تحقيقات وتقارير

الحركات الاسلامية المسلحة و 11 سبتمبر :جردة غير نهائية بعد مرور8 أعوام على اليوم الذي اهتزت فيه أميركا

سيبقى يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من العام 2001 طويلاً في أذهان مليارات البشر، لقد تحول من مجرد رقم في «الروزنامه»، ربما كان يمكن ألا يعني شيئاً لأحد، لكنه تحول إلى لحظة زمنية فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية من عدة زوايا يوجزها محللون في زاويتين: الأولى ترى أن الحدث جاء لتهيئة المناخ الدولي أمام الولايات المتحدة لإعادة ترتيب أولويات العالم، حيث فرضت الحرب ضد الإرهاب على خُطط وتحرّكات المُجتمع الدولي، من دُول ومنظمات، وحتى على القطاع الخاص أيضاً.
أما الزاوية الثانية في قراءة الحدث فترى أنه شكّل بداية لنوع جديد من المواجهات التاريخية الكبرى بين دول من جانب، ومنظمات وجماعات متمرّدة عابرة للحدود من جانب آخر، تحمل بدَورها فكرا وعقيدة تدفّع إلى التغيير والمواجهة المتحركة التي يصعب التنبؤ بحجمها وأفقها. لكن على الصعيد الشعبي فقد انتشرت في كافة دول الشرق الأوسط، وربما العالم بأسره، «نظريات المؤامرة» حول منفذي هجمات 11 أيلول، وقد برزت منذ اللحظة الأولى للصدمة، حين كانت منطقة مانهاتن في نيويورك لا تزال تختنق تحت غبار مركز التجارة العالمي الذي كان قد دمر لتوه قبل ثمان سنوات خلت.
ففي 12 سبتمبر عام 2001 أي بعد يوم واحد على الهجمات ، نشر موقع أميركي على الإنترنت يحمل اسم «انفورميشن تايمز» مقالاً تحت عنوان: أربعة آلاف يهودي لم يذهبوا للعمل بمركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر»، وورد في المقال أن العاملين اليهود ببرجي مركز التجارة تلقوا تحذيرات بعدم الذهاب إلى العمل في ذلك اليوم الدامي? كما قال إن ثمة دليلا على أن الهجمات ليست من فعل متطرفين إنما من عمل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
وبعد ثمانية أعوام، مازال السؤال ذاته حول حصاد ما جرى، وإلى أي مدى يمكن أن تؤدي «عولمة المواجهة» ضد ظاهرة الإرهاب الدولي وهل أصبح العالم أكثر أمناً، أم أنه دخل في طور جديد من غِياب العدالة، وتهيئة الظُّروف المواتية لإنتاج نوع جديد من العُنف المختلف.. هذه الأسئلة وغيرها تتطلّب قبل التصدي لها قدراً من التأمّل في أبرزِ تداعيات السياسة الدولية، وهو ما نسعى لرصده في هذا التقرير مع عدد من المفكرين وكبار المحللين السياسيين و الخبراء المتخصصيين.
مستقبل الإسلام السياسي
في البداية يرى الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة «الأهرام»، ومدير مركزها للدراسات السياسية والإستراتيجية، «أن تداعيات مرحلة ما بعد 11 سبتمبر لا حصر لها، وإن كان يرى أن شيوع ثقافة (صراع الحضارات) هو الأشد خطورة في هذا السياق لأنه يهدد بما يمكن وصفه بـ»عسكرة الحضارات»، إذ أن الدول التي تضررت من هذه الهجمات وجدت نفسها إزاء حالة دفاعية مسلحة، شرعت من خلالها باتجاه تبني مشاريع التسلح النووي واستخدام الطاقة النووية، كما يحدث في كوريا الشمالية وإيران مثلاً».
