منوعات

القرضاوي: بعض البنوك الإسلامية تأخذ بالشكليات لا المقاصد

حذر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من أن بعض البنوك الإسلامية باتت سجينة المرابحة، بحيث تشكل 90% من عملياتها، لافتًا إلى أنه ورغم دفاعه عن المرابحة ضد من ينتقدونها، إلا أنه يجب على البنوك أن تنوع أنشطتها.

[ALIGN=CENTER]9182009121314PMyy[/ALIGN]

كما أخذ على بعض البنوك الإسلامية وقوعها أسيرة للعمليات الشكلية، التي لا تراعي مقاصد الشرعية، مشددًا على ضرورة أن تراعي البنوك الأهداف الحقيقية للاقتصاد الإسلامي، والذي وصفه بأنه اقتصاد رباني إنساني أخلاقي تعاوني واقعي.
ونفى القرضاوي تعرض هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية لضغوط من جانب مجالس الإدارات، لكنه لفت لوجود تفاوت من بنك لآخر، فالبعض يتشدد في تتبع الحلال ويدقق في عمليات المراقبة، بينما البعض الآخر يتساهل ويأخذ بالحيل والشكليات.
وتطرق القرضاوي خلال حلقة الأمس من برنامج »فقه الحياة« الذي يستضيف العلامة القرضاوي طوال شهر رمضان على قناة »أنا« الفضائية (تردد 12226 أفقي نايل سات) ويقدمه أكرم كساب، إلى دخول العديد من البنوك الغربية مؤخرًا في مجال المعاملات الإسلامية، معتبرًا ذلك دلالة على قوة البنوك الإسلامية.
……………………………………………………………………………….
** كان لكم دور بارز في ظهور البنوك الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي، فما المقصود بالبنك الإسلامي؟
بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا، وإمامنا، وأسوتنا، وحبيبنا، ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد..
فالبنوك بصفة عامة، هي ميراث من النظام الرأسمالي الاستعماري الذي حكم البلاد الإسلامية، إنجليزيًا كان أو فرنسيًا، أو إسبانيًا، أو إيطاليًا، حتى أن إندونيسيا أكبر بلد إسلامي ابتليت بالاستعمار، حيث استعمرتها هولندا التي كانت خمسة ملايين نسمة بينما إندونيسيا خمسين مليونًا، وهذا الاستعمار حينما دخل البلاد الإسلامية حاول تغريبها، بمعنى أن ينزعها من الشرق وينسبها للغرب، وأهم وسيلة لذلك أن يزيل الشريعة الإسلامية ويحل محلها القوانين الغربية الوضعية، ومن ضمن ذلك أن يزيل الاقتصاد الإسلامي ويحل الاقتصاد الغربي، والبنوك هي من أبرز مظاهر الاقتصاد الغربي.
** هل كانت هناك مظاهر للاقتصاد الإسلامي في فترة الاحتلال؟
قبل الاحتلال كانت الشريعة هي التي تحكم البلاد الإسلامية طوال ثلاثة عشر قرنًا، وبعض الناس يظن أن انحراف الحكام في بعض المراحل التاريخية معناه أن الشريعة ألغيت من بلاد الإسلام، وهذا ليس صحيحًا، وأنا أجبت على هذا في كتابي »تاريخنا المُفترى عليه« وأظهرت أن الإسلام هو الذي كان يحكم هذه البلاد، وهو أساس الفتوى بالنسبة للشعب، وأساس التقنين بالنسبة للحكومات، وأساس القضاء في كل الأشياء: العبادات، والمعاملات، والحياة الزوجية، والأسرية، وكان القضاء الإسلامي هو الذي يحكم، فكانت الشريعة الإسلامية حاكمة، والربا محرمًا، والاحتكار ممنوعًا.
