القرضاوي: هناك فتاوى اعتبرت شاذة لأنها سبقت عصرها
اعتبر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الفتاوى الشاذة هي تلك التي لا تقوم على أصل أو دليل، موضحًا أن هناك فتاوى اعتبرت في عصرها شاذة، لكنها كانت سابقة لعصرها، وعاد العلماء بعد ذلك للأخذ بها، مثل فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الطلاق.
وأشار القرضاوي إلى أن هناك من يتصدى للفتوى دون أن يكون لديه علم لا بالقرآن ولا بالحديث ولا حتى باللغة العربية، لافتًا إلى أن العلماء اعتبروا أن الشروط المفروض توفرها في المفتي هي نفسها شروط المجتهد.
وتطرق القرضاوي، خلال حلقة الأمس من برنامج «فقه الحياة» الذي يستضيف العلامة القرضاوي طوال شهر رمضان على قناة «أنا» الفضائية (تردد 12226 أفقي نايل سات) ويقدمه أكرم كساب، لفتاوى الإمام ابن حزم الشاذة، وأوضح أن ذلك راجع لتبنيه منهجًا شاذًا، فهو لا يعلل الأحكام، ويرفض القياس، ولا يأخذ بالمقاصد.
ورد القرضاوي على من يصفون بعض فتاويه بالشذوذ، مؤكدًا أن فتوى مساواة دية الرجل بالمرأة لم تخالف إجماعًا، فليس هناك سند من القرآن أو السنة أو القياس يقول بأن دية المرأة نصف دية الرجل، كما أشار إلى أن فتوى إجازة شراء مسكن لمن يقيم في أوربا بقرض ربوي، ليست شاذة، حيث تبناها المجلس الأوربي للإفتاء.
———–
** في البداية نود أن نتعرف على آداب المفتي، وما الذي يجب عليه من الناحية العلمية والأخلاقية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا، وأسوتنا، وحبيبنا ومعلمنا، رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. وبعد..
فلا شك أن للفتوى منزلتها ومكانتها في دين الله وفي شريعته، ولا يجوز أن يتصدى لها إلا من كان مؤهلاً لها؛ لأن هذا يوقع عن الله ـ عز وجل ـ كما قال ابن القيم أو هو يقوم مقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيان الأحكام وتعريف الناس بالحلال والحرام، وهذا ما كان السلف يفعلونه، فيخافون أن يقول أحدهم بفتوى فلا تقع موقعها، فكانوا يهربون من الفتوى، ويحيل أحدهم إلى أخيه، ويقول ابن عمر: يريدون أن يتخذوا ظهورنا جسورًا إلى جهنم، ويقول ابن مسعود إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون، ويقول ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإمام مالك: «حدث اليوم أمر عظيم في الإسلام، استفتي من لا علم له، ولبعض من يفتي اليوم، أحق بالسجن من السراق».
هذا في عصر التابعين وأتباع التابعين، فماذا يقول لو رأى ما رأينا في عصرنا من اجتراء الناس على الفتوى، وبعضهم لو سألتهم عن القرآن لا يحفظ القرآن، ولو سألته عن الحديث لا يعرف معنى الحديث الصحيح من الحديث الضعيف، ولو قلت له اقرأ هذه السطور في كتاب من كتب أصول الفقه، أو في كتاب من كتب الفقه، أو كتاب من كتب النحو، لا يعرف شيئًا من هذا، ولا يعرف اللغة العربية، ومع هذا يتصدى للفتوى.
بعضهم لما كان يتكلم عن الجهاد والقتال وذكر قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) سألته السؤال الذي سألته لي في إحدى الحلقات (كَافَّةً) هذه نعربها حال، فهل هي حال من الفاعل أم حال من المفعول، فوقف ولسان حاله يقول: هذا الكلام عربي أم غير عربي، وما معنى حال من الفاعل أو من المفعول، فهو لا يعرف شيئًا من هذا. ولذلك فالعلماء قالوا إنه من يتأهل للفتوى يجب أن يتأهل بمؤهلات المجتهد، فكل ما يطلب من المجتهد يطلب من المفتي، والمفتي هو عالم مجتهد، فلا بد أن يحصل ما يحصله العالم المجتهد.
