أحمد إبراهيم الطاهر: انتظر طلب رفع الحصانة عن عرمان بفارغ الصبر
الهدوء الذي يغلب على شخص الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان يغلب كذلك على أدائه السياسي، فالرجل ومع انه من القيادات الكبيرة في حزب المؤتمر الوطني وعضو في مكتبه القيادي ويرأس لجنة المحاسبة والإنضباط فيه ولكنه توافر على كل هذه المواقع في وقار وهدوء.
ولكن رئاسة البرلمان بعد اتفاقية نيفاشا وضعت الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر في مرمى النقد من جانب مجموعة من الأعضاء في المجلس، وزاد من حرارة الأضواء التي تركزت عليه إن البرلمان الذي يقعد منه مقعد الرئاسة كان هو الحلبة التي أبرز فيها الخصمان الشريكان(المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) مقدراتهما في الجدل والإقناع بشأن مجموعة من القوانين التي خرجت من رحم اتفاقية نيفاشا وأشهرها على الإطلاق قانون الإستفتاء.
حول هذه المحاور كان ترحيب (الرأي العام) بمقدم الاستاذ أحمد إبراهيم الطاهر في عقر دارها.
—————————————————————————————–
? دعنا نبدأ بقانون الإستفتاء، هناك بعض التقديرات (غير الرسمية) تشير إلى أن عدد الجنوبيين في الشمال يبلغ حوالي ثلاثة ملايين.ما هو مصير هؤلاء من وجهة نظركم؟.
– الإتفاقية تنص على أن يكون الاستفتاء لمواطني الجنوب، وسواء تم الاتفاق على تعريف من هو الجنوبي او لم يتم، الا ان المفهوم العام هو ان العناصر التي شكلت مفهوم الجنوب هي التي يحق لها أن تمارس حق الإستفتاء، وهذه العناصر ليست موجودة كلها في الجنوب، فبعضها موجود في الشمال وبالتالي لا يوجد مبرر للفصل بين الجنوبيين في الشمال والجنوب.
? ما هو الحل؟
– لا بد أن يجري الإستفتاء هنا وهناك، الا اذا كان هناك من لا يريد أن يعترف بانتماء هؤلاء للجنوب اذا حدث الإنفصال. فالجنوبي حيثما كان في السودان له الحق في أن يشارك في الإستفتاء وتسهل له عملية التسجيل في اي مكان داخل هذا البلد.
? وهل سيكون هناك مركزاً واحداً للإستفتاء أم أكثر من مركز؟
– طبعاً من الطبيعي أن تكون المراكز في أماكن تجمعات الناس، فحيثما كان هناك عدد مقدر ينبغي أن تكون هناك مراكز للتسجيل.
? ولكن بحسب نتائج عملية الإحصاء الرسمية (التي سيتم العمل بناء عليها) فإن عدد الجنوبيين في الشمال قليل، الا ترى أنه من الأوفق أن يدلي هؤلاء بأصواتهم في الجنوب بدلاً من إنشاء مراكز لهم في الشمال؟
– لنفترض أن عددهم خمسمائة الف شخص مثلاً فهل تستطيع حكومة الجنوب ان ترحّل هؤلاء الخمسمائة الى الجنوب. او لنفترض ان العدد اقل من ذلك اي حوالي مائتين وخمسين الف هل يمكن ان ترحل كل هؤلاء للتسجيل والاقتراع وتعيدهم مرة أخرى؟، ام انه من الأفضل أن يتم إحضار صناديق الاقتراع حيثما وجدوا!.
? ماهي مخاوف الحركة بالضبط في هذا الموضوع؟
– أنا لا أستطيع أن احدد مخاوفها، ولكني احلل مثلما تفعل أنت، أنا أرى أن الحركة تظن ان الجنوبيين في الشمال يشكلون عبئاً سياسياً واجتماعياً عليها، لأنهم يتمتعون بقدر من الوعي والتعليم، وقدر من المهارة في التعامل مع الحياة، فإذا شاركوا في الاستفتاء فإن مشاركتهم ستكون مؤثرة.
?البعض يشير إلى أن حديثك عن تصعيب الإنفصال بالقانون من شأنه أن يهيج الدعاية السياسية للإنفصال في الجنوب وقد ظهرت بعض الملامح فعلاً؟
– قد تكون كلمة تصعيب ليست هي الكلمة المناسبة هنا، المقصود هو تصويب أو تجويد القانون حتى يعطي الحقوق كاملة لأهل الجنوب، أنا لا أريد أن يتم الإستفتاء ببعض أصوات الجنوبيين دون البعض الآخر، ولا أريد أن يحرم البعض من حقهم لأي سبب وتحت اي تبرير، كما اننا لا نريد للإنفصال إذا حصل أن يحدث بأصوات قليلة،كأن ينفصل الجنوب بأصوات مائتين وخمسين الف صوت مثلاً.
