بروفيسور مختار الأصم:رئيس لجنة ترسيم الدوائر في حوار لا يعرف المداراة (1)
مارثون الانتخابات بدأ، وها هي القوى السياسية بدأت تتهيأ لذلك، ومنها من أعد العدة من أحزاب الحكومة أو المعارضة، وما بين هذا وذاك تتداخل اتجاهات القوى الخارجية والداخلية توافقاً واختلافاً.. تحالفاً واستقطاباً.. إذن فالكرة تتدحرج نحو المواقيت الانتخابية، وحسناً أن جاء التوافق على الدوائر الجغرافية داعماً للرأي الراجح، الذي هو قيام الانتخابات في موعدها بعد أن كان قيامها مرفوضاً في نفسه من قبل بعض القوى السياسية.. لمن الغلبة في معركة الانتخابات القادمة.. الأحزاب الحكومية أم الأحزاب المعارضة.. في هذا السياق وحول نزاهة العملية الانتخابية ومطلوبات المرحلة المقبلة، أجرينا هذا الحوار الذي ننشره عبر حلقات مع البروفيسور مختار الأصم، رئيس لجنة ترسيم الدوائر بالمفوضية القومية للدستور والتي هي أهم خطوة تبدأ بها الانتخابات.. أحد كبار أساتذة الجامعات ومن خبراء الحكم المحلي والاتحادي، حيث عمل وزيراً للحكم الاتحادي في فترة حكم مايو ثم رقيباً لمجلس الشعب القومي في فترة من الفترات وقتذاك.. حيث بدأنا هذه الحلقة معه بالسؤال:
معلوم أن المعركة الانتخابية هي في بداياتها ولكن لا يزال الحديث يدور في المدينة حول المراقبين الدوليين.. فما هي حدود وشروط هذه الرقابة من وجهة نظر المفوضية؟
– مفوضية الانتخابات مهتمة جداً بأن تجعل هذه الانتخابات شفافة، وهذه الشفافية تعني أن الجميع – ناخبين ومرشحين ومراقبين دوليين – يجب أن يروا بالعين أن هذه الانتخابات هي محايدة ونزيهة، وأن يدور الذي يدور فيها أمام أعين الناس… فالمفوضية إذن مثلها مثل المحكمة لأن المحاكم مهمتها ليست فقط أن تكون أمينة ومحايدة وفيها عدالة، ولكن يجب أن يقتنع الناس أنها محايدة وتتبع العدالة.. ونحن من هذا المنطلق نعمل جاهدين لأن يرى الناس أننا نتبع أُسس الحيدة والنزاهة والعدالة، لذلك فإن الرقابة الدولية متاحة لنا وكذلك للأحزاب السياسية.. وأيضاً الرقابة متاحة لوكلاء المرشحين وللمنظمات المحلية ومنظمات المجتمع المدني.. فنحن محايدون ومستقلون ولكن نريد للكل أن يلمس ويرى ذلك.
من المعني هنا إذن بضبط الإيقاع في قواعد اللعبة الانتخابية… هل هي أحزاب الحكومة أم أحزاب المعارضة أم المفوضية؟
– بالطبع الرقابة من شأن ومسؤولية المفوضية فهي التي تضع شروط الرقابة وهي التي تقبل المراقبين.. إذ أنه غير مقبول أن يأتي شخص ويقول أنا مراقب.. وبالتالي لا بد للمراقب من أن يأتي ويقدم أوراقه والمفوضية حينها تتدارس في ذلك، وتعطيه بعد ذلك شهادة القبول كمراقب وتساعده بعدها للوصول لمناطق الاقتراع.. وهذه جميعها هي إجراءات للضبط حتى لا تترك المسألة بدون ضوابط.
لقد ذكرتم مؤخراً أن القضية الانتخابية هي ليست مسألة فنية محضة بل هي عملية سياسية.. فمن هذا الباب هل يمكنكم انتظار ما ستفسر عنه حلول مشكلة دارفور، خاصة وأن الملف قد تحرك الآن بقوة نحو الوصول للحل؟
– شيء هام هنا هو أن المفوضية تتكون من مواطنين سودانيين وهم بالضرورة ينفعلون بما يدور في الساحة من قضايا.. والمفوضية لها مسؤولية وطنية ومسؤولية قانونية.. ففي جانب العملية الوطنية منوط بها إدارة عملية التحول والتداول السلمي للسلطة، وهذه مسؤولية ليست بالسهلة.. ولعلها مهمة كبيرة جداً في زمن دقيق وحساس تم فيه توقيع اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا).. وفي وقت فيه دارفور والأزمة هناك وما يدور من اتفاقيات لم ينتهِ حصادها بعد.. إضافة للهجمة الدولية على السودان.. لذلك فهذه المفوضية لابد من أن تقود الدفة للتحول والتداول السلمي بهدوء، لأنه إذا لم تكن بهدوء سترتج حينها السفينة وتسقط في اليم.. فنحن إذن نحاول بقدر الإمكان أن نكون منفعلين سياسياً لصالح السودان.. وبالتالي فإذا كانت هناك قضية سياسية نعتقد بأنها ستثير القلاقل، فنحن نهتم بها ونتعامل معها بوصفنا سودانيين ومنوط بنا قيادة دفة السفينة في هذا الموج الهائج.
