الاستاذ (منير زعرور) منسق الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بالاتحاد الدولي للصحفيين: الصحفيون قادرون على تحمل مسؤولية الرقابة الذاتية
في الازمان المظلمة يحتاج الناس الى ضوء وتستطيع الصحافة المتميزة ان تزودهم به.. فالقصص الاخبارية التي يتم تقديمها بأسلوب يعبر عن الالتزام بقيم حرية الصحافة تساعد الناس في تحصيل فهم افضل للعالم المعقد الذي نعيش فيه..
هذا ما كان في بال اتحادات ونقابات الصحفيين التي قامت باطلاق مبادرة الصحافة الاخلاقية كحملة عالمية لمساعدة الصحفيين على إعادة الارتباط بمهمتهم.
هذه المبادرة التي اطلقت قبل نحو عام مازالت تبحث عن موطئ قدم خاصة في دول العالم الثالث لترسخ لعمل صحفي مسؤول ومميز.. الاستاذ منير زعرور – منسق الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالاتحاد الدولي للصحفيين – طرح هذه المبادرة خلال زيارته للسودان أخيراً ضمن وفد الاتحاد.. وبدأ أكثر اهتماماً بالأمر وأكثر حرصاً ان تتبنى مجموعة خبراء الاعلام والصحافة بالسودان المبادرة ومتابعتها.
دفعنا اهتمامه هذا ان تجرى معه هذا الحوار:
—-
ترسيخ الوعي
? مبادرة الصحافة الاخلاقية التي تقومون بالترويج لها ماذا تعنون بها؟ وهل في نظركم لا تتوافر هذه الاخلاقيات بالصحافة اصلاً؟
– المبادرة نعني بها ترسيخ الوعي بأن الصحافة ليست مسؤولية الصحافي فقط بل المجتمع بشكل عام له دور اساسي تجاه الاعلام، كما للدولة ايضاً وهي قائمة على شراكة لدفع الصحافة والاعلام بصفة عامة ان يقوم بدورهما بحرية.
= مقاطعة =
ولكن المبادرة في ظاهرها – كما يفهمها البعض – بأنها مقيدة للحريات تريد بها الاتحادات ان تحجم حرية الصحافيين.
– هذا مفهوم خطأ للمبادرة فهي ليست مقيدة للحريات بل من خلالها يستطيع ان يجد الصحفي كل حقوقه المهضومة ويعمل بحرية مطلقة في ظروف عمل ملاءمة تحفظ له كرامته.
? اذن حدثنا عن تفاصيلها وبنودها؟
– المبادرة هي نداء لتجديد الصحافة المستندة الى القيم ومبادي تتلخص في قول الحقيقة والدقة والتقصي والمصداقية وان تتحلى بالنزاهة والاستقلالية دون طمس للحقائق المهمة وان تتحاشى الانحياز المخل وألا يمارس من خلالها ضرر مقصود ومباشر للآخرين.
وفوق ذلك ان تضمن حقوق الصحفيين والاجواء الملاءمة التي يستطيعون من خلالها ممارسة هذه المباديء.
? إلى اي مدى يمكن ان يتحقق ذلك مع اختلاف ظرف كل عن الآخر؟
– اهم ما نسعى لتحقيقه هو قول الحقيقة رغم ادراكنا ان المنتوج الاعلامي لا يتحكم فيه الصحفي وحده لانه يمر عبر سلسلة مراحل بدءً بجمع المعلومة وصياغتها ونشرها، ولكن في نهاية المطاف المسؤولية الكبرى تقع على الصحفي عليه ان يتقصى الحقائق ويكتب بشجاعة على الرغم من الضغوط التي قد تمارس عليه من المالكين أو رؤساء التحرير، لكن هذا لا ينفي مسؤولية الصحفي نسعى بها إلى دفع الصحفي لتحمل مسؤولياته.
والآن المبادرة وضعت في إطار عالمي لذا كانت هناك حاجة لوجود هيئات تعمل على توطين الصياغات المحلية التي تناسب ظروف كل بلد، ومن هذا المنطلق كونا لجاناً استشارية بمعاونة اتحادات الصحفيين في كل دولة من الخبرات الصحفية والاعلامية والقانونية ومنظمات المجتمع المدني تعين الاتحاد بالنصح والمشورة.
