محمود الدنعو

امتناع جنوب السودان


[JUSTIFY]
امتناع جنوب السودان

لست من أوائل الذين يميلون إلى تأييد فرص الوصاية على الدول في سياساتها الخارجية بأن تتخذ ذاك القرار أو لا تتخذ هذا، ولكنني – محللاً أو معلقاً أو متابعاً (صفني بما شئت) – أحتاج إلى شيء من المنطق عن مراجعة الوقائع التي أفضت إلى اتخاذ دولة ما قراراً مهماً في سياستها الخارجية، طبعا من حق جميع الدول أن تتخذ القرارات التي تتناسب ومصالحها وأمنها القومي، ولكنني لا يمكن أن أتفهم بالنهي عن الشيء والأتيان بمثله أو الشيء وضده في الوقت عينه، ما استدعى هذه المقدمة الخبر الخاص باعتماد الأمم المتحدة مشروع قرار بعنوان (حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير)، وعارضت القرار (7) دول هي (إسرائيل، والولايات المتحدة، وكندا، وبالاو، وميكرونيزيا، وجزر المارشال، وناورو)، فيما امتنعت (4) دول عن التصويت، وهي (الكاميرون، وتونغا، وجنوب السودان، والباراغواي).

المنطق هنا أن تصوت الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، ولو أن إسرائيل صوتت لصالح هذا القرار لأصبح الجنون بعينه، ولن ألوم كندا أو حتى الدول التي لا أعرف موقعها في الخارطة الجغرافية ناهيك عن السياسة التي عارضت حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني.

أما غير المنطقي الذي لا يملك أي محلل تبريرا منطقيا له، هو امتناع دولة جنوب السودان عن التصويت لصالح تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وهي آخر دولة في العالم استفادت من هذا الحق، وقامت بموجب ممارستها لهذا الحق، وبالتالي المنطقي أنها أول دولة يجب أن تصوت لصالح هذا القرار وليس أن تمتنع، فليس في الموقف من مبرر منطقي.

لجنوب السودان الحق في إقامة علاقاتها الدبلوماسية وفقا لمصالح مع من تشاء من الدول، بما فيها إسرائيل، التي افتتح فيها جنوب السودان مؤخرا سفارة يتولى مهامها شقيق وزير الخارجية روبن بنجامين، ولكن من غير المنطقي أن تمتنع عن التصويت لصالح قرار كانت قبل سنوات قليلة تحشد العالم أجمع من أجل تأييد حقها في تقرير المصير، وهي آخر دولة مارست ذلك الحق، فلا يليق بها بأن تكون أول دولة تنكر على الفلسطينيين ذلك الحق.

المفارقة هنا في جنوب أفريقيا التي تربطها مصالح مع إسرائيل والولايات المتحدة الراعي الرسمي لدولة إسرائيل، أكثر مما تربطها بالدول العربية، ومع ذلك ظلت جنوب أفريقيا الرسمية والشعبية تجاهر بموقفها الواضح من مناهضة الاحتلال الإسرائيلي، لأنها عانت من التميز العنصري (الابارتايد)، ولا تريد لأي شعب في الدنيا أن يمر بذات التجربة، ولأنها تؤمن بأن الحق لا يتجزأ، وأن الدفاع عن الحرية لا يقبل المساومة، فإن الحرية للجميع دون تمييز.

[/JUSTIFY] محمود الدنعو – العالم الآن
صحيفة اليوم التالي