الاعتراف الرمزي
هل نحن نبالغ أحيانا في توصيف المكتسبات التي نحصل عليها سياسيا في منطقتنا العربية، فالاعتراف الرمزي بدولة فلسطين من قبل البرلمان البريطاني وصفته السلطة الفلسطينية وعلى لسان وزير خارجيتها رياض المالكي بـ (الحدث التاريخي). وعدَّه (تصحيحاً للظلم) الذي ألحقه وعد بلفور، نعم هو حدث تاريخي، ولكن هل يكفي وحده لإزالة ظلم وعد بلفور وما جره من ويلات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وآخرها حرب غزة الأخيرة التي قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الدمار الذي رآه في قطاع غزة يفوق الوصف وأكثر بكثير مما حدث في حرب العام 2009، معلناً تضامنه الكبير مع الشعب الفلسطيني من أجل بناء غزة.
زيارة بان كي مون للقطاع المدمر هي الأخرى رمزية وهناك صورة تتداولها وكالات الأنباء تجمع بين الأمين العام للأمم المتحدة ولاجئ فلسطيني معاق في مخيم جباليا بغزة وبينهما عناق حار، اللاجئ جالس على كرسي الإعاقة وكي مون منحنياً يعانقه، وكأنما الصورة تقول للعالم أنت لا تتحرك إلا بالكرسي وأنا لا أتحرك بسبب الكرسي. فالمنظمة الدولية مشلولة الإرادة وعاجزة عن فعل شيء بسبب الفيتو الأمريكي، وبالتالي صارت إسرائيل مطلوقة اليدين تفعل ما تشاء دون محاسبة، ومن المفارقات أن المانحين وبما فيهم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا قبل أيام في القاهرة لجمع أموال لإعادة إعمار غزة، جميعهم كانوا يتساءلون إلى متى نقدم الأموال لإعادة البناء وغيرنا يدمره، نريد ضمانات بأن لا يدمر ما أعادنا تعميره مرة أخرى، وهي أسئلة تكشف عجز العالم أمام إسرائيل وإرادتها في الدمار.
وصفت الرئاسة الفلسطينية تبني مجلس النواب البريطاني المذكرة التي تدعو الحكومة البريطانية إلى “الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل”، مساهمةً في “تأمين حل تفاوضي يكرس قيام دولتين” في الشرق الأوسط، وصفته بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح، وكانت أكثر واقعية من وزير خارجيتها الذي وصفه بالتصحيح لوعد بلفور محملاً إياه أماني عراض بتحقيق مكاسب سياسية غير موجوده على أرض الواقع، ولكن ما يؤكد الأهمية الرمزية للاعتراف ردات الفعل الإسرائيلية، حيث حذرت الحكومة الإسرائيلية في بيان من أن الاعتراف المبكر بالدولة الفلسطينية يوجه رسالة خاطئة للقيادة الفلسطينية بأنه يمكنها تجنب اتخاذ التضحيات المطلوبة من الجانبين لإنجاز اتفاق سلام دائم. وأضاف البيان، الذي أصدرته الخارجية أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يتم فقط نتيجة لمفاوضات السلام.
الذي كان أكثر واقعية، هو وزير الخارجية الفرنسي القائل إن “باريس يجب أن تعترف بدولة فلسطينية فقط إذا كان ذلك سيساعد في تحقيق السلام وليس مجرد بادرة رمزية”.
[/JUSTIFY] محمود الدنعوالعالم الآن – صحيفة اليوم التالي