محمود الدنعو

مباراة كرة سياسة


[JUSTIFY]
مباراة كرة سياسة

السياسة لعبة وكرة القدم لعبة ولكل ساحتها وجمهورها وأبطالها وقواعد لعبها، ولكن الخلط بينهما يفسد متعة كرة القدم ويجعل السياسة التي تنعت بأنها لعبة قذرة أكثر قذارة، يمكن استخدام كرة القدم كدبلوماسية شعبية قد تساعد في كسر حالة الجمود السياسي بين بلدين مثلا، والعكس ليس صحيحا بل مدمرا، وبالتالي تابع العالم باندهاش واستنكار واسع للأحداث التي رافقت مباراة في كرة القدم بين منتخبي صربيا وألبانيا ضمن الجولة الثالثة من منافسات المجموعة التاسعة في تصفيات كأس أوروبا لكرة القدم المقررة نهائياتها في فرنسا العام 2016، والتي اضطر الحكم إنهاء شوطها الأول بسبب أحداث شغب بين لاعبي المنتخبين ودخول الجماهير إلى أرض الملعب.

لم تكن قرارات الحكم هي ما تسببت في أعمال الشغب، فالمباراة من الناحية الفنية كانت تشير حتى الدقيقة 41 إلى التعادل السلبي، وليس هناك ما يستوجب ثورة الجماهير، ولكن في لحظة تهور وتدخل سياسي حلقت فوق ملعب المباراة بالعاصمة الصربية بلغراد طائرة من دون طيار، ليست من قبيل تلك التي تستخدمها الولايات المتحدة لملاحقة عناصر تنظيم القاعدة في أفغانستان واليمن، ولكنها طائرة ذكرتني بأن النار من مستصغر الشرر، تلك الطائرة الصغيرة كانت تحمل العلم الألباني، ليس العلم الذي يرفرف فوق سارية مع علم صربيا والفيفا، وإنما علم يمثل خريطة (ألبانيا الكبرى)، وهو مشروع قومي يهدف إلى جمع الجاليات الألبانية في دولة واحدة، الشيء أثار غضب أكثر من 20 ألف متفرج صربي، بينهم رئيسهم طوميسلاف نيكوليتش الذي كان يتحضر لاستقبال رئيس الوزراء الألباني أيدي راما في بلغراد في زيارة هي الأولى منذ 70 عاما، ولكن الحادث ربما ألقى بظلاله على الزيارة، فالمتهم الرئيس وراء هذا الاستفزاز السياسي للجماهير الصربية هو شقيق رئيس الوزراء الألباني الذي كان حاضرا في المنصة الرئيسة للاستاد، واعتلقته الشرطة الصربية بتهمة تدبير الحادث من خلال التحكم بمسار الطائرة عبر جهاز التحكم عن بعد من المنصة الرئيسة.

سينظر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليوفيا) وكذلك الاتحاد الدولي (الفيفا) في تقارير حكم المباراة ومراقبها، وسيفرض عقوبات هذا هو السيناريو المتوقع، ولكن من يفرض عقوبات تأديبة على السياسيين الذين يستغلون كرة القدم لتمرير رسائل أو أجندة سياسية خصوصا إذا كانت من النحو المثير للخلافات على غرار ما حدث في مباراة ألبانيا وصربيا التي كانت ستكون كارثة كبرى، خصوصا وأن ما بين البلدين أكثر مما صنع الحداد، حيث ترفض صربيا الاعتراف بإقليم كوسوفو كدولة مستقلة، في الوقت الذي تؤمن فيه ألبانيا بوجود دولة (ألبانيا العظمى) التي تضم الإقليم بالإضافة إلى بعض الأجزاء من صربيا.
“.

[/JUSTIFY] محمود الدنعو
العالم الآن – صحيفة اليوم التالي