ولما دخل الاستعمار طبق هذه الحياة التغريبية المستوردة وفرضها على المسلمين، وعندما بدأت يقظة إسلامية ظهرت اتجاهات مختلفة أمام مسألة الربا، أو رجس وبلوى الربا التي ابتلي بها المسلمون، فبعض الناس أراد تبرير الواقع؛ بأنه لابد لنا أن نأخذ الحضارة الغربية بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، ومنها البنوك، والبعض الآخر كان موقفه أخف من ذلك، فحاول أن يأخذ هذه الأشياء الغربية كما هي، لكن يعطيها أسانيد إسلامية، فالبنوك الربوية حاولت أن تبرر الربا والفوائد الربوية بأساليب شتى، بعضها قال إن ربا الإنتاج غير ربا الاستهلاك، وبعضها قال إن ربا الجاهلية غير هذا الربا، وبعضهم قال إن الربا المحرم هو الأضعاف المضاعفة وليس خمسة في المائة ولا عشرة في المائة، وبعضهم قال إن ضرورات العصر تلزمنا أن نقبل هذا الواقع.
وبدأ الكثير من علماء المسلمين ومفكريهم يردون على هذه المقولات، ومن هؤلاء الإمام أبو الأعلى المودودي، والعلامة الشيخ محمد عبد الله دراز، والدكتور محمد عبد الله العربي، والشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور عيسى عبده، والأستاذ محمود أبو السعود، والدكتور أحمد النجار، وبعضهم لم يكتف بالرد وتقدم خطوة أكثر للأمام، وقالوا لابد أن نعمل على إيجاد بنوك بلا فائدة، فلا يكفي الرد النظري ولابد من شيء عملي وهو إيجاد البدائل، فكان البديل أن توجد بنوك لا تستخدم الفائدة، وهي البنوك التي سميت »البنوك الإسلامية« وأذكر أني والحمد لله ممن ساهموا في هذا الجانب، وساعد في قيام اتحاد البنوك الإسلامية منذ أوائل السبعينيات، وظهرت البنوك الإسلامية للنور، وقام أول بنك إسلامي تجاري في الإمارات وهو بنك دبي، ثم بنوك فيصل الإسلامية، وبنك التمويل الكويتي، والبنك الأردني، واتسعت البنوك الإسلامية بحيث أصبحت تملأ العالم الإسلامي كله، ووجدنا البنوك الغربية الكبرى قد أنشأت فروعًا لها تستعمل المنتجات المالية الإسلامية.
رأسمالية متوحشة
** لكن البعض يقول إنه ليس هناك اقتصاد دون فائدة، أو دون وجود الربا؟
الربا في حقيقته أن القوي يستخدم الضعيف لمصلحته، فصاحب المال يكسب دائمًا، الذي معه ألف بعد عام تصير ألفًا ومائة، بعد سنة صارت ألفًا ومائتين وخمسين وهكذا، فلا ينقص مال حسب النظام الرأسمالي الربوي، لأن صاحب المال يزيد دائمًا والفقير يزداد فقرًا.
فتحريم الربا هو انتصار للفئات الضعيفة ضد الفئات القوية، ولذلك كل الأديان حرمت الربا، حتى القرآن يعيب على اليهود (أَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ)، واليهود في توراتهم التي نعتبرها محرفة يجيزون لليهودي أن يتعامل مع غير اليهودي بالربا، أما مع اليهودي فلا يجوز له أن يتعامل بالربا، أي يكيل بمكيالين، لكن الإسلام يقول الربا: لا، الربا حرام حتى على اليهود، فالقرآن قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، وهو لم يقل في أية معصية كما قال في هذا؛ لأنها قائمة على الظلم، ولذلك في آخر الآية (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ).
والنظام الرأسمالي المتوحش يقوم على امتصاص الأقوياء للضعفاء، وأساسه أمران هما: الربا والاحتكار، وكلاهما حرمه الله، فالإسلام حرم الربا، ولعن آكله وكاتبه وشاهديه، وهكذا فلسفة الإسلام في حصار المنكر بحيث يضعه في أضيق نطاق، فكل ما يساعد على الربا حتى كتابة العقد، حتى الشهادة عليه حرام.
والإسلام اهتم بأمر الاقتصاد، لأنه عصب الحياة، والقرآن أشار إلى هذا (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماًً) بمعنى تقوم بها معايشكم وحياتكم، وأطول آية في القرآن نزلت في شأن مالي واقتصادي، والفقهاء والأصوليون جعلوا حفظ المال من الأصول الخمسة الأساسية التي قامت الشريعة للمحافظة عليها، وفي الاقتصاد الإسلامي أمران أساسيان، أمر في جانب النهي وهو الربا، وأمر في جانب الإيجاب وهو الزكاة، التي تحافظ على الفئات الضعيفة حتى لا تضيع في المجتمع، وتداس ولا تصل إليها حقوقها، وجعل ذلك ركنًا من أركان الإسلام، والزكاة يجب أن تؤخذ طوعًا وإلا أخذت كرهًا، ولو تجمع الناس على منعها قوتلوا.
