محمود الدنعو

عودة الخضر


[JUSTIFY]
عودة الخضر

لست بصدد الحديث هنا عن عودة الخضر من بعيد عقب الخسارة الأولى أمام بلجيكا، فذاك شأن فني بحت، ولكنني بصدد الحديث عن عودة الخضر إلى الجزائر عصر أمس الأول الأربعاء، ومنذ أن وطأت أقدام الأبطال أرض مطار بومدين تحولت الجزائر العاصمة إلى مرجل يغلي بالهتافات التي تعلي من شأن الوطن وتكرِّم الأبطال، أعلم أن الجمهور الجزائري يعشق منتخب بلاده حد الجنون، وعشنا في السودان مشهداً حياً لذلك الجنون في المباراة الفاصلة بين الجزائر ومصر لنيل بطاقة المشاركة في مونديل جنوب أفريقيا 2010 التي ظفر بها الخضر في ملحمة تاريخية، ولكن ما شاهدته منقولاً على الهواء مباشرة على الفضائيات الجزائرية عصر الأربعاء شيء مذهل. وأراهن رهاناً غير خاسر أن من سيفوز بكأس البطولة التي تدخل اليوم مراحلها الحاسمة ببدء مباريات ربع النهائي لن ينال استقبالاً مثل الذي وجده لاعبو منتخب الجزائر الذين فقط حققوا إنجاز الصعود إلى دور الستة عشر، وخسروا بشرف أمام ألمانيا، ولو أن المنتخب الألماني عاد في تلك الليلة المشؤومة إلى بلاده لما وجد لاعبو المانشافت ذات الاستقبال.
هذا الاحتفاء غير المسبوق، وهذا الحب الجارف من جمهور مهووس بكرة القدم في تقديري هو السر وراء البسالة التي خاض بها محاربو الصحراء مباراتهم الملحمية أمام ألمانيا، ومن شاهد الملايين الهادرة في شوارع الجزائر العاصمة، وهي تلوح بشارات النصر وتهتف باسم الجزائر وبالرضا عن ما قدمه منتخبهم، يستطيع أن يفسر كيف كان سفيان فرغولي ينزف دماً وهو يركض على أرض المعركة، وكيف كان حارس المرمى الجزائري رايس وهاب مبولحي يذود عن مرماه ببسالة، ليس كحارس مرمى في مبارة كرة قدم عادية بل حارس قلعة حصينة لإمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، من شاهد الملايين الهادرة في شوارع الجزائر يدرك، لماذا ذرف البوسني وحيد خليلودزيتش مدرب الخضر الدمع السخين بالملعب بمجرد إعلان الحكم صافرة النهاية لملحمة الجزائر ضد ألمانيا، لأنه عرف ما قيمة أن يواصل منتخبه في المنافسة بالنسبة لهذه الملايين المتعطشة للنصر.
الحالة الجزائرية مع التأكيد على خصوصيتها، فهي انعكاس حقيقي للواقع العربي العام الذي بات يتوسل النصر بعد سلسلة الانكسارات والخيبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يتوسل إليه في الرياضة، وبالتالي بدلاً عن الخضر أسموهم محاربي الصحراء وحولوا الملاعب الخضراء التي تنزل إليها المنتخبات الأخرى للتحدي والاستمتاع إلى ساحات معارك تخوضها منتخباتنا العربية بدوافع الثار حيناً وإثبات الذات أحياناً أخرى، فتظهر القوة وتتراجع فنيات ومتعة كرة القدم، ويعلق الجمهور آمالاً عراضاً في مبارة تحتمل الفوز والخسارة هي بالنسبة لديه موت أو حياة!

[/JUSTIFY]

العالم الآن – صحيفة اليوم التالي