منى سلمان

باب النجّار المخلّع

[ALIGN=CENTER]باب النجّار المخلّع !![/ALIGN] أمسكت بتلابيب الريموت كنترول وتشبثت به في غفلة من العيال .. استمخخت وهيأت لنفسي متكأ ثم بدأت التلقيب بين القنوات التي تتفوق على (فارغات .. الكابدلو بلا قرعات) في خوائها وسطحية طرحها وهيافة ما تقدمه من مواد .. توقفت برهة عن قناة (الرأي) الكويتية عندما لمحت فيها وجه الدكتورة فوز الاخصائية النفسية صاحبة البرنامج الذي يعنى بالمشاكل النفسية والأسرية .. شدتني هيئتها العابسة ووجهها المقطب، فقد تعود المشاهين على رؤيتها وهي تستقبل محادثات طالبي مشورتها ببشاشة ووجه طلق، ولا تكف عن ترديد كلمات الترحيب الدافئة الودودة بلهجتها الخليجية المحببة:
هلا يا بعد عمري .. حالي يسرّك يا أمي …
ارتفع قرني استشعاري الشمارية وتوقفت لاتابع ما تقوله فقد تخيلت أنها تعرضت لمضايقة أو سمعت كلاما جارحا من أحد المشاركين، ولكنها استمرت في العبوس والردود المقتطبة على المتصلين، وفجأة توقفت عن استقبال المكالمات وبدأت في التبرير للاعتذار عن ظهورها بمظهر حزين متضايق، وذلك لأن هناك شخصا عزيزا عليها حاول أغماد خنجرا في صدرها، فظلت تقاومه لبضع أيام ولكنه شد عزمه وضغط الخنجر بقوة حتى اخترق صدرها .. توقفت عن الكلام برهة قبل أن تحمل المنديل وتنفجر بالبكاء وهي تغطي وجهها، مما دفع المخرج لقطع البرنامج المباشر على الهواء والذهاب في فاصل إعلاني !!
طبعا رغم مشاركتي لها البكاء بإخلاص معبوباتي إلا أن الشمار (نقح) عليّ شديد .. حدثت نفسي كالعادة:
الحاصل ليها شنو ياربي ؟ ده منو الغرز خنجرو في قلبا؟ أكيييد ده راجلا .. يكون عرّس فيها !! يعرس ركابينو .. شكيتو علي الله أكان غلّط علي المرا الظريفة دي !!
ظللت مقيمة على جمر الانتظار طوال دقايق الفاصل .. تخيلت أن يعتذروا عن مواصلة البرنامج ولكنها عادت للظهور بعد أن (قشقشت دميعاتها) .. اعتذرت بكلمات رقيقة عن انهيارها العاطفي وعزته لانها انسانة كغيرها من متابعي ومحبي برنامجها .. تفرح وتحزن وتعيش المشاكل، وتتمنى أن يعذروها إن تشاركت معهم لحظات معاناتها لأنها تعتبرهم في مقام أسرتها الكبيرة .. كر علي يا بت أمي .. ان شاء الله القاصدك ينضرّ !!
بعيدا عن غدر الأحباب وظلم ذوي القربى وكل من نأتمنه على ظهورنا فيغرز فيها نصل الغدر، ومن نلقاه بصدر مفتوح فيقابلنا بحد الخنجر، فتلك هي حالة الدنيا وسمة آخر الزمان .. إنهيار دكتورة (فوز) الحزين، وهي (حلّالة) المشاكل والداعية دوما للتفاؤل والاستبشار ومواجهة الحياة بإيجابية، يؤكد على مثلنا الذي يقول (باب النجار مخلّع) أو (جيتك يا عبد المعين تعيني لقيتك تنعان) !
حقيقة، الشعور بالحزن والدبرسة لا يحتاج إلى الغدر كـ(سبوبة) فقد يستيقظ الانسان من نومه وهي (قافلة معاهو) دون سبب ظاهر يدعوه للإكتئاب أو الدبرسة، ولكن تلك الحالة لا تستمر طويلا فقد تدوم بضعة ساعات وقد (تجر) فتستمر ليومين تلاتة، ولكنها تذهب كما جاءت (سبة بلا سبب) .. أنا مجرباها !!
كنت قد تابعت قبل أيام على القناة المصرية لقاء مع اخصائية نفسية يناقش ظاهرة التعامل مع مضادات الإكتئاب لمجرد الشعور بالدبرسة دون الرجوع للطبيب .. أوضحت الأخصائية أن الشعور بالزهج أو الاحباط والإكتئاب بين الحين والآخر شيء طبيعي، ولا يحتاج لعلاج مالم يستمر لأكثر من اسبوعين، كما تطرقت للنظرة السالبة في المجتمع لمن يلجأ للطبيب النفسي ووصمه له بالجنون .. ذكرني حديثها بسيدة عرفنها في طفولتنا يبدو أنها كانت تعاني من مشاكل نفسية وتلجأ للعلاج .. ما يجعلني أجزم بأنها كانت مجرد مشاكل ضغوط نفسية، أن السيدة كانت عاقلة جدا ولم يبدر منها أيا من تصرفات المجانين .. إلا أنها كانت تعاني من تلك النظرة السالبة من الناس، فقد كانت تطارد الصغار في الحيّ وتمنعهم من إزعاجها واللعب أمام بيتها، فيتقافزوا من حولها وهم يتصايحون بقسوة:
بعشر .. بعشر
فتصيح خلفهم بغضب:
بعشر أمكم وبعشر أبوكم !!
طبعا كلمة (بعشر) مقصود بها المرحوم دكتور (طه بعشر)، وذلك نوع من التنابذ بالألقاب يقصد به الأطفال معايرتها بمرضها النفسي ولعل هذا مما يسمعوه في بيوتهم .. كذلك كنت أسمع في طفولتي مصطلح تتبادله النساين لـ مكاواة بعضهن البعض، عندما تبدر من إحداهن حركات توحي بأنها حركات مجانيين، يقولن:
(يحليلك يختي .. التجاني مات وبعشر بقى وزير) !
تسللت تلك الخواطر لعقلي وغيرها من نوادر وحكايات الدبرسة والمدبرسين والتي سوف أحكيها لكم (بكرة) لو ربنا هوّن، عندما استيقظت من النوم (قافلة معاي) بالطبلة والمفتاح .. استعذت بالله من الهم والحزن وطلبت من بعلي أن يعلمني كلمات تذهب ما بي وتفتح قفلة صباحي فقال لي:
قولي: (اللهم اني أسألك خير هذا اليوم وخير ماهو له، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ماهو له).

