[ALIGN=CENTER]اللوري – 1[/ALIGN]
البوري ذو الصوت المشروخ كان إيذاناً ببدء الرحلة الطويلة نحو المدينة الصغيرة كأقرب مركز لقرية الضو ود دفع السيد الذي وقف ينادي بأعلى صوته على ركاب اللوري المتهالك ماركة أُوستن القديمة ذوالحديد المتآكل وصناديق الخشب التي إكتست باللون الأسود من كثرة إلتصاق الأيدي بها وإمتلأت بالثقوب وهي تجاهد لتثبت على رأس اللوري العجوز لكنه كان وسيلة النقل الوحيدة في القرية قبل ان تنفرج الأحوال وتدخل الباصات الكبيرة شديدة الشبه به، دخول اول لوري للقرية كان مناسبة إحتفالية كبيرة وموسم للأفراح والزغاريد وأصبح من بعد ذلك يؤرخ به للمواليد وللموتى( دحين ماك طارية ولادة على ودالخليفة)( أجي عاد كيفن ما طارياها إتِ ما بتطري داكِ الليلة شن سوينا دا ما يومو الجابو اللوري للحلة عاد ديك ايام ما بنسوها الناس تب الحلة إنقلبت فوقاني تحتاني)………( يا أهلنا هوي أبقوا لي جاي نحن قايمين قبُل الشمس تشرق) تسارع الركاب نحو اللوري كلُ يحمل بضاعته ليبيعها في سوق المدينة( البصل، الفحم، الذرة، الويكة) ( يا جنى هوي تُر لا غادي النصنقر حِداك) (فزارية أرفعي لي نعلاتي ديل من الواطة) وأهل القرية يتجمعون في المحطة الرئيسية لمشاهدة المغادرين نحو المدينة ووداعهم( الرسول عليك آلعازة كان تنسي الحاجات الوصيتك عليهن من البندر)، وأصوات المودعين والمسافرين تختلط بصياح الأطفال وأصوات الأبقار والأغنام والضأن الذاهبة للمرعى في رحلتها اليومية، يتمايل الركاب مع حركة اللوري في الطرق المتعرجة، العازة بت حمدين تحاول جاهدة مقاومة النعاس كلما ارتد رأسها للوراء مصطدماً بحديد اللوري، والعازة إمراة طويلة القامة قمحية اللون ذات شلوخ رفيعة ووشم أخضر اللون يعلو فمها ويزيدها جمالاً (فزارية هوي ختيتي لي توب عوض الله ودعباس الجابو لي عمنوَل ساعتو المشى الحج) ترد فزارية بضجر (ختيتو يُمة) ( أها وتوبك الجبتيهو لي من البندر) أجابت فزارية التي أعياها التعب وهي تُنهي تجهيزات زيارة والدتها العازة لأخيها في البندر وتضع لها ملابسها داخل حقيبة أُعيد ترميمها عشرات المرات بغسلها ورتق فتوقها المتفرقة،( ختيتو يُمة ما نسيتو) وفزارية هي صغرى بنات العازة والوحيدة التي نالت حظاً من التعليم الى المرحلة الثانوية قبل ان يتم إخراجها من المدرسة نزولاً عند رغبة ابيها لكنها أخذت قليلاً من طبع أهل البندر وبعض مفرداتهم تحب القراءة وتكره الحكي في الفاضية ومليانة خلاف أهل الريف، لكن رغم ذلك لم يأتيها النصيب مثل أخواتها اللائي لم ينلن حظاً من التعليم لكنهن تزوجن سريعاً على عادة اهل الريف، فمكثت في المنزل ترتب وتنظف وتُعد الطعام وتهتم بوالديها، لم تنسى العازة ان تأخذ معها لوازم السفر لإبنها المقيم في البندر بعد زواجه وإستقراره هناك( الويكة، دقيق الذرة، اللوبيا، وزوادة السفر) ( يُمة ما تطولي في البندر وسلمي على حمد واولادو) ( آي ماني مطولة شن بسوي معاهم ياهو السلام وبصُد بدربي المشيتبو)، هذه المرة كانت ضربة اللوري قوية ايقظت العازة من غفوتها وجعلتها تصرخ( ياراجل مسابقلك شيطان ما تسوق على مهلتك) وتلتفت لحمدالنيل ود علوية متسائلة ( وصلنا وين آجنى علوية) ونسب حمدالنيل لأمه منذ أن جمع أهل القرية في موقف اللوري واستحلفهم بالله ألا ينادونه