حوارات ولقاءات
الصادق المهدي : اذامس راس الدولة يتأثر الاستقرار والتطور السياسي والدستوري
السيد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي في قلب الأحداث دائما.. (ثيرومتر) تقاس به درجة حرارة جسم السودان كلما شغلت الساحة السياسية مستجدات جسام.. ذهبنا إليه في مكتبه بـ(دار الأمة) فوجدنا طابورا طويلا من الفضائيات العربية والسودانية والإذاعات تنتظر..فاقتطعنا من وقته هذا الحوار السريع حول قضايا الساعة الساخنة ،ووعد بحوار شامل مفصّل ومتأمل الأسبوع القادم إن شاء الله
* هل برأيكم كان ممكناً تجنب إجراءات أوكامبو
تعرف يا أخي.. نحن زرنا دارفورفي يونيو عام 2004.. لما رجعنا صرحت في مؤتمر صحفي مشهود أن هناك جرائم حرب ارتكبت في دارفور.. وطلبنا لجنة قومية للتحقيق ومحاسبة ومحاكمة وتعويض الضحايا.. وقلنا بوضوح إذا لم يحدث ذلك فإن الأمم المتحدة ستأتي وتتدخل..
وبعد شهر من ذلك..في شهر يوليو 2004 زار كولن باول وزير خارجية أمريكا السودان وذهب إلى دارفور.. وقال (هناك جرائم..لكن لا توجد إبادة جماعية).. لما رجع إلى أمريكا قفز في وجهه اللوبي..أشاعوا أنه لا يعبأ بقضية الإنسان الأسود.. وأنه باع القضية.. كولن باول تراجع عن موقفه وطلب تحقيقا عن دارفور.. فريق التحقيق ذهب إلى معسكرات اللاجئين في تشاد وأعلن عن وجود إبادة جماعية.. في القانون الأمريكي لايمكن الصمت على جريمة الإبادة الجماعية ولابد من اجراء خطوات عملية فأخذوا الأمر إلى مجلس الأمن.. وكونت لجنة تحقيق من ضمن أفرادها السيد محمد فائق الوزير المصري وقابلونا وذهبوا إلى دارفور وكتبوا تقريراً ليس فيه اثبات لوجود إبادة جماعية لكنه اشار الى جرائم أخرى.. وبناء عليه صدر قرار مجلس الأمن 1593..
بعدها قرر المدعي العام توجيه الاتهام الى احمد هارون وعلي كوشيب.. (الجماعة ديل) كان يفترض أن يأخذوا الأمر بالقانون حتى ولو من باب تطويل الإجراءات الى أن تحل مشكلة دارفور..لأنها مربط الفرس.. لكن للأسف الشديد صعَّدوا الموضوع بطريقة غلط.. سمعوا كلام من قال لهم إن السودان مادام لم يوقع على قانون المحكمة الدولية الجنائية فالأمر لا يعنيه.. بينما الأمر غير ذلك فالولاية ولاية مجلس الأمن.. ومن حقه تحويل القضية الى أي محكمة كما حدث في سوابق غيرها.. هم دخلوا في مغالطات وتصعيد وحولوا المدعي العام الدولي (أوكامبو) الى عدو..
موضوع هارون وكوشيب كان ممكنا علاجه بالقانون بدل الطرق الانفعالية التي أديرت بها الأزمة.. وكان ممكناً تغيير كل السيناريو بعدها..الأمر كله صار في النهاية حصاد المسار الخطأ الذي سارت فيه الحكومة.
* إذن كيف المخرج.. نريد (روشتة)..
هي مغالطات بكل أسف.. المغالطة الأولى القول بأنه ليس هناك تجاوزات في دارفور.. المغالطة الثانية: قولهم إن مشاكل دارفور قديمة..هذا صحيح لكن الذي حدث هو تطور نوعي في الأمر.. المغالطة الثالثة: محاولة الإدعاء بان المحكمة الدولية لا تعنينا لأننا لم نوقع.. هذا غير صحيح..