** أشرتم في بعض كتبكم إلى أن الدولة الإسلامية أول من شن حربًا في التاريخ من أجل الفقراء؟
نعم، أول دولة تشن الحرب من أجل حقوق الفقراء، وانتزاع هذه الحقوق من براثن الأغنياء هي الدولة الإسلامية، والخليفة الراشد أبوبكر الصديق قال: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه«، فمن أجل هذا عُني الإسلام بالاقتصاد، وأقامه على قواعد عادلة، فهو لا يقوم على المال وحده، إنما مرد المال هو الجهد والعمل، وكل الناس لابد أن تعمل حتى صاحب المال؛ إما أن تعمل بمالك بنفسك أي تتاجر فيه، أو تشارك غيرك، ومعنى شاركت غيرك أن تتحمل المخاطرة معه، لكن أن يكون صاحب المال له الغنم دائمًا وأنا علي الغرم، فذلك لا يجوز، إنما إذا ربحنا نربح معًا وإذا خسرنا نخسر معًا، وإذا خسرنا في المشروع صاحب المال يخسر ماله وصاحب الجهد يخسر جهده.
اقتصاد رباني أخلاقي
** تقصدون أن الاقتصاد الإسلامي فيه ميزات تجعله متميزًا عن غيره من الاقتصادات؟
نعم، الاقتصاد الإسلامي، متميز في أمور كثيرة فهو اقتصاد رباني إنساني، تعاوني، أخلاقي، واقعي، وهو رباني لأنه يقوم على فكرة أن الإنسان مستخلف في مال الله، وأن منشئ المال الحقيقي هو الله ـ عز وجل ـ (آتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)، فالإنسان مستخلف، بمعنى أمين الصندوق أو أمين خزنة، إنما صاحب الخزنة هو الله، وما دام الإنسان يعمل في مال لله، فيجب أن يراعي ما لا يحبه صاحب هذا المال، ويراعي إرشاداته وتعليماته.
** وماذا تقصدون بأنه اقتصاد أخلاقي؟
الاقتصاد الوضعي يقول إن الاقتصاد ليست له صلة بالدين ولا بالأخلاق، فالاقتصاد هو الاقتصاد، ولا ينبغي أن يدخل فيه شيء آخر، فإدخال الأخلاق عليه مرفوض، ولكن في الإسلام العلم يجب أن يتقيد بالأخلاق، والسلوك يجب أن يتقيد بالأخلاق، والسياسة يجب أن تتقيد بالأخلاق، والحرب يجب أن تتقيد بالأخلاق، والاقتصاد يجب أن يتقيد بالأخلاق.
وهذا ما أشار إليه بعض الكُتاب الفرنسيين الذين بحثوا في الإسلام والتنمية الاقتصادية، وقالوا إن من مزايا هذا الاقتصاد أنه اقتصاد يتقيد بالقيم الأخلاقية، وأنا لي كتاب كبير اسمه »دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي«؛ لأن القيم والأخلاق تدخل في الإنتاج والاستهلاك والتداول والتوزيع، فالاقتصاد الإسلامي ليس سائبًا يفعل الإنسان فيه ما يريد.
وهو أيضًا اقتصاد إنساني؛ لأن الإنسان وسيلته والإنسان هدفه، بينما الرأسمالية لا تبالي بالإنسان في سبيل تحقيق الربح لأصحاب المال، ويداس الإنسان وكرامته وحريته من أجل الرأسماليين، بل في الشيوعية أيضًا فإنه من أجل الإنتاج الكبير يصبح الفرد كأنه ترس في دولاب كبير أو ماكينة كبيرة، فلا يُبالي بحريته ولا بفطرته ولا بكرامته، بينما الاقتصاد الإسلامي يراعى ذلك، وذلك معنى أنه اقتصاد إنساني.
