أمينة الفضل

موت بت المنا

[ALIGN=CENTER]حكاوي عن الشخوص والأمكنة
موت بت المنا
[/ALIGN]
كنت لاأزال صغيرة العب ببنات القصب وحيوانات الطين التي نصنعها في الخريف، كانت لدينا كراتين صغيرة نضع بها مستلزماتنا من الألعاب، بقايا الأقمشة التي نأتي بها من الترزية، علب الصلصة الصغيرة التي كنا نصنع فيها الطعام، وبعض الطوب المتكسر وقصب مُعد لصناعة الدمى وصناديق السجاير الفارغة التي كنا نستخدمها كحقائب لوضع ملابس الدمى وورق السجاير اللامع الذي كنا نتفنن في صنعه كملابس مناسبات لبنات ام لِعاب كما يطلقون عليها في الريف، حتى الكرتونة كانت عبارة عن ديكور منزلي بنوافذها وابوابها ومقاعدها وعناقريبها، كنا نقوم بصناعة الكسرة وطهو الطعام من البقايا التي يجود بها علينا الأهل اثناء عملهم، كنا نتلذذ بإلتهام هذا الطعام الذي اجتهدنا في صنعه بحلل علب الصلصة.
أذكر في ذلك اليوم ونحن نجتهد في اللعب تسامع الينا صوت نواح غريب إقشعر بدني(وشعرة جلدي كلبت) وسقطت حلة ملاحي من يدي(علبة الصلصة) وهرولت وبقية صويحباتي نحو الصوت، وقبل ان ندلف لداخل حوش ناس السارة، هبطت علي كتفي يد قوية وجرتني للخارج (جارية وين آشافعة سوقي معاك المقاصيف ديل وامشن كوركن لناس التومة قولي ليها خالتك بت المنا تعبانة للموت يا تلحقيها يا ما تلحقيها) سالتها دايرة تموت يعني شنو، أجابتني بنهرة( الموت ماك عارفاهو؟؟ الموت يابتي البشيلو ما بجي تاني) سالتها وانا اتراجع للوراء( يعني الموت دا زي البعاتي) ردت وهي تهرول خلفي( يا شافعة البعاتي اللياكلك، فوتي كوركي للمرة دي قبال خراج الروح) هرولت من أمامها وحبات العرق تتساقط من وجهي وبقية جسمي وانا اتذكر حديثها حول الموت البشيل الناس وما بجو راجعين تاني، وصلت بعد جهد لمنزل ناس التومة،،، والتومة قريبتنا كما بقية الحلة ويقبع بيتها أقصى شمال القرية وهي إمرأة مليحة ذات شلوخ رقيقة ولها شعر طويل ممشط وضفيرتين اماميتين تجتهد في مسحهما بدهن الكركار ذكي الرائحة كانت التومة تميل للراحة رغم عملها المتواصل لكنها بين الفينة والأخرى تستلقي على عنقريبها منتصف راكوبتها الظليلة لتاخذ قسطاً من الراحة وتمارس عادتها الأثيرة في ندب حظها الذي جعلها تتعب هذا التعب والشقاء الذي ما كان ليكتب لها لولا انها وافقت على الزواج من بله( أحي آآبنات امي الما قاعدات حِداي، تعالن شوفن شقاوة خيتكن وبشتنتها البقت عليها) دخلت عليها وأنفاسي تتلاحق ( التومة قالوا ليك بت المنا دايرة تموت تعالي بسراع) وقبل ان اختم حديثي واسألها عن البعاتي والموت صرخت وأخذت ثوبها وسبقتني الى بيت البكاء وهي توصف( الليلة كر علي والليلة وآآآمري ووداري الحقني آآآبنات امي،، حليلك آآآبت المنا آآخالتي الطيبة وكريمة وماك لئيمة) وكنت في قرارة نفسي ادري ان هناك خلافاً شديداً وقع بين التومة وبت المنا وتبادلن فيه الشتائم وتطور ليكون عراكاً باليد لولا تدخل الأجاويد،، لكنني صمت تماماً وانا اسمع بكاء التومة على فراق بت المنا التي لم يقعدها المرض سوى ايام قليلة فقبل ان تموت بإسبوع كانت في الغابة تحتطب وتذهب للنهر لجلب الماء وتشارك في عيادة المرضى، لكنها الآن أضحت لاتتحرك،،،مشكلة التومة وبت المنا سمع بها كل اهل القرية فبت المنا خالة التومة لكنها تقاربها سناً ولذا كانتا اقرب للصديقات لكن خلافهن باعد المسافة بينهن والسبب سناء بت التومة