بحمدالنيل ود موسى بل بود علوية (يا ناس الحلة هوي أشهدوا على ابوي جاني داير امش معاهو واعرفو قايلني بنسى امي التعبت فوقي الا انا ما ناكر جميل ومن الليلة دي طلبتكم بالله مافي زولاً يقولي حمدالنيل ودموسى انا حمدالنيل ود علوية) فمنذ ان فارق والده أمه وهو في بطنها نذرت نفسها للطفل القادم وعاهدتها الا تتزوج والا تعود لزوجها الذي لم يرمي عليها يمين الطلاق بل خرج ولم يعد الا بعد ان كبر حمدالنيل وتحمل مسوؤلية امه لكنه رفض ان يتقبل ابوه بعد هذه السنوات فشعر بغصة في حلقه ولم يتكلم بل حمل عصاه وارتحل ومنذ ذلك الحين لم يره احد ولم يسأل عنه أحد وتهامس أهل القرية في ذلك الموقف(نان داير ولدو يِقلدو بعد السواهو فوق امو دحين الراجل الغبيان دا ما بخجل) لكن البعض يبحث عن الأعذار( لكن دا ما ياهو ابوهو والضفر ما بمرق من اللحم) ( لحمو مقطع عليهو خلى البنية وطفش وفي كل بلد سوالو ولد شن بسوي بحمدالنيل)،،،( هو قايل بلقاهو جاهز يسوقو ويقوم بيهو أها قول ليهو خُم وصُر التسوي تلقى)،،،( لكن ماجاااها وقااالها انا غلتان ومحقوق الا مافي زولاً صدقو وسامحو وعلوية من شافتو دخلت في عوضتا وقفلتا عليها)،،،( هسي آخالتي العازة وصلنا حلة بانقا) (أجي اللوري دا بمش بقفاهو) ضحك ركاب اللوري من تناقض حديث العازة لأنها كانت تصرخ في السائق تحذره من السرعة الشديدة… التفت زروق ود بشارة الى حمدالنيل وسأله مستفسراً( حمدالنيل بِصح ماش تكوسلك شغل في البندر) ( آي بلحيل داير اشتغل في البندر)( شغل شنو بعيد من امك اقعد ازرع مع جِنيات خالتك حواشاتم كتيرة مالك مفارقم) يرد حمدالنيل( قلت اجرب حظي في البندر فترت من الزراعة والحراتة) (أكان كدي الله يسهل عليك آولدي لكن ما تطول من امك)،،( لا لا ما بطول ان شاء الله).. زروق ود بشارة رجل طويل القامة قوي البنية وممتلئ الجسم كريم ومهاب من الجميع كلمته مسموعة في الحلة يقدم خدماته للجميع قدر ما يستطيع( أسمعي آلسرة امرقي لي عبايتي وملفحتي وصوبنيهن لي بدور امشيبهن باكر للبندر) تسأله السرة مستفسرة( ماش تسوي شنو آلحاج في البندر) ( بدور اقابل لي مسعول في الحيكومة) ( دحين بخلوك تقابلك مسعول آلحاج) يرد عليها الحاج إجابة الواثق من نفسه( كيفن ما بخلوني أنا وصيت ليهو وقالهم مرحب بيهو) ( وماش تقولو شنو آلحاج) ( بدور اكلمو في قصة الموية وحفر البير إتِ دحين ما تعبت من وردة البحر دي وشيل الموية فوق راسك)تضحك السرة وترد( بلحيل آلحاج حديثك بصح الا بجو يحفرو متين) (ها آولية قولي بسم الله كدي لامن أمشيلُم) ،،،، المسؤول الذي وعد حاج زروق هو أحد موظفي هيئة مياه الريف الذي ابدى استعداده للمساعدة قدر ما يستطيع، رغم كثرة الإجراءات التي تصاحب توصيل المياه للريف الا ان الفكرة كانت مشجعة ليقف الجميع معها حتى يتم حفر بئر في حلة الضو ود دفع السيد والضو هو أحد رجال القرية الموسرين فهو اول من اشترى اللوري في كل المنطقة واول رجل يبني بيته من الطوب الأحمر ويجعل حوشه من الطوب وليس الشوك او الطين، وكان اول رجل يبني زريبة منفصلة للقطيع بعيداً عن بيته، ورغم غناه الا انه لايخلد للراحة بل يعمل بجد واجتهاد ولازال يركب اللوري مع سائقه بعد ان تولى القيادة زمناً طويلاً وتركها لأحد أقاربه ليطمئن عليه ويشتري أغراض بيته.