الإجراء الذي يفهمه الآخرون أن رأس الدولة يمثل الوضع في السودان باستقراره ووعده بالتطور السياسي والدستوري.. يمثل معاني حقيقية.. إذا مُس تتأثر هذه المعاني.. وهناك ضرورة للمساءلة.
هناك تناقض بين حق المساءلة والاستقرار.. مجلس الأمن من الممكن أن يتفهم هذا الوضع.. ويمكن أن يأخذ قراراً باستثناء الرئيس البشير لحماية السودان من الآثار المدمرة التي يمكن أن تحصل.. إذا حدثت مواجهة مع المجتمع الدولي وأعلنت العقوبات سيدخلنا في مشاكل كثيرة ويعقد الأمور.. يجعل العناصر المسلحة تترك قضية دارفور وتركز على الانتقام.. لابد أن نتحرك مع الدولة والأمم المتحدة في إطار حل المشكلة.. مهما حدث يجب أن لا نسمح للتناقض بين الاستقرار والعدالة أن تضيع الدولة.. يفتح الباب أمام اضطرابات أكثر وأعتقد، إن مجلس الأمن يمكن أن يتفهم الأمر لأن كل ضوابط مجلس الامن مبنية على التوفيق بين العدالة والاستقرار.. نبني الحل على ذلك.. وأهم عنصر يمكن أن يساعدنا هو الوحدة الوطنية..الشرعية بالانتخاب أو الاتفاق..النظام لديه فرصة جيدة لعمل ما كان عليه عمله في السابق.. لكي يبني الإتفاق الوطني لا بد أن يدفع استحقاقات هذا الإتفاق.. المجاملات والكلام الفوقي.. والكلام الذي يقال اليوم وينسى غدا لا يحل الأمر.. لابد من أن يستعدوا لتحويل الأزمة إلى فرصة حل.. ليمكنوا السودان من أن يستفيد من المسألة.. وأنا متأكد أننا يمكن أن نبيع لمجلس الامن هذه الفرصة لدعم السلام العادل والشامل والتحول الديموقراطي ومشكلة دارفور التي تحتاج الى إرادة سياسية.. اذا توفرت الإرادة السياسية.. واذا تخلى حزب المؤتمر الوطني عن التشبث بامتيازاته واحتكاراته.. ثمنا لاتفاق حقيقي مع القوى السياسية.. واعتقد ان القوى السياسية كلها مقتنعة بذلك..
لا يمكن إلغاء حقيقة أن هناك مظالم حصلت.. ولا يمكن أن نعتبر المحكمة الدولية كأنها لم تكن.. لابد من التنسيق بين المساءلة والاستقرار السياسي.. يجب ان نتكلم بعقل.. بدلا عن استخدام لغة (مافي حاجة).. ولغة (أنها قديمة) و (مافي اختصاص).. المجتمع الدولي سيعتبر أننا لا نحترم عقولهم..
تقصد أن مجلس الأمن قادر على تعطيل الإجراء القانوني للمحكمة..
مجلس الأمن لديه الحق في تعطيل المساءلة للبشير وفق المادة (16)… مجلس الامن معني في المقام الأول بقضية الأمن والسلم الدوليين.. لابد يفكر أن هذا السيناريو لو مضى في مساءلة البشير سيؤثر في الأمن الدولي..لكن الأمر يتطلب منا أن نتظلم بصورة محترمة.. أن نتعاون لنوفق بين الاستقرار والمساءلة..
هل تؤثر هذه القضية على ترشيح البشير.. للرئاسة في الانتخابات القادمة؟
نعم تؤثر من الناحية المعنوية بصرف النظر عن النواحي القانونية.. لأن مجرد الاتهام من المحكمة لديه أبعاد أخرى..
* نقصد البعد السياسي بالتحديد..
في القانون السوداني ليس هناك ما يمنع.. لكن من الناحية المعنوية الموضوع فيه أثر سالب.. ويعطي فرصة لكثيرين لينشغلوا بالاتهام أو الإدانة..
* وهل تؤثر القضية على اتفاق (التراضي الوطني)..
