عبد الباقي الظافر

عبد الباقي الظافر : الهمس في إذن الحكومة ..!!


[JUSTIFY]قبل أربعمائة يوم وحين اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان كان هنالك خبير إستراتيجي يمسك بقلم أحمر.. الخبير ذو الخلفية الأمنية كان يحاول رسم المخاطر التي تحيط بالسودان.. أهم المخاطر في نظر الرجل الغامض أن يفرح أهل السودان وحكومته بانهيار الدولة في جنوب السودان.. الأهم في نظر ذلك الخبير كيف يمكن أن نجنب النفط العابر للحدود حرائق الحرب الأهلية.. نصيحة الخبير الذي طلب- وقتها- حجب اسمه أن تستمر الحكومة في التعاون مع الطرفين المتحاربين حتى تحمي مصالحها الاقتصادية المقدرة- وقتها- بملياري دولار.
المخاطر على الخرطوم لا تأتي من حرب الجنوبيين.. بل من انخفاض أسعار النفط، كما أفاد قبيل أيام الزميل السر سيد أحمد.. الخرطوم وجوبا توصلتا إلى اتفاق يجعل الخرطوم تكسب خمسة وعشرين دولارا مع كل برميل عابر.. نحو خمسة عشر دولارا من ذلك المبلغ تأتي تعويضا لاقتصاد السودان- وقتها- كان سعر البرميل فوق المئة دولار.. الحرب الأهلية خفضت إنتاج النفط بمعدل النصف.. حيث توقفت حقول الوحدة وثارجات تماماً.. ما يأتي من أعالي النيل وفقا للسر سيد أحمد حوالى (١٦٠) ألف برميل من خام عدار الذي لا سوق له باعتباره خاما رديئا.. هذا الخام ربما نشتريه الصين بانخفاض قدره خمسة عشر دولارا.. هذا يعني أن جوبا ستبيع هذا النفط في حدود (٣٥) دولارا في أحسن الحالات.. إذا ما دفعت للخرطوم والشركات المنتجة ستصبح مثل (سلاق البيض) في المثل السوداني.
الإسراف في استخدام الأرقام حتى تقتنع حكومتنا أن انخفاض أسعار النفط الذي وفر للخزينة العامة نحو ستمائة مليون دولار ليس كله خيرا.. الحكومة الآن ستخسر ما كان متوقعا من رسوم مرور نفط الجنوب.. المبلغ الضائع يتجاوز المليار دولار في أسوأ التقديرات.. الجانب الآخر أن الشركات العالمية لن تكون مستعدة للاستثمار في نفطنا ذي التكلفة العالية من ناحية البنية التحتية والمناخ الأمن مقارنة بمناطق أخرى.
الآن بدأ جنوب السودان يتململ؛ حيث عبر وزير النفط ستفن ضيو أنهم غير مستعدين لدفع الحزمة التعويضية البالغة حوالى خمسة عشر دولارا مع كل برميل.. في تقديري من الأفضل للحكومة السودانية أن تبادر من تلقاء نفسها، وتعلن تجميد الاتفاق السابق حتى ينساب النفط الجنوبي.. هذا التوجه الحكومي يصاحبه استحداث تقنية تمكن من تصفية البترول الجنوبي الثقيل، وإعادة تصديره إلى دول الجوار مثل إثيوبيا وأفريقيا الوسطى وإريتريا.. هذا الاتجاه سينقذ الاقتصاد الجنوبي المتجه نحو حافة الهاوية إذ تناقصت الإيرادات النفطية للدولة الوليدة، وباتت في حدود مليار ومائتي مليون دولار سنويا.. العائد الحالي مبلغ ضئيل لدولة تحاول بناء كل شيء من تحت الصفر.
في تقديري أن سياسة اليد البيضاء ستجعل الجنوبيين يتجاوزون ماض مترع بالدماء والذكريات الأليمة.. إنقاذ اقتصاد الجنوب يقي الدولة الوليدة من الانهيار الذي سيدفع ثمنه السودان الشمالي عبر تدفق اللاجئين، وإغلاق سوق محتمل للسلع السودانية. [/JUSTIFY]