أما الواقعية فتعني أننا لا نتعامل مع الأوراق فقط، حتى ولو لم يكن لها رصيد من الواقع، وذلك ما سبّب الأزمة المالية الخطيرة والكبيرة والتي أدت إلى ما أدت إليه من اضطراب في العالم كله، حيث إنهم كانوا يتعاملون مع الأوراق فقط، بينما يشدد فقهاء الإسلام في صحة المعاملة على أن يكون هناك رأسمال، فهذا هو الاقتصاد الذي يقدمه المسلمون للعالم، وهو نظام محكم، قائم على العدالة المنضبطة، التي ينظمها فقه أصيل يقوم عليه علماء يعرفون الشرع ويعرفون الواقع.
** ما الفرق بين البنك التقليدي والبنك الإسلامي، وكيف يفرق الفرد العادي بين هذا وذاك؟
البنك التقليدي يقوم أساسًا على الربا، وهو عبارة عن مستقرض ومقرض، وعمله أن يأخذ المال من أناس ويعطيهم عشرة في المائة، وأناس آخرين يأخذون منه الفلوس ويعطونه ثلاثة عشر في المائة، والنسبة بين العشرة والثلاثة عشر هى ربح البنك.
فالبنك هو المرابي الأكبر، وهذا عمله، وحتى أوراق البنوك تجد فيها البنك دائنًا ومدينًا، وبعض الناس يحاولون تحريف عمل البنك، يقولون إن البنك يضارب، لكن البنك لا يضارب ولا يتاجر، وحتى لو سُمح له بالتجارة، يسمح له بنسبة بسيطة جدًّا، إنما هو في الأساس مستقرض ومقرض.
وفي المقابل فإن البنك الإسلامي يقوم على أساس الالتزام التام بأحكام الشريعة الإسلامية في كل معاملاته، فليس الربا فقط هو المحرم، فالغرر وهو نوع من القمار أو الميسر أيضا محرم، والاحتكار محرم، والغش محرم، وبيع الأشياء المحرمة محرم، ولا يجوز للبنك الإسلامي أن يتعامل بها، وقانونه الأساسي مبني على أنه يلتزم بأحكام الشريعة في كل معاملاته، ومن هنا وجدت في كل بنك من البنوك هيئة للرقابة الشرعية.
** لكن هناك بعض المستثمرين يتخوفون من استثمار أموالهم في البنوك الإسلامية، وحجتهم هشاشة الوضع القانوني بالنسبة للبنوك الإسلامية؟
هذا ليس صحيحًا، كيف يكون الوضع القانوني هشًا؟ سأضرب لك مثلاً ببنك فيصل الإسلامي المصري، فهو بنك صدر قانون به، ووافق عليه مجلس الشعب المصري، ووضعه القانوني سليم تمامًا، كذلك مصرف قطر الإسلامي، وضعه القانوني سليم، وله صلة بالبنك المركزي ويعمل تحت إشراف الدولة، وكل البنوك الإسلامية يشرف عليها البنك المركزي.
قصة بنك التقوى
** فماذا عن »بنك التقوى« فهو بنك إسلامي وكانت له هيئة رقابة شرعية، لكن فجأة قامت الدنيا ولم تقعد بالنسبة له؟
هذا البنك حدثت له ظروف غير عادية، ولكنه ظل عدة سنين البنك الأول في سلامة المعاملات، حيث إنه لم يدخل في سوق المستقبليات، ولم يدخل في سوق السلع والمعادن، ولم يستعمل المرابحات، لأن بعض الناس لهم عليها ملاحظات واعتراضات، وإن كنت دافعت عنها، وألفت كتابًا في هذا، وكان بنك التقوى أحسن بنك يعطي أرباحًا لمستثمريه، وأنا كنت أحد المستثمرين ورئيس هيئة الرقابة الشرعية، ولكن البنوك الإسلامية قامت على أساس الربح والخسارة، بينما البنك الربوي لا يخسر؛ لأنه يأخذ فلوس بكذا ويعطيها بكذا، والفرق بيأخذه، لا يخسر.
