منى سلمان
في الضواحي طرف المداين

كحال اعلانات معالجي التداوي بالأعشاب التي تؤكد على أنهم قادرون على شفاء الأكمه والأبرص والأعمى والمطشش، بالإضافة للمدروش والفاطي سطر والملموس والممسوس والملحوس، بمجرد جرعة عسل وكتحة سفوفة .. هناك على أطراف المدن والحلّال البعيدة، بين كل حِلّة وحارة نلاحظ وجود لافتة كبيرة أعلى باب من أبو ضلفتين، تشير لأن المكان هو عيادة د. (فلان الفلاني) بكاليريوس طب جامعة (ياهو ده السودان)، وتحت هذا العنوان وبخط أصغر شوية نجد (باطنية – أطفال – نساء وولادة اطفال انابيب جلدية وتناسلية مخ وأعصاب ….. إلى أن تنتهي اللافتة ولا تنتهي معها تخصصات الدكتور (بتاع كلّو)، الذي هو بإختصار شديد (طبيب عموم يا مجدي) والذي غنت لمثله المغنية:
أنا ما بنوم يا مجدي .. من الهموم يا مجدي .. طبيب عموم يا مجدي !!
وإذا ما أسعدك الحال بدخول تلك العيادات الشعبية، ستجد معظمها عبارة عن ديوان في حوش نص بيت مؤجر، وبجواره يقبع معمل حلّ محل مطبخ قديم بعد حذفه حتى تكتمل اركان العيادة المتكاملة .. كشف وتحليل، وعلى طرف الزقاق تقودك الرائحة الزكيّة إلى موقع الـ (أدب – خانة)، وان كنت مزكوما وتعجز أنفك عن شم الطِيب فسيدلك لمكانها فني المعمل وهو يدس في يدك فتيل جلسرين وعلبة كبريت فاضية عندما يطلب منك الذهاب لإحضار العينات ..
تعود بالعينات وقد عبقت أردانك بروائح كل الطيوب الحلوة جراء دخولك الحتة الضيقة دي، فتضع عيناتك على استحياء فوق الترابيزة بجوار (المايكروسكوب) البدائي الذي يستمد الإضاءة اللازمة لرؤية الطفيليات التي تعيش في فضلاتك وما فضّل من دمك، من المرايا المحدبة التي توضع بزواية تقابل شباك المعمل لتستحلب ضوء الشمس، وفي المساء يستعاض عن الشمس بلمبة اقتصادية على شكل موزة أو شمعة أو دمعة ..
لا أدري كيف هو الحال بعد كشات ناس الصحة، التي استهدفت مخالفات المستشفيات والعيادات والمعامل الخاصة، واغلاق ما خالف منها الشروط والمواصفات، كما لا أدري إن كانت تلك الكشات قد شملت (كل) عيادات ومعامل فحوصات الضواحي وطرف المداين في عاصمتنا المثلثة، ناهيك عن مدن وحلاّل بحر ابيض والجزيرة وخط الشمال ؟!!
ولكن ما أدريه على وجه اليقين هو ما رأيته شوف العين، فقد أتاح لي الزمان فرصة ممارسة مهنة مفتيش صحة أكثر من مرّة بحكم علاقات الزمالة التي ربطتني بالعاملين في هذا المجال، والتي اتاحت لي الدخول خلف الكواليس والكشف عن الدر النفيس من مخالفات معامل التحاليل الطبية، ولعل (أميزها) ما كان عندما قمت بمعاينة معمل فحوصات طبية في منتصف التسعينات – لا يقع ضمن الهوامش ولا في (أم طرقا عراض)، بل يقع في وسط عاصمتنا المثلثة وفي واحد من أشهر الشوارع، التي اشتهرت بإكتظاظ العيادات والمعامل والمستشفيات الخاصة على جوانبها حتى علا بعضها فوق بعض ..
المعمل المعني يحمل التصديق الممنوح له اسم طبيب اخصائي، ولكن في الحقيقة فإن صاحبه الذي يباشر العمل فيه الله ورقبتو بدون أي مساعدة أو رفقة مأمونة هو ممرض سابق تحول إلى محضر معمل عندما لم تعد مهنة التمريض ترضي طموحاته المادية ثم تحول لدكتور تحاليل طبية بقدرة قادر ..
لم يكن من المأمول كشف الستار عن (العك) الذي يمارس في هذا المكان، لو لم تصب الرجل عِلة ألزمته فراش المرض واجبرته على اغلاق المعمل إلى حين، ولكن طول الرقدة أغرته بأن يطلب من أحد زملائي أن يفتح المعمل في غيابه، خوفا من طفشان الزبائن أو أن يستعين الطبيب صاحب العيادة الذي يشاركه المكان بمعمل غيره، وهكذا انكشف المستور وبان عندما دعاني ذلك الزميل ضمن مجموعة لمعاينة المعمل الذي لم يكن يختلف كثيرا عن وصفي لمعامل الهامش .. ترابيزة وكرسي خيزران ومايكرسكوب من عهد (حتشبسوت) يعمل بالطاقة الشمسية ونار الشمعة بالليل، ورف ملئ بالزجاجات ومحاليل ملونة، وجهاز لقياس الهيموقلوبين بـ (الشوف) وده بعرفوه أهل المهنة .. طيب الغريب في كده شنو ؟
في ركن الغرفة كان هناك برميل بلاستيك ممتلئ بـ محاقن بلاستيكية يوجد بداخلها دماء متجمدة وتفوح منه روائح تفيد بوجودها في هذا المكان من زمان .. أصبروا .. أقيفوا لي النربط ليكم الكلام !!