ويمضي سعيد قائلاً «إذا كان من غير المنطقي تجاهل تأثيرات ?أحداث? 11 سبتمبر علي حركات الإسلام السياسي?? لكنه ليس منطقياً أيضاً أن ننظر لتلك الأحداث باعتبارها قد أعادت صناعة? الحركات الإسلامية من جديد بصورة منعزلة عن الأجواء السياسية والثقافية والاجتماعية التي سادت العالمين العربي والإسلامي قبل هجمات 11 سبتمبر، ومازالت قائمة بدرجة أو أخرى، وهي الأجواء التي ربما تفاقمت إلى الأسوأ بعد تلك الهجمات وما ترتب عليها من آثار ونتائج.
أما في تفاصيل ما يجري داخل «القاعدة» فقد تواترت المعلومات حول تصاعد حجم تأثير قائد تنظيم «الجهاد» المصري أيمن الظواهري، حتى على قرار زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وهو ما يؤيده منتصر الزيات، أشهر محامي للجماعات الإسلامية وكبار رموزها، صحة هذه المعلومات، بل ويعتبر أن هذا الأمر في نظره طبيعي ولا يحتاج إلى تفسيرات ولا استنتاجات، فمن الطبيعي والوارد بشدة أن يؤثر الظواهري في بن لادن ويسيطر عليه وبالذات في بداية تعاونهما، لأن الظواهري يملك من الأفكار والقدرات والمواهب، ما يستطيع أن يجعله محركاً لرجل مثل بن لادن، وقد انتهز الفرصة مبكراً وأقام علاقة وثيقة مع بن لادن».
ويستدرك الزيات قائلاً «للحقيقة فإن أيمن الظواهري ورغم كل أخطائه الفكرية، غير أننا لا يمكن أن ننفي أنه صاحب فكر، ورغم اختلافي الكبير معه، لكنني لا يمكن أن أنفي انه إنسان ـ أيام كانت لي معه علاقة مباشرة ـ في غاية الحساسية والرقة ، وهو ما يجعله مع أفكاره صاحب قدرة تؤثر بفاعلية في الآخرين، ومن هنا بدأت العلاقة الإنسانية بين الظواهري وأسامة بن لادن.
واختتم الزيات قائلاً إنه وخلال مرحلة تالية أعلن الظواهري وبن لادن عن تنظيمهما المشترك، وفيها لم يضع الأول الفرصة فزرع حول بن لادن عدداً من معاونيه ليكونوا المساعدين الأساسيين له، وطور كثيراً من آراء وأفكار بن لادن حول الجهاد، ولعل ذلك سبب تغيير بن لادن لخطابه حول فلسطين وغيرها من الأماكن الساخنة في العالم الإسلامي، وأرى أن هذا الخطاب ليس لمجرد كسب التعاطف فحسب، لكنه نتيجة لأفكار جديدة علمها الظواهري لبن لادن».
بعد تجربة فاشلة في السودان، وإثر ضغوط دولية هائلة على الخرطوم، عاد أسامة بن لادن ومقاتلوه إلى أفغانستان عام 1996، موقناً حينها بأن الظرف الأفغاني هو الوحيد الصالح لأن يكون منطلقا لمنظمته «القاعدة»، وضمت في صفوفها متطوعين عرب وشيشان وأوزبك وغيرهم، وأعلنت أهدافها صراحة بالحرب ضد من أطلقت عليهم الصليبيين واليهود، أو بعبارة أخرى الدول الغربية وإسرائيل.
وفي المحصلة النهائية فإن منظمة القاعدة من منظور القراءة التاريخية، هي المنتج غير النهائي والأكثر فجاجة ونقاء للحركة الإسلامية التي نشأت في مصر في القرن الماضي، وقد استفادت من كل معطيات العصر وأدواته، لذلك فقد تميزت حركة ابن لادن عن بقية الفصائل الأصولية السابقة لها.
الأول هو تبني فكرة «عولمة الجهاد» والخروج من الأطر المحلية، أما الثاني فهو استهداف المدنيين، حتى أتت أكبر عمليات «القاعدة» في الهجمات التي نفذتها في مدينتي نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001 لتعبر عن طبيعة نوايا هذه الحركة ومقاصدها، وخيالها الحركي وقدراتها التنظيمية المخيفة.