إنما الذي يتاجر ويعمل ولا يتعامل في المرابحات والأشياء شبه المضمونة مثل بنك التقوى، فإنه معرض للخسارة، وقد دخل البنك في هذه الأشياء، ثم جاءت أزمة بلاد الشرق الأقصى، ماليزيا، وإندونيسيا، وحدثت لها أزمة كبيرة، وكان البنك في ذلك الوقت متورطًا في أعمال كبيرة وبعض الشركات خسرت وضاعت، وسبب ذلك أزمة للبنك، وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فازداد الوضع سوءًا على سوء.
** إذا كان البنك الربوي يقوم على الاقتراض، فما المنتجات التي يستخدمها البنك الإسلامي؟
منتجات كثيرة، فالبنك الإسلامي عنده الشركات، ويدخل في مضاربات بأموال المساهمين والمودعين، ويدخل في مشروعات أخرى، ويبيع ويشتري، ويتاجر خصوصًا مثل بنك التقوى، وهناك أيضا المرابحة، وإن كانت البنوك الإسلامية قد غرقت في المرابحة وأخذت منها حيزًا كبيرًا جدًّا، حيث إن بعض البنوك أكثر من تسعين في المائة من أعمالها في المرابحة، وأنا ممن دافعوا عن المرابحة أمام الذين هاجموها، ولكن حذرت البنوك الإسلامية من أن تكون سجينة المرابحة، فلا ينبغي أن تستحوذ على معظم معاملاتها، وإنما يجب أن تفتح الأبواب أمام المعاملات الأخرى.
** ما تعليقكم على قرار مجمع البحوث الإسلامية في مصر، والذي خرج بإباحة فوائد البنوك؟
هذا موضوع خضناه، حينما أخرج مفتي مصر الدكتور محمد سيد طنطاوي، حينما كان مفتيًا، كتابًا يبيح فوائد البنوك، باسم معاملات البنوك، ويخرجها تخريجًا لا يقره عليه علماء المسلمين، وأنا رددت عليه في كتاب معروف اسمه »فوائد البنوك هي الربا الحرام« ذلك رغم ما كان بيني وبينه من مودة من قديم، إلا أنه لا مجاملة في الحق، والحق أحق أن يتبع، خصوصًا في الأمور التي تمس حياة الناس، وتمس دينهم، فكان لابد أن نبين الحلال من الحرام في هذه القضية.
وشاركني في هذا عشرات ومئات العلماء، وقرارات المجامع الفقهية، مثل المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، والمجمع الفقهي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، ومؤتمرات المصارف الإسلامية، وهيئات الرقابة الشرعية وندوات اقتصادية، كل هؤلاء وقفوا ضد ذلك.
الأصل أم الفرع؟
** في الآونة الأخيرة أصبح للبنوك الإسلامية رواج، حيث فتحت البنوك العادية نوافذ أو فروعًا للمعاملات الإسلامية، فما رأيكم في هذا الأمر؟
الغربيون يرصدون ما يجري في العالم الإسلامي، وهناك أجهزة رصد حساسة، ترصد الاقتصاد والسياسة والثقافة، فوجدوا أن البنوك الإسلامية أصبح فيها عشرات المليارات فقالوا هل نترك ذلك للمسلمين وحدهم أم ندخل في هذه الأشياء حتى نكسب معهم، ونرى ماذا يريدون ونفعله لهم ، يريدون مرابحة نعمل مرابحة، إيجارة منتهية بالتمليك نعمل إيجارة منتهية بالتمليك، وهكذا دخلت البنوك الأمريكية والأوروبية في المعاملات الإسلامية، وأنشأت فروعًا ونوافذ في البلاد الإسلامية، كما أن بعض البنوك المحلية أيضًا فتحت هذه النوافذ.
** ما حكم التعامل مع هذه الفروع؟
هذا يطمئننا أن البنوك الإسلامية قوية، وليست هشة كما يزعم البعض، فلو كانت هشة ما دخلت فيها هذه البنوك، فالآن البنوك الإسلامية تتسع أعدادها بقوة، وتتجمع فيها أموال ضخمة جدًّا، وزادت قوتها في الأزمة الأخيرة؛ لأن البنوك الإسلامية لم يصبها شيء في الأزمة، وظلت محتفظة بقوتها، ربما المعاملات قلت بعض الشيء في بعض الأشياء والأسواق، وإنما البنوك بهيكلها وبأصولها، وبرأسمالها، وبقوتها المادية والمعنوية، راسخة القدم والحمد لله.