** لو سردت لنا سريعًا هذه الأشياء المطلوبة من المفتي أو المجتهد؟
لابد أن يكون مطلعًا على اللغة العربية، بل ليس فقط مطلعًا بل متمكنًا منها راسخًا فيها، ومتذوقًا لها، ولابد أن يعرف القرآن الكريم والاستشهاد به، فيكون حافظًا له أو على الأقل يحفظ الكثير ويستطيع الرجوع إلى ما لا يحفظ، ولابد أن يكون عالمًا بالسنة، رواية ودراية، ويعرف الحديث الصحيح الذي يحتج به من الحديث الضعيف الذي لا يحتج به، وما سبب ضعف الحديث، وما سبب صحته، وأين يجد الحديث الصحيح، وأين يجد الضعيف، وإذا حدث خلاف في حديث كيف يستطيع أن يرجح.
كذلك لابد أن يعرف مقاصد الشريعة، والإمام الشاطبي لا يعتبر هذا شرطًا بل يعتبره سببًا للاجتهاد، وأيضا أن يكون عارفًا بأصول الفقه، خصوصًا بالقياس والعلل، وشروطها، وأن يكون ممارسًا للفقه، ويعرف اختلاف الفقهاء ومشاربهم ولماذا اختلفوا، بحيث تتكون عنده ملكة فقهية، وأيضا من أهم الأشياء أن تكون عنده قراءة ومطالعة ومعرفة بالمشارب والمذاهب، فهذه الأشياء تكون عنده ملكة فقهية يقدر بها على استنباط الأحكام من أدلتها.
الفتاوى الشاذة
** إذن لننتقل فضيلة الشيخ إلى تعريف الشذوذ في الفتوى، أو الفتوى الشاذة، فما معنى ذلك؟
المقصود بذلك أن يصدر المفتي فتوى لا تقوم على أصل، أو لا تقع موقعها، فلم تستدل بالدليل الصحيح الذي يدل على الحكم الذي يريده، فتكون بذلك: شذت أي انفردت بطريق وحدها، وليست سائرة على النهج المستقيم الذي يسلكه العلماء، فهذا نسميه شذوذ مثل «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، أي التي تشرد لوحدها عن القطيع، والشذوذ معروف حتى في اللغة، فنقول هذه لغة شاذة، وكذلك هناك شذوذ في القراءات، فنقول هذه قراءة شاذة، وشذوذ في الأقوال، فنقول هذا قول شاذ، بمعنى لم يسر على القاعدة البينة الأساسية وانفرد وحده.
** إذن هو خروج عن القواعد وليس مجرد انفراد عن آراء العلماء، فلو معه دليل لا يعد شذوذًا؟
نعم، وهناك من العلماء من انفرد بآراء لم يقولها العلماء الآخرون، والصحابة بعضهم انفرد، ابن عباس انفرد بآراء، وابن مسعود انفرد بآراء، ولما جاء الإمام مالك وكلفه أبو جعفر المنصور بتأليف الموطأ، قال له: تجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، وشواذ ابن مسعود، وحتى الصحابة يمكن أن يشذ أحدهم برأي. والإمام أحمد له آراء انفرد بها، سموها المفردات، وهذا لم يضر الإمام أحمد؛ لأنه له أدلته التي يعتمد عليها.
** هل الفتوى التي ينظر إليها على أنها فتوى شاذة، هذا الشذوذ يمكن أن يتغير بتغير الحال، أو المكان، أو العرف، أو العادات.
نعم، وهذا يحدث فعلاً، وفي التاريخ رأينا أقوالاً تعتبر في زمانها شاذة؛ لأنها سبقت عصرها، ثم جاء زمن آخر فأقرها ومن أشهر الفتاوى التي اعتبرت شاذة في عصرها، ثم تم ترجيحها بعد ذلك فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، حول قضايا الأسرة والطلاق، مثل الطلاق الذي يراد به الحمل على شيء أو المنع منه، والطلاق الذي يراد به اليمين، والطلاق المعلق، والطلاق الثلاث بلفظة واحدة، والطلاق البدعي، وطلاق المرأة الحائض، أو المرأة التي مسها زوجها في هذا الطهر.
وهذا الفتاوى حوكم من أجلها ابن تيمية، وخالفه علماء عصره، واعتبروا أنه خرق الإجماع، ودخل من أجلها السجن، ومات ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في السجن من أجل هذا، لكن هذا القول الذي اعتبر شاذًا تبناه أكثر العلماء في عصرنا، وتبنته لجان الفتوى، وتبنته قوانين الأحوال الشخصية في أكثر من بلد، واعتبر هو سبيل الإنقاذ، أو سفينة الإنقاذ للأسرة المسلمة؛ لأن أحيانًا شخصًا يعيش مع أسرته في انسجام ومودة، لكنه غضب من واحد في السوق أو في مكان العمل، وحصلت ثورة وهياج وحلف بالطلاق بالثلاثة أنه يعمل كذا أو يعمل كذا، فهل يرجع بيته ليجد امرأته طلقت بالثلاث، أي طلاقًا بائنًا بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، فجاء ابن تيمية ورفض هذا.