تؤثر إيجابياً.. لأن مفردات التراضي الوطني صارت مدخلا لكل الحوار.. كلام الرئيس مع الأحزاب كان ينطلق من مفردات (التراضي الوطني).. عملنا اجتماعاً أمس مع المؤتمر الوطني لتقرير الآليات والتوقيتات لتنفيذ الاتفاق.. كان الاجتماع سهلا وتوصلوا بسرعة لآليات وتوقيتات (التراضي الوطني).. يجب ان نعتبر هذه الأزمة فرصة لتحقيق استحقاقات التراضي الوطني.. أي عاقل يجب أن يراها بشكل مباشر..
* بمناسبة آليات وتوقيتات( اتفاق التراضي الوطني)..إلى ماذا توصلتم..؟
اتفقوا عليها وسنعرضها على مكتبنا السياسي غدا (اليوم).. ولا يمكن التصريح بها الآن.. لكنها عبارة عن لجان مشتركة بمواعيد محددة..موضوع دارفور على رأسها.. الاتفاق على لجنة قومية مفوضة للدخول في موضوع دارفور..واتفقنا على لجنة للحريات وثانية للملتقى الجامع وثالثة للانتخابات، وعلى متى لازم تتموتنجز مهامها.
لجنة قومية للمفاوضات ؟؟
لا.. للإمساك بكل ملف دارفور..
وموضوع الحريات.. الذي كان من أهم بنود اتفاق (التراضي الوطني)..
في رأيي عرقلت علينا أحداث 10 مايو.. ثم قضية المحكمة عقدت الأمر أكثر.. لكن المبدأ قائم ونوقش أمس، لاشك أن التطورات شوشت على مشروع الحريات.. لأنه أصبحت هناك ظروف طواريء.. وعادة في أي بلاد لو حدثت طواريء حتى ولو كانت هناك حريات (بشيلوها)..
* كأنك بذلك تقدم عذراً للمؤتمر الوطني في تأجيل استحقاق الحريات..
لا.. أنا أقصد أن هذه الأحداث شوشت على قضية الحريات من جانبهم هم.. وخلقت لهم أولويات أخرى.. لكن (دا ما صرف النظر عن الموضوع أمس)..تكلمنا عنه ووضعنا له توقيتاً..
* متى هو توقيت الحريات ؟؟ الذي توصلتم إليه مع الوطني..
سنعرض غدا ما توصلنا اليه على المكتب السياسي..
* لكن إسرائيل المحاطة بالدول العربية من كل جانب.. ودخلت معهم في حروب عديدة لم تتخل عن حرياتها يوما بحجة الطواريء.. ويواجه رئيس وزرائها حاليا تحقيقات الشرطة كأي مواطن عادي..
قلت لك إن الأمر عذرا من جانبهم.. وليس من جانبنا..
* ألا تعتقد ان المتطرفين في المؤتمر الوطني سيتحركون إلى موقع القوة..
وارد.. بل سيحدث.. لكن الخطة يائسة.. فالسؤال ثم ماذا؟.. أولا سيعزلهم ذلك عن الشعب.. فهذا الخط يؤدي الى الاستقطاب.. ومواجهة مع الحركة الشعبية وكل عناصر دارفور.. وهي مواجهة مع جهات مسلحة (مش زي زمان).. وارد أن يقولوا كفى مهازل وكفى عبث..تؤدي إلى مواجهة داخلية ومع الأسرة الدولية..هي (خطة حالمين).. ممكن.. لكن أنا قادر أفهم أن بعض كتابات المحبطين تقرع طبول العودة إلى مربع واحد..لكن هذا ليس الحل.. الحل في التراضي.. ليس هناك إلا خياران التقهقر إلى الوراء.. او الإقدام إلى الأمام.. الأول يعني الديكتاتورية.. والثاني يعني التراضي الوطني.. لا خيار آخر..
