عبد الباقي الظافر

عبد الباقي الظافر : الهلال الأحمر الحكومي..!!


[JUSTIFY]قبيل سنوات قليلة كنت أرافق صديق عزيز في رحلة إلى مدينة كوستي.. لحظت أن الصديق يشهر بطاقة في وجه رجال المرور فيفسح له في الطريق.. البطاقة السحرية كانت تكفل العبور بلا رسوم لعربة ذاك الصديق.. استغربت من تلك البطاقة السحرية لأنني أعرف أن الرجل لا ينتمي إلى أي قوة عسكرية، ولا مؤسسة قضائية.. كانت المفاجأة أن الصديق عضو في ما يسمى- وقتها- الحملة الوطنية الشاملة التي ينتهي نسبها إلى رئاسة الجمهورية.
أصدر أمس رئيس الجمهورية مرسوماً يقضي بإشراف رئاسة الجمهورية على منظمة الهلال الأحمر السوداني.. رئيس الهلال الأحمر عبَّر عن سروره بهذه التبعية السيادية.. بعد هذا المرسوم يحق للهلال الأحمر أن يكتب على لافتة مقره رئاسة الجمهورية.. ومن الآن فصاعداً يصبح منسوبو هذه الجمعية الخيرية محاطين بقداسة أنهم جزء من كوادر القصر الجمهوري.
بداية هل يحتاج الهلال الأحمر إلى هذه الرعاية الحكومية الرسمية.. الهلال الأحمر مثله مثل الصليب الأحمر منظمة مجتمع مدني، تنشط في التوسط بين المتحاربين في الميدان.. هذه المهمة تلزم هذه المنظمات بدور حيادي، يقتضي تقديم الخدمة الطبية إلى من يحتاجها.. وبسبب هذا الحياد يتم السماح لسيارات الهلال الأحمر والصليب الأحمر بالعبور إلى ما وراء خطوط النار؛ لإسعاف الجرحى بغض النظر عن لونهم العسكري.. هل من المتخيل أن يسمح العدو بعبور سيارة تنتمي بشكل أو بآخر إلى رئاسة الجمهورية.
من ناحية بعيدة يتمتع الهلال الأحمر السوداني بمكانة خاصة.. حيث تأسس في العام ١٩٣٢.. بل ظل يقدم مبادرات إنسانية؛ حيث ناشد المجتمع الدولي إبان كارثة السيول والفيضانات في العام ٢٠١٣ بتوفير سبعة ملايين فرنك سويسري- بالفعل- تعاطف العالم مع ذلك النداء من المنظمة الأكثر صيتاً، ووفر مواد إغاثة عاجلة إلى المحتاجين..
هل في الإمكان أن يتعاطف المجتمع الدولي مع منظمة مجتمع مدني تدار بمراسيم جمهورية.. بل في تقديري كان الأحرى بهذه المنظمة أن تبتعد عن الحكومة، وترسخ في أذهان كافة الناس أنها مستقلة؛ حتى تؤدي دورها المنوط بها.. لكن كسل القائمين على الهلال الأحمر، الذي يتضح من صفحتهم البائسة على الشبكة العنكبوتية، يجعلهم يلجأون إلى الحلول السهلة.. الانتساب إلى مؤسسة الرئاسة يمنح هؤلاء الكبار الاحترام، وعلو الكلمة، على المستوى المحلي- وبالطبع- يخصم من صورة الهلال الأحمر بين رصفائه على ظهر البسيطة.
بصراحة.. رئاسة الجمهورية تحتاج أن تراجع اللافتات التي تنتمي أو تحظى بالرعاية السيادية.. لعل مفتتح هذا العام يكون سانحة طيبة لإجراء دراسة متخصصة حول الأسس المتبعة في التنسيب إلى رئاسة الجمهورية.. ولتكن البداية بإعادة الهلال الاحمر إلى المجتمع.[/JUSTIFY]