أنين اللوري وحركته المتعرجة في الطريق الطيني جعلت كل الركاب يضعون ايديهم على صدورهم ويرددون الشهادة (اشهد الا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله) الطريق ملئ بالحفر وبقايا مياه الأمطار لم تجف بعد ، والسائق يبذل جهده ليواصل الرحلة الطويلة وعرقه يتصبب إذ ليس من المعتاد ان يتثاقل اللوري هكذا رغم قِدمه، لكن لابد مما ليس منه بد……… نواصل
حكاوي عن الشخوص والأمكنة
aminafadol@gmail.com
لاادري كيف اصف شعوري وانا اقرا هذه الكلمات
ومن شدة فرحي احس وكاني واحد من ركاب هذا اللوري الانيق
او واحد من اهل تلك القريه فلك كل تحايا الاحترام والتقدير;)
الاخت الفاضله سلم من الله عليكى
لوريك ظريف جدا والحكاية حلوه
واجمل حيه فى الريف السوداني
سوف اقرها عشرات المرات
تزكرني بحدى نساء القرية اسمها عجب القافل
بتالل المكارم أمينة الفضل تحياتي ،
دوما رائعة كروعة أهلنا الطيبين وصدقيني نفس الشخوص والأمكنة والاحداث في أغلب ربوع الوطن الحبيب ……………. ذكرتينا السودان وركوب واري
😉 😉 😉 😉 مقالك انيق بكل مايحمل من معنى كلام اهلنا الحنان فى الريف اتمنى ان اكون احدى ركاب اللورى واتبادل اطراف الحديث الحلو
لكى التحية استاذه امينة..:lool: :lool: :lool: :lool:
اها يا بت الفضل وين اللورى التاني ما وصل ولا شنو
شكرا ليك يابت الفضل علي الكلام الحنين. ولكن السؤال انت كنت راكبة جب مني
لك التحية:lool:
انا بادخل الموقع ده مخصوص وافتش لاتنين منى سلمان وامينة الفضل، لكن امينة الفضل بتطولى الغيبات كتير
لك التحية على المقال الجميل وبانتظار التكلمة
ذكرتني الاستاذة امينة برحلة جملية منذ عقود . كنا في زيارة الي احد قري الجزيرة للمشاركة في زواج احد الاقارب .
بدءات الرحلة – من ثلاث رحلات من قريتنا الي المناقل ومن المناقل الي قرية الولي الصالح الشيخ عبدالباقي المكاشف ، حيث كان اليوم جمعة ولا يوجد طريق الي جهتنا المقصودة الا عن طريق الشكينيبة .عند وصولنا لاول مرة شهدنا سوق عامرة هنا سوق المراشي وهناك المحاصيل وعلي الطاولات وفي الحصائر علي الارض الملابس والعطور وكثير من المعروضات ، وصعدنا حفير الشيخ ومن ثم زرنا ضريح الولي الصالح وخرجنا حيث حلقات الذكر والنوبات التي تهز الاحشاء كان من يضربونها يضربون علي بطنك .ولم تتوقف الا عندما رفع اذان الجمعة .وبعد الصلاة ذهبنا الي مواصلات القرية المقصودة ووجدنا اللوري وقد امتلاء بالركاب ولاتوجد فيه مكان لنملة وكن نحن ( 7 ) اشخاص فتيان وصبايا وعم في الخمسين من العمر . وعند وقوفنا عند ذلك اللوري ويختلف عن لوري الاتاذة انه جديد لنج ومركب كوز لحدة وجمال الصوت ، وعندما عرف الركاب اننا من اهل الجزير المروية وعندهم اهل الجزيرة المروية قبل الامتداد اشبه باهل البندر وهنا تزحزح الجميع وبهمة وفتحوا لنا وركبنا وكان الشباب يركبون خارج اللوري اي اجسامهم من الخارج ورجل واحدة فقط علي شبك اللوري الجانبي والنساء والشيوخ داخل اللوري .ونحن في هذا الحال وزالضيق حضر اكثر من ( 10 ) اشخاص وطلبوا الركوب لانو اللوري الاخر رفض المرور علي قريتهم ، وبالمنطق لايمكن ولاتوجد مساحة لابرة خياطة فخاطب احدهم السائق يابانقااطلع شوية واديها فرملة ضايرهم بيها وكنا نظن الرجل يسخر من الزحام ولن اخونا السائق تحرك بسرعة وعمل فرامل مفاجئة وسريعة وفعلا ضاير الجماعة وركب الجماعة والكل يضحك بدون احتجاج ولا ضجر ، قمة التعاون والترابط والبساطة.
لك التحيه والتقدير على المقال الجميل والسرد والمفردات الرائعه الحلوه بطعم ونسمات وروح اهلنا الطيبيين فى بوادينا التى هى موطن الاصاله والطيبه والحنيه والتراحم والتوادد و.. و… ولك ان تتخيلى قدر تأثير ذلك ( اعنى مقالك وبمفرداته تلك ) على المغتربين بصفة خاصه ومنهم من طالت غربته وانساه البعاد شى مما ذكرتى ، فكان لك الفضل يابنت الفضل ولتكملى عسى ان يكون فى ذلك دافع عوده لكثيريين ومنهم امثال حمدالنيل المرق للبندر بلا فايده وصعبت عليهم العوده ،، ودمتى
هذا المشهد الجميل الحنين لا يحس بطعمه الا من عايشه سوى كان ممن كان اللورى وسيلة سفرهم أومن زاروا القرى البعيدة لم تكن هنالك وسيلة غير اللورى وقد زرنا أهلنا فى القرى ووصلاً لأصحاب الوالد زركبنا اللورى بذات المشهد وبذات الحكى وهذه الصورة المتفردة …. لأول مرة أقرأ لك وكل السبب حبوبة أمنينة دائماً نغشى راكوبتها وترجعنا للذكريات البعيدة وتنسينا نواصل سلامنا على الجيران…
وعد ان نمر للسلام عليك بت الفضل لك التحية