الرقابة الذاتية
? هل تعتقدون ان المبادرة ستنفذ كما خطط لها؟
– كنا في البدء متخوفين من تنفيذ المحور الأول الذي يطالب بتوفير قدر من الحرية وابراز الحقائق.. ولكن التشريعات الوطنية يمكن ان تتضمن حرية توفير المعلومات وتراقب اداء السلطة وإلتزامات الدولة تجاه توفير المعلومات وهذا مهم في ممارسة الصحافة بحرية.
ونحاول في محور آخر تشجيع المراقبة الذاتية للمهنة وان يتولى مراقبة الاداء الصحفي الصحفيون انفسهم في الاتحادات والناشرون والمحررون ونحن واثقون بأن الصحفيين قادرون على تحمل هذه المسؤولية.
? وما دور الاتحاد الدولي لمساعدة الصحفيين للعب هذه الادوار؟
– من ضمن مباديء المبادرة ان الاتحاد الدولي يقوم بدور الارشاد والتوجيه على الرغم من قناعتنا بأن الاعلام من القضايا المعقدة التي لا يجدي معها النصح والارشاد، ولكن بمساعدة مباديء اخرى نضمن النزاهة والاستقامة والاستقلالية، فالصحفيون في حاجة لارشادات تفصيلية تعينهم على تجاوز ما يمكن ان يوقعهم في خطأ غير مقصود.
? اذن قد يكون للاتحاد الدولي دور لحماية الصحفيين وحفظ حقوقهم في اطار هذه المبادرة؟
– لهذا السبب انشيء هذا الاتحاد وتأسيساً على ذلك يجب ان تقوم كل الاتحادات الصحفية بحماية مصالح الاعضاء وحفظ حقوقهم.. لأجل ذلك يرفع الاتحاد الدولي شعار (لن تكون هناك حرية اذا ما واجهت الصحفيين مؤثرات الفساد والفقر والخوف) ونربط الصحافة بالظروف المهنية والمعيشية وسلامة الصحفي التي نعتبرها جزءً مهماً من حقوقه، وقد نشطت في العالم حملة ضد الافلات من العقوبة للمتورطين بقتل الصحفيين.. من اجل ذلك نعمل على تدريب الصحفيين على حماية انفسهم خاصة في مناطق الحروب.
خروقات الصحفيين
? وهل لديكم آلية لمراقبة الخروقات التي قد تحدث من قبل الصحفيين اثناء ممارسة المهنة؟
– نعلم انه تحدث خروقات هنا وهناك في بعض الدول، وفي اعتقادي ان العقوبات القانونية قد لا يكون اثرها فعالاً.. فالعقوبة المعنوية اشد وقعاً من القانونية كأن تجرم المجالس الصحفية الصحفي وتقول له اخطأت في كذا أمام جمع من الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني.. وهناك نمط آخر بأن يكلف الاعلاميون خبراء لانتاج تقرير سنوي عن اداء الصحفيون – ليس للمراقبة – ولكن بشكل مادة دراسية واشارات للاخطاء التي يقع فيها الصحفيون للمؤسسات الصحفية سواء في طريقة جمع المعلومات أو ما يخص اخلاقيات المهنة فهو مفيد للفت نظر المؤسسات الصحفية والصحفيين فالكل عند صدور هذا التقرير، والذي يعلن على الملأ، يأمل ان لا يكون ضمن المرصودين.. فمثل هذه الوسائل نشجعها ونتمنى ان تتبناها الاتحادات ومجالس الصحافة.
? تقييمكم للدول الاعضاء والأكثر إلتزاماً باخلاقيات المهنة؟
– من الصعب جداً ان نصدر حكماً في هذا الجانب ونحن نتحاشى ان نضع الدول في ترتيب وتقييم لان المسألة معقدة.. ففي المنطقة التي تهمنا (منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا) يكون الفارق بينهم نوعياً وليس كمياً، فالبعض يلتزم باخلاقيات المهنة والحريات، والبعض يسوق التبريرات وكلما تعقد الوضع السياسي بالدولة كلما وجدت الصحافة صعوبة في الإلتزام بالحريات والاخلاقيات واحياناً الضغط السياسي والاجتماعي يؤثران على الممارسة الصحفية.
الصحافة النوعية
? تضمنت المبادرة الاهتمام بالصحافة النوعية ماذا تقصدون بذلك؟
– الصحافة النوعية نقصد بها تلك التي تقدم معلومات خفيفة تتلمس هموم الناس في اطار اخلاقيات المهنة، ويقتضي ذلك ان يمارسها صحفيون نوعيون تتوفر لهم الحماية الجسدية ليقدموا أخباراً دون خوف وان توفر لهم المؤسسة الصحفية الدعم المادي والمعنوي حتى لا يقعوا في براثن الابتزاز فهذا النوع من الصحافة التي توفر المعلومات بنزاهة وشجاعة تساعد على اتخاذ القرارات الصائبة فان حادت عن مسؤوليتها سيكون هناك خلل في المجتمع.
