محمود الدنعو

ليست قضاء وقدر

[JUSTIFY]
ليست قضاء وقدر

إبراهيم حمودة *
حين حدث التسونامي قبل سنوات انبرى الكثير من المختصين لإيجاد تفسير لهذه الظاهرة المدمرة. وحين تحدث فيضانات وسيول في مكان ما يفكر الناس بشكل بدهي في ظواهر مثل الإحماء الكوني وذوبان الجليد في القطب وارتفاع منسوب البحر سبباً لمثل هذه الكوارث، والإنسان هنا هو المسؤول الأول عن الضرر الذي نلحقه بأمنا الأرض.
حزنت جدا لسقوط ضحايا جراء السيول الأخيرة في بلدي الثاني المغرب. مصادفة كنت قد زرت المنطقة المتضررة في تزنيت، وكنت أنوي الكتابة عن وادي ماسة والسياحة والمشاهد الجميلة التي لمست وجداني أثناء هذه الزيارة.
حين تحدث مثل هذه الكارثة يشعر الناس بالحزن كما هي حالتي، ولكن سرعان ما تتحول مشاعر الحزن إلى مشاعر غضب تجاه الجهات المسؤولة عن التسبب في هذه الكارثة. الأمطار والسيول ليست قضاءً وقدراً. أنا أسكن في هولندا التي تقع أراضيها تحت مستوى سطح البحر، وحين تسقط الأمطار تكاد لا تتوقف ولكن مع ذلك لا تجرف الطرق والأشجار وخطوط السكة حديد جراء هذه الأمطار، ببساطة لأن الجهات المسؤولة من تصميم الفضاء العام تضع حسابا للأمطار والأعاصير والعواصف حين تنفذ الشوارع والمباني ومشاريع البنى التحتية الأخرى.
في بلدي الأم السودان حدثت مثل هذه الكوارث قبل عام مضى أو نحوه. فاضت الطرقات وانهارت المنازل وغمرت المياه الأنفاق والجسور. عندها كان واضحا التقصير الشديد والإهمال في تنفيذ الشوارع والجسور والمباني، خاصة في ظل غياب أي شبكة للمجاري.
التقصير والإهمال مرده للفساد وغياب الرقابة، والرقابة تعني وجود نظام تكون فيه الكلمة للمواطن عبر أجهزة المجالس المحلية ومجالس البلديات ووصولا للبرلمان القومي. إن كانت هذه المجالس معينة فلا نتوقع منها أن تقوم بدروها الرقابي، وإن كانت صلاحياتها محدودة بحيث لا تستطيع سحب الثقة من الطاقم الإداري في البلدية المعينة وتغييره بطاقم أكثر جدية ومسؤولية، فلا فائدة ترجى أيضا من مثل هذه المجالس.
حين تسقط الأمطار بغزارة وتندفع من المرتفعات متجهة لمصب ما، يجب أن يكون المجرى أمامها مفتوحا وممهدا لا تعترضه عوائق. هذه حقيقة يدركها أبسط مهندس مساحة أو مهندس مدني. بالإمكانيات المتاحة الآن في القرن الحادي والعشرين يكون من حق المواطن أن يعيش في بيئة آمنة لا تهدده فيها شرور الطبيعة وقواها المدمرة خاصة في مناطق العمران، وإن حدث مثل هذا التهديد يكون شخص ما في موقع مسؤولية ما لم يقم بعمله على الوجه الأكمل. يجب أن نلقى باللائمة والمسؤولية على أنفسنا بدلا عن تغطيتها برداء القضاء والقدر.
صحفي وناقد فني سوداني مقيم في هولندا

[/JUSTIFY] محمود الدنعو – العالم الآن
صحيفة اليوم التالي