قير تور
سلوك أهل المدن
القروي أو القرويون، كل هؤلاء الذين لم يسكنوا او يتعودوا على حياة المدينة بعد، هم أحق الناس بالإفتخار لأنهم يمتلكون أشياء أصيلة لا تشترى بالمال أو تكتسب في أيام قليلة لأنهم محافظون على الخصال الحميدة التي يفتقر لها أغلب أهل المدينة. وزمن سخريات القدر أن تكون الشياء الجميلة في القرية هي مصدر السخرية عند بعض أهالي المدينة ولا غرابة في ذلك لأن المدينة فرقت الكثير من الأسر والعائلات ولذا فالقيمة الإنسانية النبيلة عندما يراها من لم يعشها… يستنكرها!!
أمس وأنا في مشوار بين مصلحتين حكوميتين واقعتين على شارع النيل ويفصل بينهما مبنى القصر الجمهوري، وعليه فالمطلوب مني العبور بالسيارة أو عليَّ الذهاب إلى أقرب محطة مواصلات وفي تلك الحالة المشي مسافة أطول من المسافة التي عليَّ الذهاب إليها. المهم، وقفت على شارع النيل آملاً أن أجد أحدهم يتكرّم عليّ بالوقوف بسيارته ويقلني إلى مقصدي، وكان بالقرب مني أحد كبار السن الذي وقف قبلي بزمن طويل ولم يجد من يقله.. بعد فترة علق قائلاً: “الناس ديل بقى ما فيهم خير”. وهذا تبرم واضح على الوضع الراهن وطريقة ذكية للمقارنة ما بين الماضي والحاضر.
حاولت الدفاع عن أصحاب السيارات رغم أنني لست مستفيداً من الوقوف، ودفاعي ليس بسبب حبي لتجاهلهم إشاراتنا، لكن وفق الواقع المرير الذي نعيشه في المدينة والذي صار معاشاً ويزداد سوءاً كل يوم على الحالمين بحياة الأماني. قلت له إن هؤلاء لا ألومهم البتة لأنهم يخافون شركات التأمين التي لا تلتزم بدفع الخسائر في حال حدوث أي مكروه للذي اركبته في السيارة، أي أن سائقي السيارات لا تحكمهم خصال أهل القرية الطبيعية المعتمدة على القلب الصافي وصنع البر… إنهم مسيّرون بقانون الربح والخسارة في كل خطوة يخطوها. قال ذلك لكن القدر بيد الله وكيف لي إذا حدث شيء لوم صاحب السيارة.. أضفت شيئاً آخر: أحياناً تقوم بنقل راكب يقوم بسرقتك. فرد لكن هل يمكن تعميم ذلك؟ قلت كيف لمن تعرّض لحادث أليم نتيجة إحسانه أن يكرره مرة أخرى؟
المهم، لم يستمر حوارنا بعد، فقد جاءت سيارة تحمل لوحات حكومية وقطعت حوارنا الممتع ذلك..
على كل حال ما رأيكم في هذا التغيير غير الملحوظ في سلوك إنسان المدينة فكل يوم نجد أن قلوبنا تتحجّر على حساب الخصال الحميدة التي لا تزال في القرى؟ هل من حقنا السخرية من أهل القرية؟[/ALIGN]
لويل كودو – السوداني-العدد رقم 951- 2008-07-07