وإذا كان الإنسان يفاضل ويوازن في التعامل بين البنك الإسلامي الأصلي أم الفرع الإسلامي لبنك ربوي، فأنا أرى أن التعامل مع البنك الإسلامي الأصلي أولى، لماذا؟ لأن الميزانية في البنك الربوي واحدة، فميزانية الفرع هي ميزانية الأصل، ولا تكاد تختلف، وإن كانت بعض البنوك لها خصوصية مثل بنك قطر الوطني الإسلامي، حيث أعطوا له ميزانية خاصة، وهكذا فإن الإنسان يتعامل مع الأصل، إلا إذا اطمأن إلى قوة الفرع، وأنه أصبحت له أصالة ورسوخ في الجانب الشرعي، فلا مانع من أن يتعامل معه.
هيئات الرقابة
** هل ترى أن هيئات الرقابة الشرعية، التي تقوم عليها البنوك الإسلامية، تقوم بالدور المنوط بها؟
في وقت من الأوقات كنت رئيسًا لهيئة الرقابة في حوالي تسعة أو عشرة بنوك إسلامية، والحقيقة أن البنوك تختلف بعضها عن بعض، فهناك بنوك حريصة على تحري الحلال، وتتشدد في هذا، وتقول لهيئة الرقابة لا نريد أن نأكل مالاً حرامًا، وهذه لم تكتف بالرقابة الشرعية العامة، وإنما أحدثت شيئًا اسمه الرقابة الشرعية الداخلية، أي التدقيق الشرعي الداخلي، حيث تنظر في المعاملات اليومية، وترى ماذا فيها من خلل أو أخطاء أو عيوب تطبيقية، وترفعها لهيئة الرقابة العامة.
لكن لا نستطيع أن نقول إن كل البنوك هكذا، فبعض إخواننا من علماء البنوك متساهلون وبعضهم يفتون فيما يسمونه التسهيل أو التيسير، والمرابحة العكسية، والتورق المنظم، وأنا ضد هذا الاتجاه، فتوريق البنوك معظمه قائم على السلعة والمعادن، وهي عملية شكلية ليس فيها سلعة ولا معدن، ومن سنين دعت ندوة البركة الاقتصادية للوقوف ضد هذا التوجه، وكنت ضمن عدد من العلماء الذين وقفوا ضد أن تسيطر الشكلية على البنوك الإسلامية.
** هل هناك ضغوط تتعرض لها هيئات الرقابة الشرعية؟
نحن نعتبر أن الشرع مبني على مقاصد، والمقاصد ليست شيئًا على هامش الشرع، فهي أساس الشرع، فمن لم يعتبر المقاصد واعتبر الشكليات أو أجاز الحيل فهو يخالف الشرع، وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم أوسعا القول في عملية محاربة الحيل، وأكدا أنها ضد الشرع وضد سد الذرائع وضد المقاصد، وبعض الأحيان البنوك الإسلامية وقعت أسيرة الشكليات، رغم أنها ضد مقصد الشرع الإسلامي والاقتصاد الإسلامي، وهذا ما أحذر منه ولهذا بدأ الفقه الشكليات وفقه الحيل هذا، يجد مقاومة قوية، حتى أن مجمع الفقه الإسلامي الذي عقد أخيرًا في إمارة الشارقة أصدر قرارًا يحرم فيه هذه الأشياء مثل التورق المنظم، ويوجب العمل بمقاصد الشرع، وتحقيق الأهداف الحقيقية للاقتصاد الإسلامي، وهذا ما أتمناه وأنادي به وأرى أنه لا سبيل لإنقاذ الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية إلا بهذا الاتجاه.
** هل تلاحظون أن ضغوطًًا ما تلاحق بعض الهيئات للتيسير أو التخفيف أو مجارة الأمر الواقع؟
لا، لم ألحظ ذلك، وإنما لاحظت العكس بعض رؤساء مجالس الإدارة في البنوك، يقولون نحن نريد أن نأكل مالاً حلالاً، نعم نريد أن نربح ولكن ربحًا حلالاً، وعلماء الرقابة الشرعية هم المسئولون أولاً وأخيرًا عن هذا الأمر.

المصدر: الرأي العام