كان الموسم خريف والبلد قد اجتاحتها موجة من وباء التايفويد، ولذلك كان يرد للمعمل يوميا أعداد كبيرة من المرضى يطلبون فحص التايفويد الذي يكلف (الشي الفلاني)، ورغم أن معمل صاحبنا هذا لم تكن فيه ثلاجة لحفظ الـ (reagent) الغالي والذي يستعمل في فحص التايفود، وليس لديه آلة طرد مركزي لفصل الدم من أساسو، إلا أن الرجل كان يعتمد على خبرته التمريضية الطويلة في معرفة أعراض المرض، فكان يقوم بسحب الدم من المريض طالب الفحص، وأثناء ذلك يقوم بجرجرته بالكلام عن ما يعانيه من أعراض .. راسك بوجعك شديد ؟ .. قاعد تستفرغ … بتجيك حمى أم برد ؟
ثم بإعتماد طريقة (شختك بختك) يقوم بكتابة النتيجة ويستلم مبلغ خمسين ألف، بعد رمي الحقنة الواقعة معاهو بأقل من (خمسمية) بدمها في البرميل ..!!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com



الخت مني الف تحية وشكر لهذا المقال ارائع واتمني ان تنتبه وزارة الصحة للهرج والمرج الذي يحدث في بلادنا لك الله ياسوداننا:mad: 😡
الاخت مني .. سلمك الله
لو في اي انسان قرأ الموضوع دة حيقول انك انسانة خيالية لدرجة قف تأمل ، كما يقولون .. لكن بلدنا دي فيها العجايب وكل يوم اعجب من القبلو !!! ودي قصة من العاصمة .. الخرطوم الواحدة حقتنا دي .. لاهامش ولا اقاليم .. لادارفور ولا الشرق ولا احراش الجنوب ولا صحاري الشمال ..خرطومنا ذاتة بت امها وابوها …ناس وزارة الصحة ديل احسن يكوسوا ليهم شغلة تانية ويلغوا الوزارة دي من اساسو … رايك شنو لو وسعتي دائرة التفتيش شوية ومشيتي الضواحي وطرف المداين المهمشة في الاقاليم .. مدني الابيض بورتسودان عطبرة دنقلا جوبا الفاشر كسلا والقضارف وبالعكس … غايتو القلتيهو دة لاكلمة الفوضي بتناسبو ولا حاجة بصراحة ما لاقي اي كلمة في اللغة العربية حسب قدراتي المتواضعة توصفو لينا !!!!
اختي المنينه بت عشه ام الرير فعلا هذا الواقع الصحي والطبي في السودان هذة ثورة التعليم والرقابة والصرامه في حقوق الشعب .ايام وظيفة مفتش صحه ان شاء الله تكوني امينه مع نفسك اتجاه هذه المخالفات ولا ياها طرقتنا في التعامل مع هذه المواقف .(في زول اشتكا ليك خلي الراجل ياكل عيش اهو هو الحال ) واكيد اكيد يوجد انكا من ذلك زي الدكتور البعمل اجهاض للحوامل . بعدين منين مجدي ده(علي طريقه عادل امام مين طارق ده …………؟ تحياتي
والله يا اخت منى هو الموقنا نحن رب العالمين افضتى فى الشرح لكن بينى وبينك لما مارست هذه المهنة مش كان معملك نفس معمل صاحبنا الله يديه العافية …… لا توجد معيار للجودة
والله يا أم الري أنت روعة الروعة لي حــــــــــــدها زي ماببقولو اهلنا بس عارفة ناس المعامل ديل النافعم انو الملاريا اي زول عندو وتاني شي العلاجاااات كلها مدتا منتهية يعني مافي مشكلة من اي نااااااااااااااحية , ربك اكون في العون بس
غايتو انا مابعرف لكن علاجى فى هذه المحلات عموما بعده بالاصابع واغلب علاجى بالبلدى والاستاذة منى زادت لى الطين بلة تانى المحلات دى مااشوفه الا زائر فقط او مغمى على ويقومو يدخلونى فيها …………
اللهم يطولك ياروح .
