تحقيقات وتقارير

المعسكرات الأكاديمية للشهادة السودانية تحصيل أكاديمي أم مادي؟

بدأت الأيام تعلن عن العد التنازلي لانطلاقة امتحانات الشهادة السودانية انتقلت منها حالة القلق والتوتر من المدارس والطلاب الى داخل الاسر.. اعلنت الوزارة فيها عن زيادة عدد الطلاب الجالسين لامتحانات هذا العام.
واعلانات المعسكرات الاكاديمية للمدارس اخذت تزاحم اعلانات مرشحي الانتخابات لتبرز بين الحين والآخر وسط الاحياء في قطع القماش وعلى اعمدة الانارة والكهرباء ثم على صفحات الصحف والكل يعلن عن مميزاته الخاصة به، بل وتبرز بعض الاسماء لمن ارتبطت اسماؤهم ببعض المواد.. الطلاب يرغبون فيها وبالانضمام لها وتشتكي بعض الاسر من اعبائها ويحذر بعض ذوي الاختصاص من معسكرات تقام بأغراض استثمارية وتربوية ترى بانها تعيدنا الى الاساليب التقليدية في التعليم.
وفي بداية طرقنا لقضيتها تحدث إلينا الاستاذ رضوان شريف عبد الرحمن مدير مدرسة الشارقة الخاصة، فقال ان المعسكرات منها الناجح ومنها ما دون ذلك ويحدد ذلك اهتمامات ادارة المدرسة فاذا ما كان الهم نجاح الطالب ومن ثم المدرسة فهذه بالتأكيد تكون ضمن المعسكرات الناجحة، وان كان هناك نوع آخر ترتكز فيه اهتمامات ادارة المعسكر علي النواحي المادية والعائد من اقامة المعسكر بمعنى آخر يكون الهم في «ملء الجيوب» وفي هذه المعسكرات يزحم اساتذتها الطلاب بموضوعات خارج المنهج ومثل هذا الاسلوب تتبعه معسكرات الخيام في الطرقات والحدائق العامة من اجل جمع اكبر عدد ممكن من الطلاب باعتبار انهم أتوا بالجديد، ويضيف شريف ففي المفهوم العام تعتبر هذه المعسكرات قائمة على الكسب غير الحلال، ثم انه يفترض بالوزارة ان تفرض رقابة اكثر صرامة على المعسكرات عامة حتى يكون الهم الأوحد هو انجاح الطلاب.
وعن الجانب الاكاديمي يقول شريف ان افضل مدة زمنية لمعسكر ناجح هي فترة الشهر ونصفه وهذه المدة يستفيد فيها طالب استذكر كل دروسه ليقف على عتبة التأهيل للامتحانات بواسطة التركيز النهائي وتثبيت المعلومات، أما المعسكرات التي تدرس فيها مادة المقرر خلال يوم دراسي واحد فبالتأكيد لن تساعد إلا في تشتيت تركيز الطالب لانه من المفترض ان تقسم مادة المقرر على جرعات لا يتيحها زمن اليوم الواحد.
وفي ختام حديثه لـ «الصحافة» اشار رضوان شريف بأن المعسكرات تستهدف طالبا يبحث عن تركيز ما استذكره ، وانها بالتأكيد لا تساعد في نجاح طالب لم يتابع دروسه أو يستذكرها خلال عامه الدراسي، مبيناً انه اذا لم يستثمر الطالب فترة التسعة اشهر في المذاكرة فلن يستفيد من المعسكرات على الاطلاق.
وبنبرة حادة بعض الشئ ابدت الاستاذة حواء عثمان سخطها على الطلاب أولاً قائلة لم يعد الطالب ذاك الطالب المسؤول الذي يحمل الدراسة هماً له بل أخذ ينظر إليها كعبء على كاهله لذا اغلبهم أصبح يتعامل مع مقرراتهم باهمال تام ليعودوا مع نهاية العام ويبحثوا عن حصص التركيز، وان كانت فعن تجربة شخصية دخلتها في الماضي القريب ولم تحقق لي الفائدة التي كنت ارجوها منها وباختصار اذا لم يكن الطالب غطى على كل المقرر فلا ينبغي له ان يتجه نحو المعسكرات.. وعما يحدث داخل المعسكر تضيف ان بعض المدارس الحكومية في نهاية العام تجلب اساتذة من خارج أسوارها من أجل تدريس حصص التركيز بدلاً عن استاذ المادة الذي درسها لطلابه فترة العام الدراسي.
وفي الجانب المادي تقول حواء ان المعسكر يضيف للأهالي عبئا جديدا قد يكونون في غنى عنه وان كان يعتبره الاساتذة فرصة موسمية لا تعوض خصوصاً وان نظام دفع الرسوم بها مباشر أول بأول.
وفي اتجاه معاكس تماماً ترى استاذة نجوى محمد بان المعسكرات مفيدة ومهمة للغاية خاصة مع سياسات المناهج المتغيرة، والطالب يحتاج إلى ان يعيش في جو اكاديمي صافي يشعره بالالتزام ، خاصة وان الطلاب اصبحوا يجلسون لامتحانات الشهادة في عمر صغير لم يكونوا أحسوا فيها بالمسؤولية، وترى كذلك بان المعسكرات المنزلية تكون ناجحة بدرجة عالية اذا ما وجدت الجدية الكاملة.