? حتى اذا كان هؤلاء يمثلون حوالي واحد وخمسين في المئة من نسبة المصوتين؟
– ولكن هؤلاء المصوتين أنفسهم كم تبلغ نسبتهم الى سكان الجنوب!.إذا كان عدد سكان الجنوب حوالي ثمانية ملايين جنوبي هل يمكن أن تجرى عملية الإستفتاء بأقل من مليون شخص!.
? ما المانع؟
– كيف يمكن لأقل من مليون أن يحددوا مستقبل السودان نيابة عن ثمانية ملايين شخص!.كل التجارب التي حصلت في الدنيا سواء في تيمور الشرقية، أوإقليم كويبك في كندا تمت بنسب وضوابط..نحن إذا أردنا أن نغير نظاماً أساسياً او نصاً دستورياً فاننا بحاجة الى ثلثي أعضاء المجلس الوطني حتى يتم التغيير، فما بالك بعملية من شأنها تحديد جغرافية بلد ومصالح اناس.لذلك لا بد من اعطاء هذا الموضوع أكبر قدر من الإجماع حتى نعرف أن ما سيتم هو رغبة مجموعة مستفيضة؟ لا رغبة أشخاص.
? هناك تهديد من بعض قيادات الحركة الشعبية بإعلان إستقلال الجنوب من داخل البرلمان هل يمكن تنفيذ هذا التهديد عملياً؟ وإذا حدث ماهي المترتبات؟.
– هذا من باب الهياج، فبرلمان الجنوب الآن غير مؤهل لمثل هذه المهمة: أولاً هو برلمان معين جاء برغبة القائمين على الاتفاقية ليعبر بالفترة الانتقالية، والنقطة الثانية هي أن الاتفاقية نفسها نصت على الكيفية التي يتم بها تقرير المصير، أما اذا حدث اي تصويت داخل برلمان الجنوب للإنفصال فهذا يعني خرقاً للاتفاقية وبالتالي لن تكون الاتفاقية ملزمة لاي شخص.
? في هذه الحالة هل من خيارات الحكومة إعادة الوضع الى ما كان عليه قبل اتفاقية نيفاشا؟.
– الحركة الشعبية لا تزال شريكاً بالنسبة لنا.
? السؤال هو في حالة إعلان الإنفصال من داخل البرلمان؟
– طبعاً نحن لا نبني على افتراضات، ولكن نبني على الواقع لأن لكل حالة لبوسها..فإذا حصل إستعجال أو تصرف فردى من الجنوب فى عملية الإنفصال فهذا يلغى كل الإتفاقية وتصبح البلد غير ملزمة بأى بند من بنودها.
?إذا صوت الجنوبيون للإنفصال هل تتوقع أن يكون الإنفصال سلساً؟
– نحن لانريد أن نتحدث عن الإنفصال، نريد أن نتحدث حسبما قالت الإتفاقية عن تهيئة البلد لوحدة
?القوى السياسية تتحدث عن أن جزءاً أساسياً من الأشياء التى يمكن أن تعيق الإنتخابات هى القوانين المقيدة للحريات وقانون الأمن على وجه التحديد؟
-أفتكر إن الحراك السياسى لا يدار بالقوانين وإنما يدار بالتفاعل السياسي وبقدرة الأحزاب على العمل..الآن يمكن أن تثار هذه القضايا اذا كان هناك كبت للحريات واعتقالات ومصادرة لحرية الرأي، ولكن الآن البلد في مرحلة إنفراج للحريات لا مثيل لها في تاريخ السودان.. الآن تمت إجازة حوالي تسعة عشر قانوناً كلها تصب في هذا الجانب، بما فيها القوانين الخاصة بالأحزاب والصحافة والمحكمة الدستورية..كما ان الإصلاح القانوني عملية مستمرة لا ندعي أننا وصلنا فيها الى السقف النهائي فهي تعتمد على الحراك النشط في الحياة.
? في إطار قانون الصحافة هناك من يتساءل هل أصبح القانون نافذاً، كما أن هناك من يقول إنهم لم يروا ثمار القانون؟
– القانون أجيز في البرلمان وأظن انه في طريقه لوزير العدل لنشره في الجريدة الرسمية، ومن ثم يوزع على الجهات التي تطبقه. أنا أظن انه لا مجال للحديث عن الزامية قانون الصحافة.
? الذين يتحدثون عن أهمية هذه القوانين، يشيرون الى أنها عامل مهم للتهيئة للإنتخابات؟
– في جانب بيئة الانتخابات فمن المعلوم انه من حق اي حزب أن يمارس نشاطه بحرية كاملة اذا كانت هناك قيود فهي تتعلق بشرط عدم الإخلال بالأمن..فاقامة الندوات السياسية نشاط مكفول للأحزاب، صحيح انه قد تحدث أحداث صغيرة كما وقع للحزب الاتحادي بولاية الجزيرة ولكنها تصرفات فردية..اما بصفة رسمية فإنه من حق اي حزب أن يبدأ نشاطه بمخاطبة الشعب ببرنامجه الإنتخابي.
? معنى ذلك أن البيئة الآن نظيفة تماماً للنشاط السياسي؟
– دون شك، دون شك.