التي رفضت مصطفي بعد دخولها للجامعة فكانت سابقة في تلك القرية،،،، تسحبت بهدوء نحو النافذة وأزحت نملي النافذة ( شبك رقيق) بيدي واسترقت النظر، رأيت غطاء ابيض ملتف بجسد بت المنا ولايظهر منها شئ وبعض الرجال والنساء يحكمون ربط هذا الغطاء عند الأقدام والرأس،، تراجعت للوراء وانا ارتجف،، هل هذا هو الموت ولماذا يرتدي الناس هذا الكساء الأبيض، ولماذا يقبع طشت الغسيل في الداخل وماذا يوجد داخل هذه الجرادل الكثيرة ولماذا فُرش هذا البرش الجديد والزاهي الألوان في هذا العنقريب، ولماذا لاتتحرك بت المنا قريبتنا المرأة القوية التي تسيطر على مجالس الونسة وتحل المشاكل الا مشكلتها مع التومة والتي رفضت فيها الوساطة ولم تحل الا بعد تدخل زوجها وحلفه بالطلاق ان هي لم تتصالح مع التومة، فرضخت مكرهة للأمر، كانت متخشبة يقلبونها يميناً وشمالاً وهي لاتتحرك او تتحدث او تحتج، وأنا اتراجع للوراء إصطدمت بعود مدفون في الأرض فوقعت محدثة صرخة مدوية بعد إصطدام رأسي بالحائط،،( أمي نور اللمبة دي مالو عامل كدا) ( عامل كيف يعني؟) (شوية يعني خفيف) ضحكت امي وقالت لي( قولي بسم الله يا بتي حمد لله على السلامة هاك اشربي الليمون دا) أجبتها ( ما دايرة كمون والواقف دا منو) اجابت امي وهي تضحك منتصف الليل( دي انا امك ودي موية ليمون ما كمون، الوقعة دي سوت ليك شنو يا بتي؟) تناولت عصير الليمون جرعة جرعة وانا اتذكر احداث هذا اليوم، فبعد ان وقعت على الأرض وبعد تلك الصرخة المدوية دخلت في إغماءة طويلة لم يفلح معها البصل او الماء او الصفعات المتتالية على الوجه فتم استدعاء الطبيب الذي أعطاني حقنة وكمية من الأدوية بعد علاج جُرحي من أثر العود ،،، سألت امي( يا امي صحي البعاتي شال بت المنا؟) ردت متعجبة ( بعاتي شنو يا بت في الليل دا القال ليك الكلام دا منو؟) نسيت ان اذكر خوف امي من سيرة البعاعيت والضفادع وغيرها من الأشياء المخيفة والتي تُصدر أصواتاً غريبة بالليل( طيب بت المنا قبيل كانوا مودنها وين وليه ما كانت بتتكلم) أجابت امي بنفاذ صبر والوقت منتصف الليل ( مشو يدفنوها يا بتي في المقابر النبي عليك اسكتي وخلاص نومي) ( يدفنوها كيف يعني تحت الواطة؟) ( آآي يا بتي الجنازة لمن يشيلوها بودوها المقابر ويحفروا ليها ويدفنوها) ( لييه،،،،؟) نفذ صبر امي وهي ترد على سؤالي ( عشان ما تجي راجعة تاني)( يعني الزول لمن يموت بجي تاني يا امي) ( آآآي بجي بعاتي) صرخت ولذت بامي التي شعرت بالخوف من ردها علي، واحكمت تغطيتي واستقبلت الحائط لأنام وانا اتصبب عرقاً واسمع ضربات قلبي في ذلك الليل،،، لكن لم ياتيني نوم وانا استرجع في شريط مراسم تكفين بت المنا المرأة القوية والمرحة والتي كانت تحب الحياة وتكره الموت،، وأسأل نفسي هل ستأتي بت المنا من المقابر بعاتية وكيف سيكون شكلها وهل ستقوم بإختطاف الأطفال وأكلهم،،، أحسست ان عظامي وأسناني تصطك ببعضها وانا اسحب الغطاء وأحكمه جيداً حتى لايتحرك وفجاة شعرت بأن هناك يدُ تسحب عني الغطاء وانا اتمسك به لكن اليد كانت قوية وسريعة إستطاعت سحب الغطاء فصرخت بأعلى صوتي ( الحقيني يا امي بت المنا جاتني بعاتية) فضحكت عمتي وقالت لي ( أصبحتي كيفن من وقعة امس آآبنيتي)… منذ ذلك اليوم وانا اخاف الموت واربط بينه وبين صورة البعاتي المخيفة والتي لم ارها لكنني اتخيلها عندما تبدأ احاجي المساء التي تحكيها جدتي