وبالطبع فالمفوضية هي مثل حكم المباراة وحكم المباراة لا يلمس الكرة ولكنه يحكم ما بين اللاعبين ويعطي الكرت الأحمر والكرت الأصفر للذي يخطئ.. ومهمتنا الأساسية هي التأكد من أن كل اللاعبين ملتزمون بقواعد اللعبة.. وأن النتيجة التي تظهر في المباراة هي النتيجة التي يرى الناس أنها تمت بطريقة سلسة وسليمة.
ومن هنا نقول نعم نحن ننتظر حل قضية دارفور لأنه إذا تحقق الحل ووصلت دارفور إلى بر السلام، ووضعت الجماعات المتحاربة السلاح ورضيت بالاتفاق مع حكومة الوحدة الوطنية ووضعت أسس الاستقرار.. فحينها بالتأكيد هذا كله سينصب في خانة الانتخابات السلسة السليمة.. لأنه ليس من مصلحة السودان قط أن تقاطع فئة من الناس الانتخابات.. ونحن على إلمام تام بهذه المسألة ذلك وأن نجاح الانتخابات يقاس بالمشاركة، لأن الانتخابات التي لا يشارك فيها الناس هي انتخابات لا قيمة لها.. وبالتالي فأي انتخابات تقاطعها الأحزاب هي انتخابات منقوصة وغير مرغوب فيها.. لذلك نجتهد حتى تشارك جميع الأحزاب في هذه الانتخابات ويتنافس الكل فيها بشرف وأمانة.
ففي هذه الانتخابات الإحصاءات تقول إن هناك حوالي 21 مليون ناخب ونحن نحاول بالسجل أن نستهدف هؤلاء الـ 21 مليون ناخب، فلأول مرة في تاريخ السودان يسجل مثل هذا العدد.. وعليه سنسعى لتسجيل على الأقل حوالي 80% من هذه العددية أي نستهدف 16 مليون ناخب.. فإذا علمنا أن انتخابات 1986 كان عدد المسجلين فيها 5 ملايين فمعنى ذلك أننا نعمل الآن على ثلاثة أضعاف الذين سجلوا في العام 1986م.. وهذه مسألة ليست بالسهلة، مضافاً لذلك أنه لأول مرة في تاريخ السودان يتنافس الناس على منصب رئيس الجمهورية بتنافس حقيقي.. في حين أنه في السابق كان التنافس محدوداً وكانت العملية أشبه بالمنافسة الداخلية، وفي زمن الرئيس نميري كانت عبارة عن استفتاء وفي زمن عبود كانت عبارة عن أخذ للسلطة.. فهذه هي حصيلة الأنظمة العسكرية التي مورس فيها النظام الرئاسي.. أما الأنظمة البرلمانية فلا يوجد فيها نظام رئاسي ولم تجر فيها انتخابات مثل هذه. وشئ هام آخر هو أنه لأول مرة في تاريخ السودان تجرى انتخابات لاختيار الولاة.. والوالي في النظام السوداني الحالي منصب خطير للغاية لأن هذا هو منصب الرجل الأول في الولاية الذي يختار مجلس وزراء الولاية كيف يشاء.. والذي يقدم الخدمات الأساسية.. ودستور السودان لعام 2005م أخذ كل السلطات والصلاحيات الخاصة بالخدمات من الحكومة القومية وأعطاها للولايات… ولذلك فهناك انتخابات حساسة للغاية وتتمثل هذه في انتخاب الوالي الذي هو محل تقديم الخدمات للناس.
إذا كان الأمر كذلك فلماذا الاهتمام إذن بالمجلس الوطني؟
– المجلس الوطني لا يضع سياسة الخدمات بل هذه تضعها كل ولاية بنفسها.. فالمجلس الوطني هو عبارة عن مجلس لوضع الإستراتيجيات والسياسة الخارجية وسياسة الدفاع والأمن.. وبالتالي يجب أن تكون النظرة فيه قومية وليست ولائية.
إذن أيضاً ما فائدة دوائر تمثل البلدان والمدن وحتى الولايات في المجلس الوطني؟
– معك الحق في ذلك ولكن حقيقة ما يهمنا في ذلك هو أن نشير إلى أنه هناك عملية حساسة وهي انتخابات الولاة.. وكذلك هناك انتخابات حساسة جداً لاختيار رئيس حكومة الجنوب، لأن هذا الشخص هو الذي سيكون النائب الأول إذا ما تم اختيار رئيس الجمهورية من شمال السودان.. فالمعادلة واضحة فإذا جاء رئيس الجمهورية من شمال السودان فبالضرورة أن يكون رئيس حكومة الجنوب هو النائب الأول.. فالانتخابات حساسة للغاية ومهمة وهي تمثل عمود فقري في السودان بالنسبة للتحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.