شذوذ العلماء
** هل الفتاوى الشاذة ترتبط بمن يتصدرون للفتوى بغير علم، أم أنها كذلك تصدر من إمام عالم أو مجتهد؟
يمكن أن تصدر فتاوى شاذة من عالم مجتهد؛ لأن العالم المجتهد ليس معصومًا، ولكن هذه لا تسقط منزلة العالم، وابن تيمية قال إن العالم المكثر للفتاوى يمكن أن يقع في خطأ في فتويين وثلاث وأربع، وهذا مغمورٌ في بحر علمه، فإذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث، ولكن بالنسبة للعالم المتمكن الثقة من الناس، لا نحكم عليه بالشذوذ بسهولة، فلابد أن نتأنى ونتوقف حينما نحكم على فتواه بالشذوذ.
** الإمام ابن حزم ـ رحمة الله عليه ـ كما سميتموه عالم موسوعي، فله باع طويل في علم الحديث، وفي الفلك، وفي الفقه و … و… إلى آخره، ولكن للإمام ابن حزم كما تقولون بعض الشذوذات؟
شذوذ ابن حزم في منهجه وليس في فتوى معينة أو قول معين، وهو شذوذ ناتج عن أنه تبنى منهجًا شاذًا، فهو لا يعلل الأحكام، ويقول إن القياس مرفوض تمامًا، فنتج عن هذا المنهج الظاهري الذي يأخذ بالظاهر، ولا يعترف بأن للشريعة مقاصد أو حكمًا، أو عللا إطلاقًا، ويقول إن الشريعة يمكن أن تجمع بين مفترقين، أو تفرق بين متساويين، وضرب لذلك أمثلة ورد عليه ابن القيم في كل ما ضربه من أمثلة، في كتابه «إعلام الموقعين».
وبصراحة أنا من أشد المعجبين بابن حزم، وشخصيته، وقوة حجته، وسعة اطلاعه على الحديث، والفقه، والملل والنحل، كما أنه أديب وشاعر، ولكن هذا لا يمنعني أن أقول إن ابن حزم شذ، لشذوذ منهجه الذي تحدثنا عنه، فنتج عنه أقوال عديدة من الشذوذ، فمثلاً يقول في الحديث «لا يبولنَ أحدكم في الماء الدائم» إنه لو أن أحدًا بال في قارورة وصبها في الماء الراكد، فلا حرج عليه، إذا لم يتغير لونه أو طعمه، أو ريحه، فهو طاهر ولا حرج في هذا.
وأنا أقول إن هذا ليس المقصود الذي أراده الرسول، فالمقصود أن لا نلوث الماء بالبول، أما إذا أنت جئت ببول في قارورة، فهذا أشد لأنك ركزته، ولكن كلمة المقصود هذه ليس لها اعتبار عند ابن حزم.
وذكرنا في بعض الحلقات قوله بالنسبة للبكر إذا تكلمت وقالت لأبيها: أنا موافقة على هذا الخاطب، فإنه لا ينعقد العقد، لأن الحديث يقول «إذنها صمتها» وهذه لم تصمت، مع أن الكلام أولى من الصمت، لكنه ليس عنده قياس الأولى.
الوقاية والعلاج
** هل هناك أيضًا فتاوى معروفة في التراث الإسلامي نحكم عليها بالشذوذ، حتى وإن خرجت من بعض العلماء الكبار؟
الواقع أن الفتاوى الشاذة في تراثنا الفقهي محدودة، وربما السبب في ذلك أنه إذا أفتى مفتٍ في بلده لا يعرف الناس في البلاد الأخرى هذه الفتوى الشاذة، لكن مشكلة عصرنا أن الفتوى الشاذة تشيع في الآفاق بسرعة، ولم أجد فتوى وصفوها بالشذوذ إلا فتوى الفقيه المالكي المعروف يحيى بن يحيى الليثي، الذي كان إمامًا في الأندلس، وحينما سأله أحد الأمراء أنه واقعَ جاريته في نهار رمضان، فما الكفارة التي يكفر بها عن هذه المعصية؟ أفتاه بأن عليه أن يصوم شهرين متتابعين، دون أن يقول له: يمكن أن تعتق رقبة أو أن تطعم ستين مسكينًا، فالمعروف أن الكفارة هنا فيها رأيان: رأي يلزم بالترتيب، وهو عتق رقبة، فإن لم تجد فصم شهرين متتابعين، فإذا لم تستطع فأطعم ستين مسكينًا، وهذا رأي الجمهور.
