منى سلمان
باب النجّار المخلّع
هلا يا بعد عمري .. حالي يسرّك يا أمي …
ارتفع قرني استشعاري الشمارية وتوقفت لاتابع ما تقوله فقد تخيلت أنها تعرضت لمضايقة أو سمعت كلاما جارحا من أحد المشاركين، ولكنها استمرت في العبوس والردود المقتطبة على المتصلين، وفجأة توقفت عن استقبال المكالمات وبدأت في التبرير للاعتذار عن ظهورها بمظهر حزين متضايق، وذلك لأن هناك شخصا عزيزا عليها حاول أغماد خنجرا في صدرها، فظلت تقاومه لبضع أيام ولكنه شد عزمه وضغط الخنجر بقوة حتى اخترق صدرها .. توقفت عن الكلام برهة قبل أن تحمل المنديل وتنفجر بالبكاء وهي تغطي وجهها، مما دفع المخرج لقطع البرنامج المباشر على الهواء والذهاب في فاصل إعلاني !!
طبعا رغم مشاركتي لها البكاء بإخلاص معبوباتي إلا أن الشمار (نقح) عليّ شديد .. حدثت نفسي كالعادة:
الحاصل ليها شنو ياربي ؟ ده منو الغرز خنجرو في قلبا؟ أكيييد ده راجلا .. يكون عرّس فيها !! يعرس ركابينو .. شكيتو علي الله أكان غلّط علي المرا الظريفة دي !!
ظللت مقيمة على جمر الانتظار طوال دقايق الفاصل .. تخيلت أن يعتذروا عن مواصلة البرنامج ولكنها عادت للظهور بعد أن (قشقشت دميعاتها) .. اعتذرت بكلمات رقيقة عن انهيارها العاطفي وعزته لانها انسانة كغيرها من متابعي ومحبي برنامجها .. تفرح وتحزن وتعيش المشاكل، وتتمنى أن يعذروها إن تشاركت معهم لحظات معاناتها لأنها تعتبرهم في مقام أسرتها الكبيرة .. كر علي يا بت أمي .. ان شاء الله القاصدك ينضرّ !!
بعيدا عن غدر الأحباب وظلم ذوي القربى وكل من نأتمنه على ظهورنا فيغرز فيها نصل الغدر، ومن نلقاه بصدر مفتوح فيقابلنا بحد الخنجر، فتلك هي حالة الدنيا وسمة آخر الزمان .. إنهيار دكتورة (فوز) الحزين، وهي (حلّالة) المشاكل والداعية دوما للتفاؤل والاستبشار ومواجهة الحياة بإيجابية، يؤكد على مثلنا الذي يقول (باب النجار مخلّع) أو (جيتك يا عبد المعين تعيني لقيتك تنعان) !
حقيقة، الشعور بالحزن والدبرسة لا يحتاج إلى الغدر كـ(سبوبة) فقد يستيقظ الانسان من نومه وهي (قافلة معاهو) دون سبب ظاهر يدعوه للإكتئاب أو الدبرسة، ولكن تلك الحالة لا تستمر طويلا فقد تدوم بضعة ساعات وقد (تجر) فتستمر ليومين تلاتة، ولكنها تذهب كما جاءت (سبة بلا سبب) .. أنا مجرباها !!
كنت قد تابعت قبل أيام على القناة المصرية لقاء مع اخصائية نفسية يناقش ظاهرة التعامل مع مضادات الإكتئاب لمجرد الشعور بالدبرسة دون الرجوع للطبيب .. أوضحت الأخصائية أن الشعور بالزهج أو الاحباط والإكتئاب بين الحين والآخر شيء طبيعي، ولا يحتاج لعلاج مالم يستمر لأكثر من اسبوعين، كما تطرقت للنظرة السالبة في المجتمع لمن يلجأ للطبيب النفسي ووصمه له بالجنون .. ذكرني حديثها بسيدة عرفنها في طفولتنا يبدو أنها كانت تعاني من مشاكل نفسية وتلجأ للعلاج .. ما يجعلني أجزم بأنها كانت مجرد مشاكل ضغوط نفسية، أن السيدة كانت عاقلة جدا ولم يبدر منها أيا من تصرفات المجانين .. إلا أنها كانت تعاني من تلك النظرة السالبة من الناس، فقد كانت تطارد الصغار في الحيّ وتمنعهم من إزعاجها واللعب أمام بيتها، فيتقافزوا من حولها وهم يتصايحون بقسوة:
بعشر .. بعشر
فتصيح خلفهم بغضب:
بعشر أمكم وبعشر أبوكم !!