وعن المعسكرات الاكاديمية تحدثنا الى الخبير التربوي دكتورة الشفاء عبد القادر الاستاذة بكلية التربية جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا والتي قالت ان تسمية هذه المعسكرات بالاكاديمية ان صح التعبير فلأنها تركز على المواد الاكاديمية في المنهج المدرسي وحفظها واستظهارها من أجل استدعائها في الامتحان وقد كثرت هذه الظاهرة بين المدارس الحكومية والخاصة وذلك من اجل المنافسة للمراكز الاولى فهي تساعد الطلاب على المذاكرة الاجبارية وهذه محمدة لها ، ولكنها لا تغطي على سلبياتها التي قد تغيب عن ذوي الشأن لأن التنافس يزيد من دخل المؤسسة التعليمية ولعل من سلبياتها عدم تكيف التلاميذ مع المكان الذي يتم فيه المعسكر، واستلاب مهارة التعليم الذاتي لدى الطلاب حتى يصبحوا عندها معتمدين على وجود المعلم حتى في فترة المذاكرة والتركيز ويصبح بعدها الطالب متلقياً فقط والاستاذ ملقناً له وبهذا نكون قد تراجعنا إلى استخدام الاساليب التقليدية التي لم يعد يعمل بها ، هذا بالاضافة إلى اكتساب عادات وسلوكيات سالبة غير مرغوب فيها نتيجة الاختلاط بمجتمع متباين الاخلاقيات خاصة في زمان الانفتاح، واكاديمياً هناك زخم وحشو زائد عن طاقة الطالب الذهنية قد يأتي بنتائج غير مرضية.
وتضيف الشفاء، لكن يظل السؤال عمن المسؤول عن سلامة الطلاب بالمعسكر في حالة الحوادث مثلاً ، ومن الناحية الغذائية أيضاً ، وتختتم حديثها لنا عن ان جميع الآباء والامهات لم يدخلوا معسكرات اكاديمية ولكنهم حققوا نجاحات بدونها في كافة المناحي الاكاديمية والثقافية، أما هؤلاء الطلاب فقد حرموا من الثقافة ومن التنوع المعرفي فقط يتم حشوهم بالمقررات الدراسية بهدف الحصول على مراكز متقدمة تدر بالخير الوفير للمؤسسات التعليمية التي خلت منها المكتبة والندوات والجمعيات الأدبية والمجلات الحائطية التي توسع من مدارك الطالب وتربطه بالثقافة الخارجية بطرق سليمة.
ويرى شيخ الدين الحاج ولي أمر أحد الطلاب الجالسين لامتحانات هذا العام بأن المعسكرات توفر جوا أكاديميا مناسبا خاصة في فترة تكون فيها المدارس قد أوفت بما لديها وتوقفت الدراسة وبعض الاسر لا توفر الجو المناسب للطالب الممتحن وبعضها يبالغ في ذلك لدرجة يحس فيها الطالب بالرهبة وان ما هو مقدم عليه فوق موضوع الامتحان، ووجود الطالب مع زملائه واقرانه واساتذته أفيد له من وجوده في أي مكان آخر خاصة في مراحل التركيز هذه.. ويقول أحمد خالد ان المعسكرات بدعة ابتدعها الاساتذة لجني آخر ثمار العام ولا يكون همّ غالبيتهم مع الطالب وضرورة نجاحه، ولعل ليس أدّل على ذلك من أستاذ المدرسة الحكومية الذي أكمل مقرره الدراسي في معسكر اختياري داخل المدرسة وبعلم ادارتها بمقابل مادي فوري لمن أراد.. وعلى العكس مما ذهب إليه أحمد كان رأي سناء الحسن بان المعسكرات الاكاديمية تمثل مجهود المعلم الذي يسعى إلى تقنينه داخل المعسكر مع طلابه ، وتقول بأن نجاح الطلاب يكون هم أساتذتهم وان الرسوم التي تدفع مقابلها قد لا تمثل شيئا مع طعم النجاح في مرحلة حاسمة للطلاب وأسرهم على حد سواء.
وكان لنا حديث مقتضب مع بعض أصحاب الشأن الجالسين لامتحانات هذا العام، حيث قالت شيماء الرضي بأن المعسكرات مهمة للغاية خاصة بالنسبة لها كطالبة بالمساق العلمي لانها وعلى حد قولها تساعد على التركيز في فترة يكون فيها الطالب متوترا ومهموما بالامتحانات فهي توفر الجو الاكاديمي الذي يتناسب واحتياجات الطلاب، وان كانت رسومها بها شئ من المبالغة لكنها ان أدت الغرض فلا ندم. أما اسماعيل عبد الحميد فيرى ايضاً بأن المعسكرات ضرورية ومطلوبة ولابد من ان يقصدها الطالب لانها توفر تركيزا هم احوج ما يكونون إليه وسياسة تدرس المادة الكاملة تتيح للطالب فرصة الوقوف عند بعض النقاط التي يكون تركيزه فيها ضعيفا..
ولكن هند الفاتح والتي تجلس للمرة الثانية هذا العام تحكي عن تجربتها مع المعسكر في العام الماضي قائلة بأن المعسكرات مفيدة اذا ما وجد بها قدر من الانضباط، فأكثر مشاكلها الفوضى لأن بعض الطلاب لا يكونون مهمومين بقضايا التحصيل الاكاديمي وهؤلاء يثيرون فوضى تؤثر على حساب وزمن بقية الطلاب وان كانت تساعد الطالبات خاصة في الخروج من اجواء التزامات وأعباء المنزل والتفرغ الكامل للدراسة خاصة وان الامتحانات تأتي في وقت يكون فيه طلاب الاساس في الاجازة الصيفية فيثيرون بعض الضجيج والفوضى بالمنزل. وبهذا تكون المعسكرات أفضل المواقع للتركيز والاستذكار.

الخرطوم: تهاني عثمان
صحيفة الصحافة

تعليق واحد

  1. طبعا تحصيل مادي بحت..لأننا لم نكن نعرف مثل هذه الاشياء قبل 21 سنة مضت إلا الان