أما الإمام مالك فإنه يخيره بين واحد من هذه الثلاثة، لكن الليثي لم يلزمه في أول الأمر بعتق الرقبة، وكان مقصده في هذا أنه يريد أن يُرجع الأمير عن الإفطار في رمضان، وقال إن هذا الأمير لو قلت له اعتق رقبة فما أسهل عليه أن يعتق رقبة ويستطيع كل يوم أن يواقع جاريته أو امرأته ويعتق ثلاثين رقبة في الشهر، إلا أنه بذلك خالف النص وأخطأ المصلحة التي يظن أنه رعاها؛ لأنه غفل عن مصلحة مهمة وهي مصلحة تحرير الرقاب، فأن يعتق هذا الأمير ثلاثين رقبة في الشهر، فهذا ليس أمرًا هينًا.
والإسلام اعتبر تحرير الرقبة في مقابلة القتل الخطأ، فأنت قتلت نفسًا خطأً، فعليك أن تحيي نفسًا أخرى، وكيف تحيي نفسًا؟ بأنك تحرر رقبة، فتحرير الرقبة بمثابة إحياء للنفس، فهو لم ينتبه إلى هذه القضية، لذا اعتبره العلماء شاذًا.
** هل منابر التأهيل الإسلامي التي تخرج الدعاة، كالجامعات الإسلامية أو المعاهد الإسلامية، تتحمل عبء هذا الشذوذ التي نراه من بعض من يتصدرون للفتوى؟
أنا في بحثي عن الفتاوى الشاذة تناولت كيف نعالج هذه الفتاوى وكيف نتوقاها؟ فنحن نتوقاها ابتداءً بأن لا نعين للفتوى إلا من كان مؤهلاً لهذا، وللأسف إن الدول والحكومات تستهين بهذا الأمر، وكثيرًا ما تدخل فيه المحسوبيات، ولا تراعى أن هذا يقوم مقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا ما حذر منه الحديث النبوي الشهير المتفق عليه، حديث عبد الله بن عمر: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا، ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» .
فالحكومات مسئولة والجامعات الشرعية مسئولة، وأنا ذكرت فى مؤتمر الفتوى، الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي، أن من الأشياء المطلوبة أن ننشئ معهدًا عاليًا، أو تخصصًا عاليًا للفتوى، وهذا التخصص ينقص التنظيم الأزهري، والجامعات الأخرى أيضًا، مثل جامعة الإمام محمد بن سعود، والجامعة الإسلامية في المدينة، حيث لم تجعل هناك تخصصًا للفتوى أو للإفتاء وهذا يحتاج إلى وضع برنامج فقهي علمي وعملي، يجمع بين التراث والمعاصرة، وينتقى له الطلاب، فليس كل طالب يصلح، وينتقى له الأساتذة، وليخرج لنا هؤلاء المهيئين؛ لأن يعملوا في مجال الفتوى.
السكن في أوربا
** لفضيلتكم عدد من الفتاوى، البعض يقول إنها شاذة وإنكم خرجتم فيها عن الإجماع، مثل فتوى شراء البيوت السكنية في أوربا، فأنتم قلتم إنه ليس هناك من مانع أن يقترض الإنسان من بنك ربوي ليشتري سكنًا له، أليست هذه فتوى شاذة؟
لا، هذه فتوى جماعية، تبناها المجلس الأوربي للإفتاء، وشد أزرها؛ لأنها تلبي حاجة، ألم نقول إن من موجبات تغير الفتوى تغير حاجات الناس، فالناس في أوربا في أشد الحاجة إلى أن يمتلكوا بيتًا، لأن السكن بالإيجار يجعلهم مهددين بالخروج منه في أي وقت، خصوصًا أن المسلمين دائمًا أسرهم كبيرة، وهم في أوربا لا يطيقون هذا، فإذا وجد عدد الأسرة كبيرًا يقول له اخرج، ولذلك الحل أن يمتلكوا هذا السكن، ثم نجد أن الإيجار الذي يدفعه يساوي القسط الذي سيدفعه لشراء البيت، وأحيانًا بعضهم يقول إن القسط أقل من الإيجار.