* السيد مبارك الفاضل..قال في حوار مع “السوداني”.. إنكم استبدلتم وحدة حزب الأمة بالاتفاق مع المؤتمر الوطني.. إلى أي مدى هذا الحديث يتفق مع الواقع؟
هذا تضخم ذات ليس فيه من معنى.. نحن لم ننظر لرجوعهم إلى الحزب بهذه الدرجة من الأهمية.. هذا الموضوع حسم تماما قبل اتفاق التراضي الوطني.. الذي أثار موضوع عودتهم لجنة وسطاء..فعملنا ورشة عمل في جامعة الأحفاد محضورة لهذا الموضوع.. شخصت مشاكل الأحزاب كلها.. كمشكلة قومية..وطالبت أن يكون في التزام بدعم الأحزاب.. هذا في رأيي كان نتيجة جيدة.. الذين خرجوا منا قلنا لا نريد وساطات حولهم.. نحن لم نفصلهم.. اذا اعترفوا بأنهم خرجوا من الشرعية وشاركوا في الشمولية.. فالذي يريد العودة عليه أن يفعل ذلك بصورة فردية.. مشروع التراضي هذا.. لما دخلنا في حوار مع المؤتمر الوطني.. عرضنا عليهم نقاط.. والتراضي ليس بيننا والمؤتمر الوطني.. هو بين الناس كلهم..مدخل للمؤتمر الجامع..لم نفكر في مقارنة بين التراضي ورجوع الخارجين.. أعلنا في المكتب السياسي أنه لا حاجة لفتح الحوار في هذه النقطة.. الذي يريد أن يرجع يفعل ذلك بلا حوار..
* وهل هناك من رجع إليكم من المنشقين ؟؟
نعم..
* من مثلا ؟
سنعلن ذلك في حينه..
* لكن مبارك الفاضل كان مهما لحزب الأمة..
(هو عندو دور.. نعم)..لكنه يمارس دوره بصورة فيها إخفاقات.. لما كان الأمين العام للتجمع الديموقراطي كان يدعو للاجتماع ويعجز عن عقده لـ(6) شهور.. لخلافاته مع كل الأطراف.. الناس الذين استمروا معه كانت العلاقة معهم سيئة.. لما عدنا للداخل كانت العلاقة معه مشوبة بأزمات.. تنقصه روح العمل في فريق ولديه رؤى ذاتية.. وهو في النهاية الذي أخذ القرار.. في مرة السفير المصري سألني ما هي حكاية مبارك..قلت له (أراح واستراح)..
هل سيادتكم مقتنع بأن هناك انتخابات قادمة ؟
الآن في عقبات.. (أنا شايف في عقبات).. لكي تجري الانتخابات في موعدها نحن في حاجة لتحقيق إنجازات كبيرة في زمن محدود.. مثلا دارفور وضرورة تطبيع الأمور فيها ثانيا عودة النازحين.. ونعيب على السلطات أنها تهمل هذه المسائل، نحتاج لمسابقة مع الزمن.. (أنا بفتكر) لو حدث تركيز وسباق للزمن يمكن إجراء الانتخابات في موعدها.
* لكن القوانين المقيِّدة للحريات.. لم تعدَّل بعد !!
للأسف الشديد موضوع الانتخابات أهمل حتى السنة الأخيرة..ثم بدأت (حُمى) الانتخابات تسري.. لو كان التعامل معها من قبل لحلت العقبات.. لكن على كل حال لابد من عمل مجهود كبير.. لأن السلطة بغير انتخابات تفقد الحكم شرعيته حسب اتفاقية نيفاشا.. وحتى من ناحية سياسية أيضا مستحيل الحكم بدون انتخابات.. الشريكان غير راضيين عن أنفسهما.. و(شغالين) تعويق ضد بعضهما البعض.
استمرار الحكم بحكومة الوحدة الوطنية بغير انتخابات مستحيل.. العلاقات صدامية بين بعضهم البعض.. تأخير الانتخابات يلغي شرعية الحكومة الإنتقالية ويكرس المشاكسة.. الإنتخابات ضرورة لإيقاف هذا العبث.. فالشرعية السياسية هي رضاء الناس بالانتخابات..
* أخيرا.. مع من ستتحالفون في الانتخابات القادمة (إن قامت)..
هناك فرص للتحالف مع أي حزب.. لكن حتى الآن لم نقرر.. تدرس المسألة وتعرض على المؤتمر العام.. الفرصة مفتوحة.. و مع من؟ أيضاً مفتوحة.[/ALIGN] السوداني