطية داخله فإن ذلك يتبعه بالضرورة عدم قدرته على تحملها أن جاءته محمولة من الخارج وفقاً للقاعدة الشهيرة (فاقد الشىء لا يعطيه).
ولقياس مدى تلكم الجاهزية نظم مركز دراسات الشرق الأوسط وافريقيا ندوة عن الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية أمها قادة حزبيون وأكاديميون وحضور زاهٍ من قبيلة الإعلام إضافة الى حضور عام مقدر ونوعي.
وأبتدر مولانا محمد أحمد سالم مسجل الأحزاب السياسية الأسبق حديثه بإرسال دعوة للأحزاب السياسية لإلتزام جانب الديمقراطية في كل الحركات والسكنات ووضع أسس تقييمية يمكن عبرها قياس مدى ديمقراطية الحزب استناداً إلى عدة مبادىء يأتي في مقدمتها حرية التعبير، حيث لا يمكن الوصول للحقيقة من دون حوار أو جدال، ثم التنافسية على المواقع القيادية داخل الحزب ومن حق أي فرد مؤهل ويمتلك سنداً داخل المنظومة الوصول للكراسي كافة بلا حجر أو إحتكار، ثم مشورة العضوية في القرارات الكبرى والمفصلية، إضافة لكيفية إدارة الخلاف مع الآخرين.
وحث سالم الأحزاب لدفع فاتورة الديمقراطية وقال: للديمقراطية ثمن فادح يجب أن يدفع وطالبها بعقد مؤتمراتها بصورة منتظمة بعيداً عن الصورية مع ضرورة عدم إرتهان القرار السياسي لمجموعات داخلية أو خارجية تعمل على تمويل الحزب، وفتح باب العضوية للجميع بالنأي عن الإنغلاق والقبلية، بالإضافة الي إعمال الشفافية والوضوح في كل أقوال وأفعال الحزب.
وأشار مسجل الأحزاب السياسية الأسبق الى أن الخروج من نفق الأزمة التي تعانيها الأحزاب يتم عبر محورين: قانوني من خلال آلية رقابية تعمل على إلزام الحزب بإنتهاج الديمقراطية، كما وتقوم بالعمل على رد المظالم، ومحور تربوي بنشر وترسيخ ثقافة الديمقراطية وجعلها واقعاً حياتياً معاشاً.
ومن جانبه أقر د. علي السيد القيادي بالحزب الإتحادي الديمقراطي وعضو المكتب السياسي بغياب الديمقراطية داخل الأحزاب، وهاجم الأحزاب السياسية كافة بسبب ما أسماه غياب الديمقراطية داخل مؤسساتها واجهزتها وقال: الأحزاب السودانية لا تطيق الديمقراطية، وتطبيقها داخلها بالمعنى المفاهيمي منعدم. وأضاف: أحزابنا ناشئة حول الزعيم الروحي وتتحرك بامره سواء كان ذلك بالأحزاب الجماهيرية الإتحادي والأمة أو العقائدية الشيوعي والوطني. وأضاف: الولاء دوماً يكون للزعيم صاحب المال وإذا لم يرض عنك الزعيم فإنك لن تتحرك شبراً وتابع: الديمقراطية في الأحزاب السودانية لا تعدو كونها (آذان بمالطة) وأننا بحاجة لمئات السنين كي تتحول أحزابنا لأحزاب حقيقية.
وأشار السيد الى ان الجيش كلما شعر بأنه خارج الساحة السياسية إنتهج خط الإنقلاب العسكري على السلطة سواء كان ذلك بدفع من الأحزاب أو بتقديرات من تكوينات وقيادات بداخله.
من جانبه نادى أبوبكر عبد الرازق القيادي بالمؤتمر الشعبي عضو مجلس شوراه بضرورة فك الشراكة بين أجهزة الدولة وحزب المؤتمر الوطني كشرط رئيس لقيام الإنتخابات الحرة والنزيهة، وطالب بتكوين حكومة قومية تعمل على تهيئة البلاد لمرحلة الإنتخابات.