هل تتوقعون أن يكون هناك منافسون كثر للرئيس البشير على كرسي الرئاسة؟
– إلى الآن لا يوجد حزب حدد مرشحة لرئاسة الجمهورية خلاف حزب واحد هو المؤتمر الوطني والذي اختار رئيسه وهو رئيس الجمهورية الحالي.. أما بقية الأحزاب فهي إلى الآن تتداول ولها بعض المشاكل في اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية، وبعضها قد لا ينافس بتاتاً وهذا أمر غريب.. لأن المنصب الأول في السودان في النظام الرئاسي والأهم في المناصب الدستورية والتداول السلمي للسلطة هو منصب رئيس الجمهورية.. ويبدو كأن الناس ما زالوا في خلط من أمرهم، فيعتقدون أن الحكومة كما كنا في كل العهود الديمقراطية السابقة.. فهذا الأمر ليس كذلك ولهذا فأنا أستغرب لماذا لم تجتمع الأحزاب وتضع برنامجاً سياسياً لمرشحها لرئاسة الجمهورية، لأن الوقت يتسرب من بين الأيدي اللهم إلاّ إذا أرادوا أن يجعلوا الرئيس البشير هو المرشح الاوحد وهذا هو امر آخر.
ولكن الى هذه اللحظة لم يتقدم اي حزب سياسي حتى داخلياً في اروقته لاختيار مرشحه لرئاسة الجمهورية.. اما الحركة الشعبية فقد دار فيها نقاش ولكن يبدو أن هناك قضايا معقدة داخل الحركة الشعبية في اختيار مرشحها لرئاسة الجمهورية.. ويبدو أن الأمر له علاقة بتاريخ الحركة الشعبية.. فهي عندما قامت في العام 1983م قامت كحركة وحدوية تستهدف تغيير السودان بما سمي بالسودان الجديد العلماني الديمقراطي، الذي يفرق بين الدين والدولة والذي لا يفرق بين الاثنيات وهذا كان هو الهدف الأوحد لجون قرنق آنذاك.. ووصل في ذلك الوقت إلى أنه سيحارب من يحاول فصل السودان لأنه هو يدعو إلى السودان الجديد.. ولكن بعد أن علا صوت الذين ينادون بانفصال الجنوب، صار مبدأ الحركة الأساسي هو مبدأ السودان الجديد مضافاً إليه الاستفتاء وتقرير المصير الذي يقود إما للوحدة او الانفصال، ويبدو أن هذه هي القضية التي تؤخر الحركة في اختيار مرشحها لرئاسة الجمهورية.. لأن مرشح الحركة الشعبية هنا لو كسب الانتخابات فبعد ثمانية أشهر من نهاية الانتخابات سيأتي استفتاء الجنوب.. وبالتالي فإذا كسب مرشح الحركة الانتخابات وإصبح هو رئيس الدولة فبالطبع سيكون النائب الأول من الشمال، ولكن هذا الشخص إذا انفصل الجنوب في الاستفتاء سيفقد منصبه، وبالتالي لن يجد له موقعاً في حكومة الجنوب.. لأنه إذا انفصل الجنوب سيكون هناك رئيس آخر، وسيصبح حينها إنساناً وضعه غريب إذا ما قبل هذا الترشيح.. فهو سيقود السودان لمدة ثمانية أشهر وهو مهدد بأن دولته الأم أو إقليمه الأم إذا انفصل سيفقد موقعه في الرئاسة، لذلك فأنا أفهم لماذا هناك بعض التعقيدات في أن تجد الحركة الشعبية مرشحاً لها لرئاسة الجمهورية، وهذه مسألة يجب أن ينتبه إليها الناس.. لأنه كما قلت لك فإن مرشح الحركة لرئاسة الجمهورية إذا انفصل الجنوب سيفقد رئيس الحركة الشعبية او نوابه أن يتحملوا هذه المسؤولية.
هل العملية الانتخابية برمتها محفزة لمبدأ الوحدة الجاذبة؟
– لا.. هذا أمر حسمته نيفاشا، وأنا بوصفي احد طلاب العلوم السياسية لا اعتقد ان لفظ الوحدة الجاذبة، الوارد في اتفاقية نيفاشا للسلام قد كان تعبيراً سليماً. ولا أعتقد ايضاً بأن فترة الـ 6 سنوات الانتقالية هي فترة كافية لجعل الوحدة جاذبة.. والشاهد أنه الآن وفي هذه اللحظة كثير من الدراسات التي جرت والمجموعات التي تحولت للجنوب، كلها أشارت بأن الاتجاه العام هو نحو الدعوة لقيام دولة منفصلة.. لذلك فالانتخابات لا علاقة لها بهذا الأمر.. لأن الانتخابات هي موحدة لكل السودان تنتهي في أبريل وتظل هذه الحكومة قائمة إلى موعد الاستفتاء في يناير.. وبالتالي فما بين نهاية أبريل ويناير هي عبارة عن فترة ثمانية أشهر وهي الفترة التي سيظل فيها السودان موحداً.. وبالتالي هي ليست فترة يمكن أن تدعو فيها إلى وحدة جاذبة.. ليبقى أحسن ما يمكن أن ندعو إليه هو ماذا يتم بيننا اذا ما تم الفراق.
المصدر: صحيفة اخر لحظة