? بصفتك مسئول المحاسبة في المؤتمر الوطني، هل جرت محاسبة للأعضاء الذين أعاقوا ندوة الحزب الاتحادي بالجزيرة أو هل وجهتم بمحاسبتهم؟
– إذا وردتنا شكوى فسوف ننظر فيها.
? الفترة الاخيرة في البرلمان شهدت توترات واستقطابات حادة، والبعض عزاها الى أن إدارتك للبرلمان كانت حادة بعض الشيء؟.
– توترات مثل ماذا!
? هناك بعض الأعضاء عبروا عن عدم رضائهم من إدارتك للجلسات وفضلوا الإنسحاب؟
– أنا لا أمنع اي عضو يريد أن ينسحب كما يشاء(ضحك)، ولكن اذا منعته فهذا هو الإستقطاب، انا لا اريد ان اقيد البرلمان بأن ارفع الجلسة اذا انسحب عضو او مجموعة اوحزب، المعيار عندي هو اكتمال النصاب..العملية الديمقراطية داخل المجلس هي عملية حرة، فانت لا تستطيع ان تمنع شخصاً ان يحتج، ولكن لا اريد ان استجيب الى اي ضغط عن طريق الإنسحاب بصورة تؤثر على عمل المجلس. لذلك لم استجب لأي عضو انسحب من الجلسة. ولا اعتقد ان هناك استقطابات قد حدثت بل العكس هو الذي حدث فالإنسحاب لم يعد سلاحاً فاعلاً في البرلمان.
? هناك اتهامات لك بأن ادارتك للمجلس الوطني أشبه بادارة الأستاذ للمدرسة؟
– لحسن الحظ ان جلسات المجلس مرصودة بدقة، لذلك ليس هناك فرصة لاي انسان أن يزايد في هذه النقطة، ونترك لمن يقرأ التاريخ مقارنة إدارة المجلس في هذه الفترة مقارنة بالفترات السابقة.
? هل صحيح انكم تلقيتم طلباً من وزارة العدل لرفع الحصانة عن ياسر عرمان؟
– حتى الآن لم يصلني أي طلب.
? البعض يقول إنك تنتظر هذا الطلب بفارغ الصبر؟
– أنا انتظر هذا الطلب بفارغ الصبر حتى أعالجه بكامل الصبر، أنا اعتبر ان المقعد الذي أجلس عليه أمانة في عنقي ومسئول عنه يوم القيامة، ولن استخدم منصبي أبداً في التشفي او تصفية الحسابات مع الخصوم، وانما استعمله لمصلحة أهل السودان.
? خلال تصريحات سابقة لك لم تستبعد التنسيق مع الحركة الشعبية، كما ان هناك تصريحات من لوكا بيونق يقول فيها إنه رغم كل شيء فإن المؤتمر الوطني حزب جريء سياسياً، هل يمكن أن يستمر هذا الغزل السياسي؟
– طبعا نحن لا يمكن أن نتجاوز الحركة الشعبية، الا إذا رفضت هي ذلك، فعملية التنسيق معها في الانتخابات إن لم تكن في السودان كله ففي الجنوب، هذه العملية ضرورية لمصلحة الإنتخابات نفسها ولمصلحة السودان ولمصلحتنا نحن.
?هناك خلاف شديد الآن حول قانون الإستفتاء وفي ذات الوقت فإن الدورة البرلمانية القادمة قصيرة نوعاً ما، هل تتوقع أن تمدد الدورة حتى يتسنى إجازة القانون؟.
– الذين يتشددون في مواقفهم نحن نرفع لهم سلاح التصويت، حتى يصلوا الى إتفاق قبل أن يأتي الى المجلس: أولاً ليس هناك اي فرصة لهذا القانون الا يدخل البرلمان في الدورة القادمة لأنها غالباً ستكون آخر دورة، فإذا جاء هذا القانون الى البرلمان فاما ان يكون ذلك بتوافق الآراء، واما بالتصويت، فليس هناك طريق ثالث.
? اذا لم يتم الاتفاق عليه خارج البرلمان؟
– إن لم تتفق الأطراف على القانون فالحكم هو الديمقراطية.
? يعني أنه يمكن أن تلجأوا الى الأغلبية الميكانيكية؟
– الأغلبيبة في البرلمان ديمقراطية وليست ميكانيكية، والشخص الذي لديه هذه الأغلبية هو شخص ديمقراطي وليس ميكانيكي، أنا أعتقد أن على الصحفيين حذف كلمة الميكانيكية هذه لأنها كلمة بغيضة لا تصلح وفيها رمز(بطال).
? لماذا؟
– الأغلبية هي عرف النظام الديمقراطي في العالم كله، ونحن في السودان توصلنا الى ما هو أحسن من الأغلبية واقصد بذلك نظام التوافق، فاذا وصلنا الى التوافق فهذا أحسن، وإذا لم نصل فسنلجأ للغة الديمقراطية التي يعرفها العالم كله وهي التصويت.
صحيفة الراي العام