? وكيف يمكن ان يتحقق ذلك؟
– نحن في حوار مستمر مع الاتحاد الاوروبي بأهمية ان تتحمل الدولة دعم الصحافة ومنطقنا في ذلك ان الاعلام مكون اساسي للديمقراطية والخلل فيه يعني خللاً في النظام الديمقراطي.. وتركيز الاعلام في ايدي قوى اقتصادية في الغرب حد من مقدرة الاعلام عن كشف خفايا الأزمة المالية وفساد البنوك وأسواق المال، مما أثر على المجتمع فأزمة الاعلام تكمن في عدم استقلاليته ورفع الدول يدها عن دعم الاعلام.
أوضاع الصحفيات
? عند الحديث عن الصحافة النوعية يتبادر للذهن صحافة النوع الاجتماعي، هل المبادرة تجاهلت ذلك؟
– الاتحاد الدولي قبل صدور المبادرة مهتم بمساواة النوع الاجتماعي في الصحافة سواء داخل منظمات الاتحاد وفي المؤسسات الصحفية أو نشر معلومات تتعلق بالمرأة سواء نشر صورة المرأة في وسائل الاعلام بطريقة غير لائقة ونشر اشياء سلبية عن المرأة، فهناك حاجة للصحافيين لمراجعات نقدية لكتاباتهم والصفات التي يطلقونها على المرأة.. ويجب ان تتم مراجعات لاوضاع الصحافيات بالمؤسسات الصحفية وتمثيلهن في المواقع القيادية والاتحادات والمجالس الصحفية، وما لم يتم التعاطي لاصلاح هذا الخلل يكون الحديث عن مساواة النوع نصوصاً على ورق.
تعثر المبادرة
? المبادرة التي بدأ الحديث عنها منذ أكثر من عامين تبدو متعثرة.. آليات الاستمرار في تنفيذها؟
– في العام 2007م تم تبني الصحافة الاخلاقية في الكونجرس لاتحاد الصحفيين في موسكو وكان جزءً من برنامج العمل وفي بدايات العام 2008م خرجت الفكرة للواقع في مؤتمر للصحفيين وخبراء ومنظمات للصحفيين ومن ثم طرحت المبادرة وتبناها الاتحاد الدولي للصحفيين من خلال طرحها وشرحها للاتحادات بالدول وستتبناها مجموعات من الخبراء الصحفيين بتلك الدول، وفي العام 2010م ستقدم تقريراً متكاملاً عن نشاطنا ومن ثم ستقدم تلك المجموعات برنامج عمل للسنوات منذ العام 2010م إلى العام 2013م لمناقشتها وكيفية متابعتها.
? وكيف كانت الاستجابة من الدول الاعضاء؟
– سعيدون ان نجد قبولاً واسعاً للمبادرة في كثير من الدول وشرعية تبنيها من الاتحادات ومن بينها اتحاد الصحفيين السودانيين الذي رحب بالمبادرة وطرحها على الاعضاء وكون مجلساً استشارياً من خبراء الاعلام والصحافة لتبنيها ومتابعتها.. وان كانت واجهتنا بعض الصعوبات في فهم المبادرة من البعض واعتبروها ذريعة للتدخل السياسي وقمع حريات الصحفيين ونأمل أن تزال هذه المفاهيم.
تدريب الصحفيين
? اخيراً.. سؤال بدهي لا بد وأن لاتحاد الدولي دوراً مهماً في تدريب الصحفيين وتنمية قدراتهم ما امكانية ذلك؟
– التدريب بالمعنى المهني ليست مسؤولية الاتحاد الدولي.. هي مسؤولية الدولة ليكون اعلاماً مسؤولاً ينقل الحقائق ولا يشوهها ومسؤولية المؤسسات الصحفية ليرتقي بها، ولكن لانه يوجد خلل من الطرفين تحاول ان نسد الفراغ ونعمل على تطوير نماذج ودورات تدريبية محددة في تغطية الحروب والنزاعات والفساد وأخبار النساء والتقارير السياسية لاننا نشعر ان هذه المجالات تعرضهم لمخاطر لعدم المعرفة الكافية وامتلاك الخبرة.