حكاوي عن الشخوص والأمكنة
aminafadol@gmail.com

‫14 تعليقات

  1. وان كانت سيرة الموت دايمآ الناس تاباها . رغم مافيها من عظه وتنبيه الا انها اليوم وبسردك الممتع الذى عودتينا به تقبلته النفس باريحيه والاروع كان الاسلوب والوصف لمجريات الموضوع ،، ملحق : كنا نامل فى تكمله للموضوع السابق بتاع ( اللورى) باجزاء اضافيه ونثق فى قدرتك على ذلك ، ياريت ياريت ، ولك التحيه والتقدير

  2. أول مره أقرأ لك مقال…
    حسيت كلامك متسلسل..وطويل..أتمنى يكون على شكل فقرات لتجنب الملل ويجزب القارئ…..
    زي مقالات الساحرة ست الصحافة أم البنفسج”منو بنت سليمان”….

  3. الاستاذة الفاضلة امينة تحياتي لك ولقراء عمود الحكاوي
    سؤال حيرني منذ الصغر وهو ماالذي يفعله البعاتي هذا حتى يستحوذ منا عى كل هذه المهابة فنحن ومنذ الصغر نخشى هذا المخلوق الذي لم يره احد قط اكثر من اي شئ الاخر (الشيطان ولا البعاتي) ولكن المدافعين عن وجود هذا المخلوق يملكون دوما اجابة لكل تساؤل عنه فقالوا انه يدغدغ الانسان ويضحكه حتى الموت وكنا قد ظنناان البعاتي قد اختفى وسط زحام المدينة لولا انه قبل سنين بسيطة وفي الالفية الثالثة ظهرت اشاعه مفادها ان بعاتيا مخيفا قد ظهر في قلب العاصمة وراينا ناس الخرطوم الذين بسكنون( محل الرئيس ينوم والطائرة تقوم) وقد تملكهم الخوف والرعب وهم الذين كانوا دوما يصفون اهل الارياف بالتخلف والخرافات وقد راينا باعيننا الرماد الطارد للبعاتي وهو مسكوب على ابواب العمارات من شارع واحد حتى شارع واحد وستين,ودمتم

  4. قصه حلوه ومشوقه .لكن فيها بعض المبالغات يعني حكاية استدعاء الطبيب دى شويه كده كتيره على زمنكم داك .

