عبد الباقي الظافر

هل تخلى الإسلاميون عن الشريعة؟ ..!!

[JUSTIFY]قبل سنوات طويلة زار صحفي غربي رئيس وزراء تركيا وقتها.. بعد حديث صحفي طويل مع أوردغان تخلله غداء خفيف قدم الصحفي الزائر طلبا غريبا.. طلب الصحفي أن يفتح ثلاجة أردوغان ليتأكد أن كانت لا تحوي خمرا.. فقد اعتاد السياسيون الأتراك أن يحتفظوا بأنواع من (البيرة) قليلة الكحول ليقدموها لضيوفهم.. الشاهد أن الزعيم أردوغان رفض أن يلبي طلب الصحفي الزائر.. أغلب الظن أن أوردغان كان يمارس التقية السياسية.. بالطبع أن ثلاجته لم تكن تحوي خمرا وكان ذاك الدليل الذي يبحث عنه الصحفي الزائر.
الإسلاميون بدأوا كثيرا من المراجعات الفكرية التي تجيب على سؤال مهم هل بإمكان الإسلاميين أن يتعايشوا مع الآخر في إطار نظام ديمقراطي.. أول من حاول أن يجيب على هذا السؤال بطريقة عملية هو حزب العدالة والتنمية في تركيا.. رغم أن هذا الحزب يحكم منفردا تركيا لسنوات طويلة، إلا أنه لم يحدث تغييرا جوهريا في بنية الدولة العلمانية في تركيا.. صحيح أن واقع الدولة العميقة والراسخة يجعل مهمة أسلمة الدولة أمرا صعبا.. طوال هذه السنوات قدم إسلاميو تركيا نموذجا لتحقيق مقاصد الإسلام دون أن يقتربوا من الشريعة الممثلة في الحدود الشرعية.. أقصى درجة من الأسلمة أنهم سمحوا بحرية الحجاب داخل المؤسسات التعليمية.. ومثل هذه الحرية موجودة حتى في أكثر الدول علمانية مثل بريطانيا وأمريكا.
حينما وصل الإسلاميون في مصر إلى السلطة بعيد ثورة الربيع العربي انصرفوا لهموم الحكم اليومية من توفير القوت والأمن للمواطن.. لكن الشاهد أن حديثهم عن الشريعة الإسلامية وشعار الإسلام هو الحل الذي صاحب مسيرتهم في المعارضة الطويلة توارى في عامهم في حكم مصر.. أغلب الظن أن حركة الإخوان المسلمين في مصر لم يمنحها أعداؤها فرصة التقاط الأنفاس.. كما أن وصولهم عبر آلية الديمقراطية للسلطة حتم عليهم احترام هذه الآلية ولو إلى حين.. فمارسوا الصمت الجماعي حول قضية الشريعة الإسلامية.
أكثر تجربة إسلامية مارست تجديدا فكريا حول أسلمة الدولة كانت التجربة التونسية.. حركة النهضة التي يقودها راشد الغنوشي لم تجعل تطبيق الشريعة الإسلامية على سلم اهتماماتها.. بل إن الشيخ الغنوشي لم يصر على تضمين تعبير (الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي لكل التشريعات) وهي عبارة موجودة في معظم دساتير الدول العربية.. الغنوشي منح الدولة التونسية صفة الدول الإسلامية رغم أن الرئيس الأسبق بورقيبة صنع تشريعات تمنع تعدد الزوجات ووضع لوائح تمنع حتى استخدام مكبرات الصوت في الأذان للصلوات.. بل استمر الغنوشي في اجتهاده إلى مرحلة قوله (الإسلام يجمع التونسيين والشريعة تفرقهم).. وحتى لا يتهم الشيخ في دينه فالغنوشي يقصد أن لا خلاف حول الإسلام في تونس بقدر ما هنالك عدم اتفاق حول تطبيق الشريعة الإسلامية في ذاك البلد.
مؤخرا يبدو أن الموجة وصلت إلى السودان الذي تحكمه الحركة الإسلامية منذ ربع قرن.. في برنامج الميدان الشرقي الذي أقدمه أسبوعيا في قناة أم درمان، سألت عددا من رموز الحركة الإسلامية عن الموقف من الشريعة الإسلامية إذا جاء حزب علماني عبر آلية الديمقراطية.. كمال حسن علي وزير الدولة بالرعاية الاجتماعية، قال إن الشريعة خط أحمر.. ولكن هنالك شيخين لم يتفقا معه في ذات الرؤية.. الأستاذ كمال عمر المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي، أكد أن الدفاع عن الشريعة ليست مسؤولية حزبه بل مسؤولية الشعب السوداني.. فيما الشيخ حسن رزق نائب رئيس حركة الإصلاح مضى إلى أكثر من ذلك حينما اقر أنهم كإسلاميين يقبلون بالعلمانية إذا جاءت عبر الخيار الشعبي.
في تقديري أن هنالك مراجعات كثيرة في الفكر الإسلامي ولكن الحركات الإسلامية لن تصل إلى تخوم الشريعة الإسلامية.. ما يترائى من تنازلات ومراجعات هو محض تقية سياسية تمارس اتقاء الاستهداف السياسي.. لكن المستقبل لن يترك الإسلاميين في حالهم بل سيتم اختبارهم بشكل عملي.[/JUSTIFY]