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

تعليق واحد

  1. من المؤسف ان اسمع هذا الخبر عن الدكتورة فوز انها حقا انسانة رائعة وهى تحاول ان تصبر المجتمع وبصورة علمية عن العلاقات الانسانية ولكن يبدو ان المجتمع مازال يعانى التخلف لان هذه الامور لا يفهمها البعض بصورة علمية ان دراسة هذه الامور للاسف حتى لا يتضمنها المنهج فى الدراسات العليا مما يجعل الدارسيين لا يفقهون كثيرا عن الصحة النفسية بالنسبة الاجيال القادمة وتنشا معقدة اجتماعيا وهذه هى النتيجة النظرة الاخرى فيما يتعلق بالامراض النفسية والامراض العصابية ففى علم النفس هنالك امراض نفسية مثلا الاكتئاب والوسواس القهرى والفوبيا وهى امراض متفشية فى المجتمعات النامية وهذه الامراض لا تعنى ان الشخص لديه مرض لا يمكن علاجه بل قد تنشا هذه الحلات لدى الطلبة فى فترة الامتحانات او من خلال الضغط النفسى الذى يتعرض له الشخص وهذه الاشياء يمكن علاجها ويمكن الشخص ان يتخطاها ولا يعنى الذهاب للطبيب النفسى ان الشخص مصاب بالجنون او الصرع او غيره من الامراض العصابية وحتى ان كان مصابا يمكن ان تعالج هذه الامراض وهى من الابتلائات التى يصاب بها الانسان وبالتاكيد ان المراة اكثر عرضة نسبة لتكوينها الحساس ونسبة للضغوط التى تتعرض لها من المجتمع والاهل وحتى من زوجها تؤدى الى كثير من الامراض النفسية ولاسف فى المجتمعات النامية مثل السودان وغيره لا نجد ان هنالك طبيبا خاصا بالعائلة يمكن ان يراقب الانسا من الناحية الفيسلوجية والنفسية لكى يكون الفرد فى النهاية معافى ولديه القدرة الجيدة لمواجهة المجتمع وكثير من النساء يذهبن للطبيب الباطنى او غيره يكونن ليس مصابات باى امراض عضوية بل يكون هنالك امراض نفسية تؤدى الى الشعور بالامراض العضوية وهذا كنتاج طبيعى لمسالة مختصة بالبيت اذن ان مسالة الامراض النفسية كثير من الاخريين مصابون بها وهم لا يدرون ناخذ مثلا ان شخص كان يعانى بالام من بطنه عند الغداء فى المنزل مع زوجته واطفاله يشكو مغصا شديدا وعندما ظل هذا الالم معه ذهب الى طبيب باطنية واخبره ان ليس هنالك مرضا عضويا بل عليه ان يراجع الطبيب النفسى واستغربت زوجته فساله الطبيب النفسى هل تحدث مشكلة عند تناول الغداء قال له ان زوجته تحدثه عن المصاؤيف التى صرفت والناقص فى البيت عند تناول الغداء فنصحه الطبيب النفسى عند الغداء عليه ان يذهبوا الى حديقة عامة تحسنت فعلا حالته اذن ان المسالة النفسية قد توؤدى الى امراض عضوية وايضا السلوك العنيف ناتج عن اشياء وارسابات نفسية اعتقد ان هذه المسالة كبيرة المعنى ونحن بحاجة الى الصحة النفسية لكى تقل الجريمة والمشاكل فى المجتمع