محمود الدنعو

راية مقهى سيدني


[JUSTIFY]
راية مقهى سيدني

لو أنفق مالك مقهى (لينت) في وسط العاصمة الأسترالية سيدني ملايين الدولارات للإعلان التجاري لصالح محله ما وصل إلى هذه الشهرة التي طبقت الآفاق جراء ما قام به مان هارون مؤنس الذي احتجز 17 رهينة في المقهى قبل أن يقتل أثناء عملية اقتحام الشرطة للمقهى، وقتلت رهينتان أخريان بينما هرب الباقون، في مشاهد كانت تبث على الهواء مباشرة على كل القنوات التلفزيونية في العالم، وكان من قام بهذه العملية الذى وصفه رئيس الوزراء الأسترالي توني ابوت بالمعجب بالتطرف والمضطرب عقليا وصاحب التاريخ الطويل مع جرائم العنف كان أن يشعل مجددا نيران الغضب ضد المسلمين عندما رفع راية (داعش) فوق المقهى المخطوف رواده، وكأنما رفع راية تحرير الأقصى من اليهود.

هذا العالم الذي نعيشه اليوم المعرفة والتأثير فيه قائمة على الصورة والرمز والتنميط الذي تمارسه وسائل الإعلام على البشر، فهي تجاوزت نظرية (وضع الأجندة) التي يدرك تفاصيلها دارسو الإعلام، وهي ببساطة تقوم على أن وسائل الإعلام تتولى مسؤولية وضع الأجندة للمتلقي من خلال التركيز أو التجاهل لزاوية معينة من الحدث أو الحدث كليا، بغية التوصل في النهاية إلى قيادة الناس إلى فهم محدد وردات فعل محددة.

وسائل الإعلام اليوم من خلال رمزية الصورة وسرعة الانتشار وإغراق عين وعقل المتابع بكثير التفاصيل المكررة والمملة أحيانا لا تكتفي بوضع الأجندة فقط، بل تتولى هي نيابة عن المتابع وضع المفاهيم والتصورات، وبالتالي كان رمزية راية (داعش) أبلغ اثرا مما لو خرج ذلك المنفذ للاختطاف المعجب بالتطرف المضطرب عقليا صاحب التاريخ مع العنف والجرائم. وقال للناس في بيان واضح من هو وما هي مطالبه التي قيل إن الشرطة رفضت الإفصاح عنها، لما وجدت الأثر الذي أحدثه رفع تلك الراية على مقهى لينت.

صورة الراية أضرت كثيرا بصورة الجاليات العربية والإسلامية، ومع كل الكلام الذي قيل بعد ذلك لإزالة اللبس وتبرئة ساحة الإسلام والمسلمين من التصرفات الفردية، لهذا المعجب بالتطرف، المضطرب علقيا، صاحب التاريخ الطويل مع العنف، إلا أن ما رسخ من خلال رمزية صورة الراية على نافذة المقهى التي ترمز إلى ثقافة الموت وقطع الرؤوس عند المتلقي لا يمكن تجاوزه بالتصريحات الرسمية الأسترالية التي نفت تورط الجاليات العربية الإسلامية التي باتت تتخوف وتتداعى لها الجاليات العربية والإسلامية في مختلف بلدان الغرب من أن تؤدي مثل هذه الأفعال وهذه الصور والرموز إلى موجة من الإجراءات الأمنية التي ستتخذ بحقهم، ولا سيما أن التجارب التي حصلت في الماضي القريب تؤكد هذا الأمر.

[/JUSTIFY] محمود الدنعو – العالم الآن
صحيفة اليوم التالي