  5. 😉 حكاياتك جميلة وماشاء الله عليكى ربنا يزيد ك اكتر واكتر يا بنت الفضل
    والله انا واحد من المتابعين لى حكاويكى وبتخلى الواحد يعيش الحظات معاها كانك فى الواقع الحقيقى فى تلك اللحظات
    ولكى الشكر والتقدير

  6. والله حيرتيني يأمينه الفضل
    انا ابكي اضحك ماعارف
    والله يرحم بت المينا

    😉 😀 😀 😀 😀 😀 😀 😀 😉

    اوزي ماقاليك ابو الفاضل الحقينا ابت بلوري3 سرعي ماتتاخري

  7. البداية كانت جميلة وجاذبة بواقعيتها ولكن تعطلت مزايا اللوحة برسمها السريع والمتلاحق متخطية أسباب واماكن وساحات واهمها سبب الخلاف بين التومة وبت المنا ولا يعقل ان تتكلمي في زمن طفولتك والراكوبة والشعبة والطشت أن يكون سبب المشاكل دخول بت التومة الجامعية وانتي تعلمين ان جامعة الخرطوم كانت الوحيدة وقتها !!!
    مواصلتك في حكاية اللوري كانت لها نكهة ولا أدري لماذا هذا الانعطاف السريع الي أمكنة وشخوص في حكاية لم تكتمل فصولها كما ينبغي !!

    مازلنا متابعين …

  8. ياجماعة الخير انتو بتحبو الحكاوي بس ؟؟ مابتعلقوا علي المواضيع الثانية ليه ؟؟
    عايزين نعرف رأيكم فيما يدور من احداث تهمكم وتهم بلدكم .. هذا مع اجابي الشدييد
    جدا أنا وناس البيت بالمنينة وبت الفضل .. يلا منتظرين أراءكم خاصة وان هنالك نجم
    جديد في سماء النيلين .. لكم التحية وعذرا عشان دخلت شمال …

  9. احييك يا(أم ندى) ومايهمك خشى بس يمين وشمال ورشى فى طريقنا جمال. لكن المواضيع ما كتيره يا أم ندى حددى ليك موضوع وجماعة الخير جاهزين.

  10. الاستاذة بت الفضل تحية وسلام من الله عليك :
    لا أسكت الله لك حسّاً.افتقدنا اشخاصك امكنتك الروائع نحن في انتظارك لتقلينا الى ربوعنا الحبيبة فانتي تنقلي الينا ريفنا الحبيب الى داخل مدننا ذات الصخب والضجيج فهذه الامكنة ومن خلال حكاياتك الرائعة تسري عن النفس وتنتزعهامن وسط مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والتي نحتاج لسويعات مع امثالكنستريح فيها لنعود اليها ونحن اكثر وعيا والقا فنحن دوما في حاجة لمن يذكرنا باننا بشر ومن مكان اسمه السودان يضم الجزيرة وكردفان ثم كسلا وبورتسودان والدمازين والمابان والفاشر وامدرمان وشندي وشيكان وكل انسان ميسر لما خلق له يا أخت ام ندى …وبت الفضل تخدم هذا الوطن ولكن على طريقتها التي تجيدها فنحن لدينا حوالي 53 مليون سياسي يكون جيدا لو قلصنا عددهم واحد ولنبدا ببنت الفضل ولك العتبى ام ندى حتى ترضين

  11. عذرا فقد ورد في تعليقي الرقم 53 مليون وهو حقيقة 35 مليون فنحن بالكاد نبلغ الاربعين مليونا حسب آخر تعداد يتغالط فيه ناس الحركة والحكومة مما يذكرني بالرجال البلهاء يعدهم واحد منهم وينسى نفسه في القصة المشهورة ومعذرة للخطا ومعذرة لهذه( التخريمة) السياسية ولكن الشئ بالشئ يذكر ودمتم

  12. التحية لك ايتها الاستاذه الفاضلة ولى حكاوي الشخوص والامكنه التي امتعتينا بها كثيرا
    وانا اتنقل بين اسطر احرفك رجعت بي الزاكره الى قريتي الحبيبه تحت شجر النيم في اي موقع في الفريق تتجمع كل الفتيات الصغيرات لصنع الطعام في علب الصلصة وصنع العرائس من القصب الذى نبحث عنة فى اي زريبة بهايم وكذلك صنع كراسيهن من اغطية زجاج البارد&الفل*
    يا لتلك الايام الجميلة00000;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;(

شاهد أيضاً
إغلاق