طبعا كلمة (بعشر) مقصود بها المرحوم دكتور (طه بعشر)، وذلك نوع من التنابذ بالألقاب يقصد به الأطفال معايرتها بمرضها النفسي ولعل هذا مما يسمعوه في بيوتهم .. كذلك كنت أسمع في طفولتي مصطلح تتبادله النساين لـ مكاواة بعضهن البعض، عندما تبدر من إحداهن حركات توحي بأنها حركات مجانيين، يقولن:
(يحليلك يختي .. التجاني مات وبعشر بقى وزير) !
تسللت تلك الخواطر لعقلي وغيرها من نوادر وحكايات الدبرسة والمدبرسين والتي سوف أحكيها لكم (بكرة) لو ربنا هوّن، عندما استيقظت من النوم (قافلة معاي) بالطبلة والمفتاح .. استعذت بالله من الهم والحزن وطلبت من بعلي أن يعلمني كلمات تذهب ما بي وتفتح قفلة صباحي فقال لي:
قولي: (اللهم اني أسألك خير هذا اليوم وخير ماهو له، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ماهو له).
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
من المؤسف ان اسمع هذا الخبر عن الدكتورة فوز انها حقا انسانة رائعة وهى تحاول ان تصبر المجتمع وبصورة علمية عن العلاقات الانسانية ولكن يبدو ان المجتمع مازال يعانى التخلف لان هذه الامور لا يفهمها البعض بصورة علمية ان دراسة هذه الامور للاسف حتى لا يتضمنها المنهج فى الدراسات العليا مما يجعل الدارسيين لا يفقهون كثيرا عن الصحة النفسية بالنسبة الاجيال القادمة وتنشا معقدة اجتماعيا وهذه هى النتيجة النظرة الاخرى فيما يتعلق بالامراض النفسية والامراض العصابية ففى علم النفس هنالك امراض نفسية مثلا الاكتئاب والوسواس القهرى والفوبيا وهى امراض متفشية فى المجتمعات النامية وهذه الامراض لا تعنى ان الشخص لديه مرض لا يمكن علاجه بل قد تنشا هذه الحلات لدى الطلبة فى فترة الامتحانات او من خلال الضغط النفسى الذى يتعرض له الشخص وهذه الاشياء يمكن علاجها ويمكن الشخص ان يتخطاها ولا يعنى الذهاب للطبيب النفسى ان الشخص مصاب بالجنون او الصرع او غيره من الامراض العصابية وحتى ان كان مصابا يمكن ان تعالج هذه الامراض وهى من الابتلائات التى يصاب بها الانسان وبالتاكيد ان المراة اكثر عرضة نسبة لتكوينها الحساس ونسبة للضغوط التى تتعرض لها من المجتمع والاهل وحتى من زوجها تؤدى الى كثير من الامراض النفسية ولاسف فى المجتمعات النامية مثل السودان وغيره لا نجد ان هنالك طبيبا خاصا بالعائلة يمكن ان يراقب الانسا من الناحية الفيسلوجية والنفسية لكى يكون الفرد فى النهاية معافى ولديه القدرة الجيدة لمواجهة المجتمع وكثير من النساء يذهبن للطبيب الباطنى او غيره يكونن ليس مصابات باى امراض عضوية بل يكون هنالك امراض نفسية تؤدى الى الشعور بالامراض العضوية وهذا كنتاج طبيعى لمسالة مختصة بالبيت اذن ان مسالة الامراض النفسية كثير من الاخريين مصابون بها وهم لا يدرون ناخذ مثلا ان شخص كان يعانى بالام من بطنه عند الغداء فى المنزل مع زوجته واطفاله يشكو مغصا شديدا وعندما ظل هذا الالم معه ذهب الى طبيب باطنية واخبره ان ليس هنالك مرضا عضويا بل عليه ان يراجع الطبيب النفسى واستغربت زوجته فساله الطبيب النفسى هل تحدث مشكلة عند تناول الغداء قال له ان زوجته تحدثه عن المصاؤيف التى صرفت والناقص فى البيت عند تناول الغداء فنصحه الطبيب النفسى عند الغداء عليه ان يذهبوا الى حديقة عامة تحسنت فعلا حالته اذن ان المسالة النفسية قد توؤدى الى امراض عضوية وايضا السلوك العنيف ناتج عن اشياء وارسابات نفسية اعتقد ان هذه المسالة كبيرة المعنى ونحن بحاجة الى الصحة النفسية لكى تقل الجريمة والمشاكل فى المجتمع