وحول مستقبل الحركات الإسلامية عموماً، والتي تنتهج العنف وتوصف بالراديكالية أو الجهادية، فيرى المفكر العلماني البارز د. صادق جلال العظم «أنّ حال الإسلاميِّين باتجاهاتهم كافةً ستكون مثلَ حال الناصريِّين بعد هزيمة حزيران عام 1967، أو كحال الشيوعيِّين بعد سقوط الاتحاد السوفيتيّ»، وأضاف: «سيكون هناك كثرةٌ من الإسلاميِّين ولكنْ من دون فاعليّة حقيقيّة أو قيمة، فقد نَحَروا أنفسَهم بهذه العمليّة العبثيّة المجّانيّة الحمقاء، واستدرك قائلاً : «بالطبع سيراجعون أنفسَهم واستراتيجيّاتهم».
في الجانب الآخر قارن العظم ممارسات القاعدة وخلاياها المنتشرة مع الإرهاب اليساريّ الذي شهدتْه أوروبا في سبعينيّات القرن الماضي: يقْصد تنظيمَ «بادر ــ ماينهوف» في ألمانيا، و»الألوية الحمراء» في إيطاليا، و»العمل المباشر» في فرنسا؛ وكلّها حركاتٌ قامت بأعمال من العنف الهائل بمقاييس زمانها هزّت الدنيا والدولَ وهزت الشعوبَ والأمم، والآن يبدو لي أنّ هذا النوع من الإرهاب اليساريّ كان ردةَ فعلٍ على إحساس عميق بأنّ الحركة اليساريّة عمومًا قد وصلتْ إلى انسداد تاريخيّ لآفاق تطوُّرها، وأنّها استنفدتْ طاقاتِها كليّاً، وكثيرًا ما تقوم قوى بمحاولة كسر هذا الانسداد، عبر العنف؛ لكنّنا نَعْرف مِنْ مواقعنا اليوم أنّ الإرهاب اليساريّ لتلك الأيام أَثْبت أنّه كان المدخلَ إلى انهيار الشيوعيّة، بدلاً من فتح أفقٍ جديدٍ لها.
ثمة زاوية أخرى يرصدها د.حسن أبو طالب، الخبير السياسي بالأهرام، أن هناك نتائج مؤكّدة في التضييق على تنظيم القاعدة، ولاسيما تحرّكات قيادَته، التي باتت تعمَل في الخفاء وبأكبر قَدر من السرية، والمُرجح، أن حالة الحِصار الدولي على القاعدة ورموزها، خفضت كثيرا من قُدرتها على العمل بحُرية، كما كان الوضع قبل 11 سبتمبر 2001، بيد أن محاصرة التنظيم لا تعني القضاء عليه أو على ما يَملكه من فِكر وعقيدة، ما زالت موجودة ولها مُناصروها، بل ولها أيضا وافدون جُدد ممن يجري استقطابهم.
فالقاعدة، التي صارت مظلة فِكرية وأيديولوجية تستند إلى تفسيرات دينية، صارت أيضا طليقة في الفضاء في انتظار من يتلقفها، وبالفعل، هناك منظمات صغيرة هنا وهناك نشأت وِفقا لهذه القناعات، ومنها من ربَط نفسه بالتنظيم الأم، ومنها من يَعتبر نفسَه مجرّد امتداد عقيدي لكن دون رابطة تنظيمية صارمة. ويمضي أبو طالب قائلاً إن هذه القيود تبدُو أكثر خطورة واتِّساعا من جهة استهداف الجاليات المُسلمة التي تعيش في أميركا، ومنها انتقلت العدوى إلى بلدان أوروبية عديدة، فقد شكلت ظاهرة «الإسلاموفوبيا» أو الخوف الهيستيري من الإسلام والمسلمين، عاملا رئيسيا في إفساد التعايُش السلمي بين المسلمين والمجتمعات التي يعيشون فيها، والتي كانت سائدةً من قبل.
المصدر : ايلاف