واعلن عبد الرازق انه ضد قانوني الأحزاب والصحافة والمطبوعات لتعارضهما مع مبدأ الديمقراطية. وقال الشعب هو من يختار من يدير له شئونه، كما دعا الى القبول بالواقع الإجتماعي من خلال التعامل مع القبيلة. وقال: لا نستطيع رفض القبيلة ولكن يجب ان نوظفها لأداء قوي يصب في مصلحة البلاد.
وفي سياق ذي صلة حث عبد القادر على تبني المذهب الحنفي في ما يختص بالقضايا المدنية دوناً عن غيره من المذاهب الأربعة كونه يعطي المرأة حرية إختيار الزوج وخِطِبته ما يشكل نواة لبناء نظام ديمقراطي قوامه الأسرة.
وفي منحى متصل دعا د. إبراهيم الأمين القيادي بحزب الأمة القومي الى أهمية دراسة العوائق التي حالت دون وصول الديمقراطية لغايتها المرجوة. وقال ان أحزابنا السياسية تعاني من تحديات كبيرة متمثلة في الإهتمام ببناء الدولة عوضاً عن الأمة، لجوء المثقفين للزعامات وذوبانهم داخل الكيانات الدينية ونعت ذلك بـ (عقدة الأزهري)، الولاء للأشخاص لا الفكرة، إضافة لإرتهان القرار السياسي بيد أصحاب رؤوس الأموال.
وطالب الأمين بضرورة الوقوف مع الذات ومراجعة التجربة الديمقراطية ووضع ميثاق يقطع الطريق امام أية محاولة للإنقلابات العسكرية إضافة لتبني اللا مركزية داخل الأحزاب لإدارة التباين الإقليمي.
ووضع د. معتصم أحمد الحاج رئيس وحدة الدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية السطور الأخيرة للندوة بالإنتحاب على ما أسماه فرصاً تاريخية كان من شأنها النهوض بالبلاد وأحزابها من وهدة الديكتاتوريات الى رحاب الديمقراطية الراشدة لخصها في عدم إندغام الأحزاب العقائدية بأفكارها الحديثة داخل الأحزاب الكبيرة، الأمر الذي كان من شأنه ضخ دماء جديدة في شرايين تلك الأحزاب وخفض حدة سيطرة قادتها، وإنسلاخ طائفة الختمية عن الحزب الوطني الإتحادي التي قال إن الوطني لو أستغلها لصار حزب الوسط بلا منازع ولأنعتق من ربقة الطائفية غير أنه عاد وأضاف بأن إنتهازية القادة جعلتهم يرتمون مرة أخرى بأحضان الطائفة، والفرصة الأخيرة وجدتها المؤسسة العسكرية عقب مفاصلة رمضان وفيما لم يتجه الجيش نحو الحكم القوي أختار أن يكون جزءاً من الصراع.
وحذر د. معتصم من الإنتخابات القادمة بإعتبارها ستكرس لإنتاج وضع سىء أسست له إتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) وقال: نيفاشا لم تضع مؤسسات قومية بل جيشين وترتيبات أمنية ذات طابع إنفصالي -إشارة لإنسحاب الجيش القومي من الجنوب- وأضاف: لماذا نستعجل (الخرمجة).
وأنتقد رئيس وحدة الدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية قرار مسجل شئون الأحزاب السياسية بإستثناء الأحزاب التاريخية في عملية التسجيل وقال: قانون الأحزاب الذي توقعناه محاولة جادة للإصلاح السياسي تمت هزيمته باللائحة التي نصت على تسجيل الأحزاب التاريخية كون ذلك مثل مدخلاً (للفبركة) والتزوير.
وعلى الرغم من سياسة جلد الذات التي أختطتها الندوة وإظهارها للمشهد الحزبي بشديد القتامة غير أن كل ذلك النقد الذاتي وجعل الكي أولاً للعلاج لم يمنع من رؤية بصيص ضوء ولو في آخر النفق تستصحبه مخاوف متزايدة من أن تتعرض تلك المحاولات الإصلاحية للوأد في مهدها وحينها لن تجد الأحزاب عزاءً سوى أن تغني (ضي المصابيح البعيد .. أتعب عيونك وأنطفا).
مقداد خالد :الراي العام