محمود الدنعو

نعمة المطر ونقمة الرعاة


[JUSTIFY]
نعمة المطر ونقمة الرعاة

يحكى أن الدعاء “جعلها الله أمطار خير وبركة وعم بنفعها البلاد”، يدلل على القيمة العظيمة لنعمة الأمطار، فالخير تأتي به الأمطار زراعة وإثمارا وإشباعا، والبركة تأتي بها الأمطار آمنا وأمانا وشكرا لله واهب الخيرات. بيد أن هذا الخير وهذه النعمة واهبة النماء والاستمرار إن لم تقابل بما يستوجب (العمل) و(التعقل من عقلها وتوكل) فإنها تتحول إلى نقمة، والخير يتحول إلى كارثة، والأمن يتحول إلى خوف، والشبع يتحول إلى جوع، والأمان يتحول إلى استرابة وقلق وكآبة وسخط.. وهطلت الأمطار كما تهطل كل عام الأيام الماضية في كل ولايات السودان وانكشف الحال مثل كل عام.

قال الراوي: الصور الملتقطة لولاية الخرطوم وحدها بمدنها الثلاث ناهيك عن بقية مدن السودان وقراه القصية والنائية تعطى فكرة مكتملة الأركان عن المدى والبون الشاسع ما بين رعاة هذه البلاد وحال رعاياهم (المواطنين المساكين)، فالمطرة فعلت ما فعلت ببيوت الطين والجالوص ورواكيب القش، وشردت من شردت من أسر كان تحتمي بـ (جوعها وفقرها وحاجتها) داخل هذه الأسوار المتداعية، وأغرقت الأمطار الشوارع والأسواق ومداخل الحارات ومخارجها وحولت المدينة المدن الثلاث إلى بحيرات من الطين العكر والقذارة الواعدة بالمزيد من الأمراض والأوجاع.

قال الراوي: تكرار السؤال قد يوحي أحيانا بأن السائل يعاني حالة من الغباء أو التبلد، لكنه أحيانا أُخر يشير إلى أن (المسؤول) هو من تتلبسه هذه الحالة، حين يعجز عن الإجابة عن نفس السؤال (الموسمي) المكرور والمكرر في كل عام.. ما الذي تفعله حكومة الولاية بمعتمدياتها ومحلياتها وجيوش موظفيها؛ هنا في الخرطوم أو في نيالا وعطبرة وبقية المدن والقرى المنكوبة؟ في أي مجال وأي حقل (تزرع) هذه الحكومات، وأي خريف تنتظره لتحصد خيرات مواطنيها الموعودة؟ ثم ما الجدوى من وجودها (حكومات الولايات) وهي في عجز متأصل يبلغ من العمر ربع قرن.. أهو داء عضال أم (تعابط) على العباد.

قال الراوي: محزن، لكنه جميل ومبشر، أن ترى مجموعات من الشباب وهم يتداعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدة المنكوبين جراء الأمطار الأخيرة، في الفتيح والثورات وأحياء مدينة نيالا وفي عطبرة وغيرها، بينما من عليه تقع هذه المسؤوليات منشغل بما يدركه وحده والذي حتما لا يعني قاطني بيوت الطين في الفتيح وكرري بأي شيء، لأنه لا يأمنهم من جوع ولا من خوف.. عموما الأمطار لطيفة وبردت عليه (..) وهو قابع داخل أسوار قصره المنيعة فلماذا يهتم.

ختم الراوي؛ قال: ليتقبل الله دعاءكم اعملوا وأدوا الأمانة يا هؤلاء.

استدرك الراوي؛ قال: الخوف أن تكون الأمانة قد ضاعت مع ضياع ربع القرن الذي مضى.

* هذا المقال نُشر قبل عام بالضبط، وما أشبه الليلة بالبارحة!

[/JUSTIFY]

العالم الآن – صحيفة اليوم التالي