هلا بالمنينة وكل البنقدر نقولة لولا العناية الالهية وعلمه سبحانه وتعالى بحالنا ولطفه بعباده لاستشهد الكثير من بنى وطنى فى تلك الدهاليز الضيقة او بالاصح تلك البالوعات الآسنة والتى لايمكن بأى حال من الاحوال ان تسمى مرافق طبية والانكى من ذلك ان صاحب العيادة كاتب اخصائى ايه كدة واكتشفتم انه ممرض سابق والحمد لله الما كان اسكافى زمان ولا متارى من الجماعة البشيلو توب القماش ويضرعوا الشوارع المتر بريال المتر بريال ولا بياع نعناع الشاى الاخضر البلدى ولا اطلع العقارب اطلع الدبايب ولا بتاع قرض حرجل لالوب يا ولا بتاع عربة الخشب بياع العدة عراضات غرافات كبابى الموية كباى الشاى فناجين القهوة ويختمها بـبااااا سطــــــــا
لك التحية والتقدير يا أختي العزيزه (منويه) بصراحة أنا قرأت المقال والتعليقات من القراء فهناك شبه إجماع على ما ورد فيه ولأنه لامس الحقيقة فأنا من الصحافة والصحفيين من أمثالك الذين يمثلون تاج على رؤوسنا أن يطرقوا هذه المواضيع وباستمرار لأنها من جوهر واجباتهم المهنية والاخلاقية فلله درك يا عزيزتي
الأخت منى سليمان
حيال الله وأبقاك على فتح هذا الموضوع الحساس وهو موضوع أرى أن يكون فيه تحقيق صحفي متكامل فإن المختبرات في بلادتنا أمرها عجيب جداً .. وإذا زرت مدينة ودمدني ورأيت المعامل فقد تصابين بالغثيان .. يعلم الله أن هذا المعامل لم يحصل فيها أي تطوير منذ أن وعينا على الدنيا منذ أكثر من اربعين عاماً ونيف مثال مطاعم المدينة الأخرى .. ليس هناك أي رقابة ولازيارة لهذه المختبرات حتى عيادات الأطباء حالتها يرثى لها وكما قيل رحم الله أياماً كانت الطبيب في بلادتنا يقيس درجة الحرارة أولاً وهذا انتهى في بلادي .. هل من المعقول في عشر دقائق تطلع النتجية على طول وبسرعة .
الله يكون في عون حاج أحمد المغلوب على أمره.
النيل العوض الحليو
ودمدني ـ قرية السوريبة
elneel-77@hotma.com
لك التحية استاذة منى
وانا بتابع معاك الوصف الدقيق لشكل المعمل قلته فى بالى الاستاذة ياربى فحصت يوم فى معمل عم دفع الله والله ماخليتى فيهو حاجه نفس الملامح والشبه وكمان عم دفع الله ده ماعندو شهاده غير شهاده ان لا اله الا الله محمد رسول الله بس النصيحه وعشان ما اظلم الراجل قالوا زمان دخل كورس فى الخرطوم لفحص الملاريا لكن طبعا بفحص اى حاجه طبعا المناظر دى عندنا فى الاقاليم متوفرة وبكثرة …..بس ربك هو الشافى
الاستاذه مني لك التحيه اعرف مجموعه من خريجي المختبرات الشغال سواق امجاد الشغاله مذيعه الشغاله في مكتب محاسبه ومجموعه طبقت الشيتات وعلقت الشهادات ونامت نوم العوافي في بيوتهم اصلا نحن في بلد المال عند بخيله والسيف عند جبانه اها نسيت وواحده كاتبه ياربي دي منو؟;) 😉 😉 😉
انت مالك ومالهم ، هو انت وزيرة الصحة؟ ماتخلوا العالم تسترزق يعني أصحاب الكرفتات القاعدين في المستشاريات ديل أحسن منهم؟ هس الواحد من الفحيصين ديل زاتهم كان شال ليه بندقية باكر تجيه في القصر وتقولي ليه حاضر سيادتك ولا مش كده يا أستاذة؟ ولك تحياتي.:lool:
والله كلامك في محلو غايتو بس على قول حبوبتى الله لا بلى نفسا بى كربه;)
الأخت مني سلمان لكي سلامى وتحياتي وأنا من المعجبات بعمودك لطائف الذي يجمع مابين الدروس والعبر بطريقة لطيفة لذيدة وممتعة وشكراً لمحاولة لفت النظر لمايحدث في المعامل دون رقابة من وزارة الصحة فهي تهتم بالمعامل الكبيرة وداخل المستشفيات فقط اما المعامل داخل الأحياء فهي لاتعلم عنا شيئاً ويشاركها المواطن في ذلك فهو يذهب الي هذه المعامل رغم معرفتة بعدم إلتزامها بالمعايير المعملية فأنا أعرف معمل داخل أحدى الأحياء يعمل صاحبة تحت شجرة نيم (أي والله) ويثبت ورق الفحص بحصحاصة كبيرة ويسند رجل الطربيزة المكسورة بطوب ومع ذلك يذهب اليه المرضى للفحص عنده ووزارة الصحة لا تعلم عنه شيئاً .وللذين علقوا على انك تعملي كاتبة فأقول لهم الأفضل أن يكون الشخص يمتهن مهن طبية ويوعي الناس بكتاباتة من أن يمارس مهن طبية وهو وليس له بها أدني علاقة . مع شكرى وتقديري لكم