** بمعنى أنكم راعيتم المصلحة؟
راعينا حاجة الناس، لأن القاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، خصوصًا إذا كانت حاجة عامة في الأقلية الإسلامية، فأحدهم يقول لك أنا ظللت أربعين سنة في ألمانيا ولا أملك بيتًا، ولو أحد أفتاني بمثل هذه الفتوى، لكنت امتلكت بيتًا من عشرين سنة، ثم لماذا أنا أطعم المسلم لغير المسلم، فيطبق قوانينه إذا كان فيها غرم عليه، وإذا كان فيها غنم له لا يطبق هذا القانون، فهم يخصصون إعانات كبيرة لمن يشتري بطريق القرض، ويرفعون عنه كثيرًا من الضرائب، ويأخذ كثيرًا من التسهيلات، كما أنه بذلك ينتقل من فئة إلى فئة، فالإخوة هناك قالوا إن المناطق التي يملكون فيها المستوى العام للخدمات أعلى من المناطق التي يستأجر فيها الناس، ولذا فنحن استدللنا بالحاجة التي لها قيمتها هنا، واستأنسنا بمذهب أبي حنيفة الذي يجيز العقود الفاسدة خارج دار الإسلام، فهو يقول إنه ما دام العقد برضا الطرف الآخر غير المسلم، وليس بغدر ولا خيانة، فمن حق المسلم أن يستفيد من هذه العقود الفاسدة، إذا كانت في ذلك مصلحة له.
دية المرأة
** لكم أيضا فتوى تتعلق بدية المرأة، البعض يقول إن هناك إجماعًا في هذه المسألة، وما خرج به الشيخ القرضاوي يعد نقضًا للإجماع، فهم يعتبرون هذا الأمر نوعًا من أنواع الفتاوى الشاذة؟
أنا ذكرت في الفتوى أنه ليس هناك إجماع، وذكرت أن ابن عولي والأصم اختلفا في هذا، ثم إذا كان هناك إجماع، أين سند الإجماع؟ إذ لا سند له من قرآن ولا من سنة ولا من قياس ولا من مصلحة، فالقرآن يقول (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً) (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) فالآية لم تقل ذكرا ولا أنثى، والحديث النبوي قال في النفس مائة من الإبل، ولم يصح حديث يفرق بين دية الرجل والمرأة، وهناك حديث أجمعوا أنه ضعيف، كما لا يوجد قياس، فالصحيح أن نقيس المرأة على الرجل، فكلاهما نفس مؤمنة، وأيضا لا توجد مصلحة، فنحن في عصرنا الإسلام يتهم بأنه ضد المرأة، وأنه لا يعطيها حقوقها، فلماذا لا نساوي بين المرأة والرجل، أليس إذا الرجل قتل المرأة عمدًا يقتص منه، فلماذا إذا قتلها خطأ يدفع نصف الدية.
** هل أحد من العلماء المعاصرين قال بمثل هذا القول؟
أحد الإخوة قدم بحثًا جيدًا في هذا الأمر، وأنا لم أطلع عليه إلا بعد ما كتبت هذا البحث، والشيخ الغزالي له كلام في هذا، وكذلك الشيخ شلتوت، واذكر أننا التقينا في جلسة في عمان مع العلامة الشيخ الزرقا، واعترض على الشيخ الغزالي، وقال له: إنه إذا نظرنا إلى المصلحة نجد أن فاجعة الأسرة بفقد المرأة غير فاجعتها بفقد الرجل، فالرجل هو العائل، وقلت له: يا مولانا أنا أخالفك في هذا مع احترامي لك، إن هذا الاعتبار غير وارد إطلاقًا في قضية الدية؛ لأن دية الطفل مثل دية المرء البالغ، ودية الكناس في الجامعة مثل دية البروفيسور «الأستاذ» أو مدير الجامعة، ودية الأمي مثل دية المثقف، ولا اعتبار لهذا في قضية الدية إطلاقًا.
ولست أنا وحدي الذي اتهم بالشذوذ في الفتاوى، هناك كما أشرنا العالم القطري الشهير الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية، وصاحب الآراء الفقهية والاجتهادات المعروفة التي خالف بها كثيرًا من إخوانه في المملكة العربية السعودية، وله عدد من الفتاوى تعتبر شاذة لعل على رأسها الفتوى الشهيرة بإجازة رمي الجمرات من طلوع الشمس إلى آخر الليل، فهذه فتوى صدرت من حوالي ستين سنة تقريبًا وهاج لها علماء السعودية، والآن فتواه الشاذة أصبح علماء السعودية أنفسهم يفتون بها، وهي التي لجأ إليها الناس حينما وجدنا عددًأ من الناس يسقط قتلى عند مرمى الجمرات.
الراي العام